الطويسي: المواطنة الرقمية تثري الثقة وتحارب التضليل الإعلامي
وصف وزير الثقافة الدكتور باسم الطويسي خطّة التربية الإعلامية والمعلوماتية، التي أعدّتها وزارة الثقافة، كأولوية حكومية للعام القادم، بالريادية؛ مؤكّداً دورها في "ترشيد" التعامل المجتمعي مع وسائل الإعلام ومصادر المعلومات والمعرفة، بما يحقق مواجهة التضليل الإعلامي والاستخدام الضّار لهذه المصادر والمعلومات.
وقال، في حديثه للبرنامج التلفزيوني ستون دقيقة الذي حاورته فيه الزميلة عبير الزبن الجمعة، إنّ العالم كلّه يشهد تحولات وتعاملات جديدة ترتّبت على التطور التكنولوجي في مجال الاتصال والإعلام المعاصر، ولذلك فقد جاءت الاستجابة الوطنية بحجم هذه التسارعات، لكي نستبق ردود فعل وتداعيات متعددة، ونصل إلى الأنظمة التعليمية والأنساق الثقافية ومؤسسات التنشئة في وقت مبكّر.
"التربية الإعلامية والمعلوماتية"
وأكّد الطويسي، "أهمية الخطوات والخبرات الوطنية خلال السنوات الماضية في مجال التربية الإعلامية والمعلوماتية، لكنّها لم تتحول إلى خطة وطنية شاملة؛ ومن هنا جاء الالتزام الحكومي في هذا الاتجاه من خلال الخطّة التي تشمل جهود عدد من الوزارات والمؤسسات الوطنية، كنموذج للتكامل والتشاركية بين المؤسسات الحكومية والمؤسسات الأهلية والمدنية ووزارات الشباب والتربية والتعليم والتعليم العالي والجامعات، والتي تنطلق في الفترة من 2020 -2024".
ورأى أنّ "العقدين الأخيرين، وبما شهداه من تحولات هائلة في شكل المحتوى الإعلامي الذي يقدّم المعرفة للناس والمواطنين، تغيرت فيهما العملية الاتصالية من الشكل التقليدي العامودي إلى الشكل الدائري الذي أصبح فيه المواطن جزءاً منها وفاعلاً فيها، وبإمكانه أن يقدّم المعلومة وينتجها، على خلاف السابق الذي كانت فيه وسائل المعلومات ومصادر الإعلام تقليدية لديها ضوابط مهنية وأخلاقية وقانونية، ومن هنا انتبه العديد من المجتمعات إلى ضرورة تطوير هذه المناهج والدخول إلى النظم التعليمية".
وأكّد الطويسي أهمية الكفايات والمهارات والمعارف التي تتيح الوصول إلى مصادر المعلومات والإعلام وتقييم هذه المصادر والمشاركة فيها بشكلٍ إيجابي، بمعنى الوصول إلى "المواطنة الرقمية" الفاعلة، وهو ما يؤدي إلى إثراء الثقة العامة في المجتمع، وبالتالي تخفيف عدد الإشاعات والأخبار المزيفة وأشكال التضليل المختلفة في المحتوى الإعلامي.
التمكين والحماية
وحول آلية عمل ذلك، قال إنّ خطة التربية الإعلامية والمعلوماتية تعمل على مستويين: الحماية، من خلال تقديم المهارات والكفايات للنشء والشباب والعائلة ولمختلف أفراد المجتمع، من أضرار وسائل التكنولوجيا والإعلام ومصادر المعلومات المختلفة، وكذلك التوعية والتفكير النقدي بالمحتوى الإعلامي، وتجيء أهميّته في أن يتعلم النشء الجديد هذه المهارات، فيطرح الأسئلة حول الفرق بين الخبر والرأي مثلاً، وحول من يقف وراء هذه الوسيلة ومن يموّلها، وهل هذا المحتوى يعتمد على مصادر موثوقة أم صادقة، وهو ما يتمّ تعلّمه في المناهج سواء في النظام التعليمي في المدارس أو الجامعات أو في المؤسسات الشبابية أو من خلال الوعي العام.
