تأملات في كتاب «من حقيبتي» للكاتبة والإعلامية محاسن الإمام
د. زياد أبولبن
محاسن الإمام مقدسية المولد، أردنية الهوية، عربية الهوى. تُعدّ من المناضلات الفلسطينيات في مجال العمل الإعلامي، بل هي من الرائدات في هذا العمل، قد شقّت طريقها وسط مهنة المتاعب بعزم وثبات دون كلل أو ملل، ولم يثنها ما واجهته من صعاب أثناء تنقلها بين عدد من الصحف الأردنية وغيرها، بل كان يزداد إصرارها وإيمانها يوماً بعد يوم، ويترسخ في وجدانها أن العمل الإعلامي رسالة مناضلة من خلال الكلمة والصورة في وجه المحتل الغاصب لفلسطين، كذلك في وجه التخلف والفقر، وفي الدفاع عن المرأة وحقوقها في مجتمع ذكوري بالمطلق.
جاء كتاب «من حقيبتي» ما يجمع بين السيرة والمذكرات، وما جمعته من مقالاتها المنشورة في الصحف، وليس كلّ ما كتبته، فلقيت في سيرتها الأولى (الطفولة) ما دفعه الشقّ الحياة بنفس الثائرة على الواقع، والمتمرد على الذات، وأمضت أربعة عقود من العمل في مهنة المتاعب إلى أن تكلل نجاحها في تأسيس ورئاسة مركز الإعلاميات العربيات في عمان.
أكسبها التنقل والسفر في عواصم عربية وغربية تجربة جديدة في العمل الصحفي، وخبرة ودراية في شؤون الحياة، واطلاعاً على ثقافات الأمم، فكانت تلك التجارب معيناً لا ينضب من الحكايات والقصص والعلاقات الاجتماعية وعلاقات العمل الصحفي، فلاقت التشجيع من طرف كما واجهت بكل حزم واقتدار مَنْ يضعون العصي بالدواليب.
تتمتع محاسن بأسلوب رشيق في الكتابة بعيداً عن الزخرفة والتزويق، بل هو أقرب إلى البساطة في التناول، كي يصل ما تكتبه إلى العامة من الناس كما يصل إلى المثقفين، كما هو حال مقالاتها التي نُشرت في الصحف، واستطاعت أن تجمع ما يمكن جمعه في (من حقيبتي)، مما أضاء جانباً آخر من جوانب حياتها العملية.
كان لفواتح فصول كتابها اشتباك مع متنه، وإضاءات على عبارات أو كلمات كبار المفكرين والكتّاب في العالم، وإن دل هذا إنما يدل على ثقافتها التي زادت من وعيها في العالم، وتجلّت من خلال سردها التاريخي لوقائع وواقع عاشته، ويمتدّ من الطفولة إلى ما يقارب السبعين من العمر.
حازت على عدد من الجوائز والأوسمة والتكريمات العربية والعالمية، وكل هذا وذاك بتشجيع من الأب الحاني على ابنته المتمردة الثائرة على واقعها، والأم التي كانت سبباً في سعي محاسن إلى خوض أشبه ما يكون بالحرب على التخلف وانتزاع حقها في الحياة، وبتشجيع من زوجها (شاهر) الذي رافقته في رحلة الدراسة خارج الوطن، وقد كانت الأم المثالية لابنتيها (نور وسناء)، والمحبوبة بين زميلاتها وزملائها في العمل، والوفية لصديقاتها.
يجد قارئ كتاب «من حقيبتي» تجربة غنية وعميقة، تستحق الوقوف عليها، وتدفع بجيل الشباب إلى رفض المسلمات في الحياة، والبحث عن الحقيقة الغائبة، والكلمة الصادقة، والإيمان بالعقل لا بالنقل، والتمسك بالقيم النبيلة والمبادئ السامية، والتحدّي للصعاب، ومعرفة عدوك قبل معرفة صديقك، والنضال من أجل الحقّ، الذي يجده ضائعاً في زيف وتضليل ما اكتشفه الإنسان من شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام المُضلل. حقاً سيجد قارئ الكتاب رسالة لا تمحوها ذاكرة الماضي.
المصدر:الدستور