وراهن الطويسي "على هذا البعد الدفاعي والحمائي، فكلما قللنا من عدد الإشاعات ومن مستوى تدفقها وأتحنا المجال لتدفق المعلومات الموثوقة، حصّنا المجتمع وعرّفناه بهذه المهارات والكفايات والإعلام المهني الذي تكون له الكلمة الأولى والأخيرة.
أمّا البعد الآخر في التربية الإعلامية والمعلوماتية فهو مستوى التمكين، بمعنى أنّ هذه الوسائل والأدوات هي ضرورية، ونستطيع أن نمكّن المجتمع منها والشباب تحديداً، من أجل العديد من الفرص التي تتيحها في الابتكار والإبداع في المحتوى الإعلامي والمعلوماتي والمعرفي".
وتمثّل الدكتور الطويسي بإحصائيّة أنّ الشباب الأردني من سن الرابعة عشرة وحتى التاسعة والعشرين يقضون وقتاً بمعدل خمس إلى ستّ ساعات يومياً على الوسائل الرقمية، في حين أن ما يقضونه في الحديث مع الوالدين لا يتجاوز عشرة إلى خمس عشرة دقيقة، بمعنى أنّ هذه الوسائل لها دور كبير بالسلب أو بالإيجاب، وعلينا أن نحسّن وأن نصل إلى شباب اليوم، وأن نحصّنهم بالمعرفة أولاً، قبل القوانين، فالمعرفة والتحصين والتثقيف أمور مهمّة جداً ولا تقل عن أيّ مسلك آخر".
بناء القدرات
وشرح آلية العمل وفق الخطّة على عدّة مجالات، ففي المجال التعليمي في المدارس العامة وبناء القدرات والتدريب خلال أربع سنوات يُصار إلى تدريب ثلاثة آلاف معلم في مختلف المحافظات ومديريات التربية والتعليم في مجال مهارات ومعارف التربية الإعلامية والمعلوماتية وضمن أدلّة تدريبية بعضها تمّ تطويرها وبعضها سيتم تطويره لاحقاً، وستشتمل الخطّة على إنشاء عدد من الأندية الطلابية في عدد من المديريات، وهذه الأندية ستكون رديفاً لتطوير الأنشطة الإثرائيّة، خاصةً وأنّ وزارة التربية والتعليم في الفترة الأخيرة وضمن رؤيتها الإصلاحيّة وسّعت من الأنشطة الإثرائيّة في المدارس، وسيكون جزءٌ من هذه الأنشطة خاصّاً بالتعامل مع المعلومات والأخبار لمحو الأمية الإخبارية.
وقال الطويسي، "كنّا في السابق نعاني من ندرة المعلومات فيما نحن اليوم نعاني من وفرة هذه المعلومات وتدفقها وازدحامها في المصادر وكيفية التوثّق منها، ولذلك فإنّ المهارات الإعلامية مطلوبة، إضافةً إلى إنشاء شبكة في مختلف المدارس وفي المناهج وسيتم إدخال مفاهيم التربية الإعلامية والمعلوماتية إلى ثلاثة صفوف على شكل وحدات دراسية في كتب التربية الوطنية والاجتماعية وكتاب الحاسوب، وليس كمادة مستقلة، بل إدماج المفاهيم في عدد من المساقات والكتب المدرسية لكي يستفيد الطلبة في هذا الموضوع.
وفي مجال الجامعات والتعليم العالي قال إنّ هنالك مساراً آخر لبناء قدرات أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، وأنّ تطلّعاً إلى الجامعات العامة الحكومية والخاصة لأن تتعاون معنا في وضع مساق ضمن حزم المتطلبات الجامعية، لكي يحصل كل طالب يدخل هذه الجامعات على حصة من المعرفة والدراية في التعامل مع مصادر المعلومات ووسائل الإعلام، وبالتالي فهذه عملية تحميه وتمكّنه في الوقت نفسه، وأيضاً سيتم التعاون مع إحدى الجامعات الأردنية في تطوير برنامج في الدراسات العليا في التربية الإعلامية والمعلوماتية، نحو طموح أن يصبح الأردن في المنطقة موئلاً في تطوير مرفق التربية الإعلامية والمعلوماتية ولكي نصدّر في المجال القريب الخبرات النوعية، إذ ستلعب الجامعات دوراً مهماً في هذا الشأن.
وشرح الطويسي أنّ هذه البرامج التفصيلية ستكون ضمن إطار منطقي وزمني للخطة يوضح بالتفصيل في كل عام الإجراءات التي يتم اتخاذها مع الفاعلين والشركاء الرئيسيين سواء في التربية والتعليم أو في الجامعات الأردنية أو وزارة الشباب أو الهيئات الشبابية أو مؤسسات المجتمع المدني المختلفة، وكذلك يبيّن أدوار كل الجهات ومسؤولياتها في كل مجال من هذه المجالات.
و قال إنّ التعاون مع وزارة الشباب سيكون باتجاه بناء قدرات لنحو ثلاثين شاباً أردنياً خلال الأربع سنوات في مختلف مراكز الشباب، لافتاً إلى أكثر من مئة مركز شباب يتم العمل بشأنها مع وزارة الشباب لبناء قدرات كلّ هذا العدد من الشباب.
التأسيس والاستدامة
وشرح أنّ البرنامج ومنهجية الخطة في العمل مع الشركاء سينقسم إلى ثلاث مراحل، الأولى هي التأسيس، بمعنى أننا نؤسس لنشر التربية الإعلامية والمعلوماتية وبناء قاعدة لدى المؤسسة المعنية، إن كنا نتحدث عن وزارة الشباب أو وزارة التربية والتعليم أو التعليم العالي، لنكون بعد ذلك أمام مرحلة الانتشار، بمعنى أن نوسّع قاعدة انتشار هذه المعرفة، بحيث تشمل مستويات متعددة داخل هذا القطاع، ومن ثم الاستدامة، فهناك عدد من المعطيات التي تعمل على الاستدامة في القطاع المعني من خلال إنشاء إطار مؤسسي داخل هذه الجهة وإصدار تعليمات أو أطر قانونية تلزم هذه الجهة على بناء تراكمي في هذا الموضوع حتى يتحول إلى جزء من آلية العمل اليومي المستدام.
وحول ما إذا كانت الخطة تستلزم التعاون مع خبرات إعلامية، قال الطويسي إنّ اليونسكو في الثمانينات من القرن العشرين وحين بدأت التربية الإعلامية والمعلوماتية كانت توجهها نحو المجتمع وليس الإعلاميين، لأن الإعلاميين هم خبراء في مجالهم ومحترفون أو هكذا يفترض أن يكونوا، لكنها موجهة نحو الذين ليس لديهم الدراية في مجال الإعلام، وبالتالي فهي منظور تثقيفي، لأن ترجمة اليونسكو إلى العربية كانت معنية بـ "الدراية الإعلامية"، ولذلك فهي موجّهة للمجتمع، لكننا في الخطة لم نغفل هذا الأمر، فأنشأنا فريقاً وطنياً للتربية الإعلامية للمساهمة في مساعدة الفريق الحكومي في وضع الخطط التفصيلية وفي المتابعة بشكلٍ عام، وهذا الفريق الوطني يضمّ نقيب الصحفيين. وكذلك في العمليات فلو أخذنا مثلاً بناء القدرات في كل مجال من المجالات الأربعة للخطة فإننا في البداية أمام مرحلة التأسيس إذ نعتمد على فريق أساسي كمتدربين وخبراء، وهؤلاء يتلقون تدريباً وتدريب متدربين، ونحن نركز على أن يكون جزء من الصحفيين المحترفين والإعلام الأردني مشاركاً بالتأكيد وسيكون له دور أساسي في تنفيذ هذه الخطة.
استجابة "الثقافة"
وحول منجز وزارة الثقافة خلال فترة كورونا وهل أنتجت دوراً جديداً ومختلفاً، أحال الدكتور الطويسي الإجابة والتقييم للجمهور، شارحاً أنّ الوزارة عملت ضمن الفريق الحكومي أيضاً على الاستجابة السريعة لمتطلبات الأزمة لهذا الوباء الذي شهدته المملكة وشهده العالم، لذلك على الفور كان لدينا مجموعة من الحزم أسميناها برامج التكيف الاجتماعي، وهذه البرامج حققت تحولاً كبيراً في طريقة تعامل وزارة الثقافة مع الجمهور، بحيث انتقلت من التركيز على النخب في الماضي في العمل التقليدي إلى التركيز على القواعد الشعبية الواسعة، أي على المجتمع بشكل أوسع، أما الدرس الثاني الذي استفدناه فهو الاندماج أيضاً في التكنولوجيا الرقمية واستخدام الأدوات الرقمية بسهولة ويسر مما مكنّا أيضاً من الوصول إلى أعداد كبيرة، فقد كنا في السابق نخطط إلى ندوة يحضرها خمسون إلى ستين شخصاً، أما اليوم فالندوة عن طريق الأدوات الرقمية توصلنا إلى آلاف كثيرة، ولذلك فإنّ وزارة الثقافة نفذت في المرحلة الأولى حزمة التكيّف الثقافي الأوّلي وعلى رأسها مسابقة "موهبتي من بيتي"، التي استمرت عشرة أسابيع وأفرزت إبداعات حقيقية ونتائج مدهشة، إذ فاقت توقعاتنا بحيث أفرزت عدداً كبيراً من الموهوبين الأردنيين من الشباب والأطفال، وأيضاً كان حجم المشاركة هائلاً وكبيراً، فقد كان وصل إلى 96 ألف مشارك موثقة أعمالهم على قاعدة البيانات لدى الوزارة، وقد شاركوا وقدّموا موهبة سواء في كتابة قصة أو شعر أو موسيقى أو أغنية أو فنون تشكيلية أو رسم وغيره، وهذا عدد كبير، فالذين فازوا وحسب بيانات لجان التحكيم 916 شخصاً بين شاب وشابة وطفل وطفلة، وهذا عدد كبير ويحتاج إلى برنامج وطني في رعاية الموهوبين، وهو ما نعمل عليه حالياً وسنطلقه قريباً باهتمام كبير من رئيس الوزراء في هذا الموضوع لأن نهتم بهذه الفئة من الموهوبين، حيث سيكون الإعلان عن البرنامج الوطني لرعاية الموهوبين كأول برنامج وطني في هذا المجال.
مهرجان جرش
وحول فكرة إقامة مهرجان جرش، قال الدكتور الطويسي إنّ مهرجان جرش أُجّلَ إلى أيلول القادم ولم يُلغَ، فنحن نعمل على شراء الوقت، آملين أن يتحسّن الوضع الوبائي المستقر حالياً والأفضل من كافة الدول المحيطة، فلدينا أكثر من سيناريو، ونأمل أن ننفّذ الأفضل، مرجّحاً أن يقام المهرجان ولو بأعداد محدودة وأن نعتمد بشكل رئيسٍ على البث المباشر لفعالياته. وقال إننا نريد أن نوجّه رسالةً أنّ الأردن قادر على إقامة فعالياته الثقافية وأنشطته المختلفة وأنّه يحافظ على استمرار الحياة العامة، وفي الوقت ذاته يستطيع أن يتكيّف أو يتعايش مع هذه الظروف الطارئة.
وينسحب هذا على باقي المهرجانات، في المسرح والأغنية، فعلينا أن ننتبه إلى بُعد آخر مهم وهو أنّ الحياة الثقافية مستمرة جداً ويجب أن تبقى على قيد الحياة، ولفت الطويسي إلى أنّ هنالك من يعمل في القطاع الثقافي من فنانين ومنتجي معرفة يعتمدون في دخلهم على هذه المنتجات الإبداعية والثقافية، ولذلك سنحافظ على الاستمرار في إنتاج الأعمال المسرحية مثلاً حتى وإن عُرضت بدون جمهور أو بالبث المباشر أو عن طريق الأدوات الرقمية المختلفة، وهو ما يحافظ على استمرار الحياة الثقافية بغية توصيلها إلى أكبر عدد من الجمهور.
إبراهيم السواعير، (عمون)
5/7/2020
المصدر : وزارة الثقافة الأردنية