Aller au contenu principal
سهام نجم تكتب المواطنة وتعاقب الأجيال فى زمن التغيير الصعب

لم يأتِ توصيف المواطنة فى زمن التغيير الصعب تلقائيا، ولكنه جاء معبرا عن مرحلة تاريخية حادة فى تاريخ الشعوب وعلى جميع المستويات الوطنية و الدولية، المحلية والكونية، فما زالت الفجوة تتسع بين الأجيال وعلى جميع نواحى الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وخاصة مع تزايد تأثر المواطنة بالتقدم السريع بمجالات الثورات المعرفية والاتصالية والتقنية.


وتأتى خطورة الفجوة بين الأجيال فى تجذرها وعمقها واتساعها فى ظل عولمة تقتحم جميع الكيانات والهياكل المؤسسية، وخاصة الاجتماعية منها بالدرجة الأولى، لما لهذه الكيانات من عناصر وسمة تقليدية ونمطية وعدم القدرة على التطوير السريع واللحاق بالتقدم التقنى والاتصالى والمعرفى.


ومع الاعتراف بأن لكل جيل من الاجيال المتعاقبة سمات وخصوصيات يمتاز بها عن الجيل السابق، وأن تطور الحياة الإنسانية تتسم بالتغيير المستمر، فانه يصبح السؤال الأهم المطروح على المهتمين والمتخصصين بالشأن العام هو إلى أين يقودنا هذا التغيير الكبير المكبل بالتحديات الضخمة؟


وإذا نظرنا إلى منظومة القيم والحقوق الإنسانية فإنها تشكل عاملا مشتركا ثابتا بين الأجيال؛ حيث التسامح والإنصاف والعدالة لتحقيق التماسك الاجتماعى والعيش المشترك من خلال إلغاء جميع أشكال التمييز والإقصاء والاستبعاد والتمكين من ثمار التنمية الوطنية لجميع الفئات وأجيال المجتمع لتحقيق الانتماء وتماسك لأبناء الوطن الواحد، وتطوير آليات لتحقيق المشاركة الفعالة، وبذلك تصبح منظومة القيم والحقوق الإنسانية حائطَ صدٍ وحماية للمجتمع من التصدع والصراعات من جهة والتفكك والانهيار من جهة أخرى.


وفى ظل تزايد تقديرات الخبراء من أفول وتراجع لدور ووظيفة المؤسسات الاجتماعية وجميع المؤسسات الأخرى، وعدم ملاحقتهم للتغيرات الكبيرة والسريعة العلمية والتقنية والاتصالية وتداعياتها على جوانب الحياة المختلفة فيصبح الانتباه والتأكيد على أهمية الدور المحورى والحيوى لتلك للمؤسسات من استهداف وترسيخ خطاب واعٍ جديد يعزز من قيمة رأس المال الاجتماعى وتراكمه التاريخى، والعمل على تجسير الفجوة بين الأجيال بخلق مجال عام للحوار والفهم و الابتكار المتبادل، وذلك من خلال مقاربة قائمة على التواصل والحد من الاغتراب بين الاجيال، وتبنى المقاربة على الوعى التاريخى المؤسس على المواطنة الفعالة؛ حيث إنها وعاء الخبرة الإنسانية التى تسهم فى تشكيل الأجيال بالفهم والوعى البناء وتحقيق المصداقية والثقه فى تواصل مجدٍ بين الأجيال.


تعزز هذه المقاربة تفعيل دور التربية على المواطنة النافية للصراع أو الاغتراب الكامل بين الأجيال والداعمة لتواصل قائم على حركة الأفراد والمجتمعات للتمكين من الحقوق وفق منهجية قانونية وتشريعية تترجم إلى برامج وخطط تدعم وترسخ لآليات المشاركة والتمكين وممارسة تلك الحقوق فى ضوء العدالة والشفافية، فتشكل الحاضر وترسخه للولوج إلى المستقبل الواعد.


ويأتى دور التعليم فى مقدمة المؤسسات الاجتماعية المعنية بالتربية على المواطنة فكيف يمكن للتعلم أن يطور المعارف والمهارات والقيم والمواقف التى يحتاجها المتعلمون لتأمين عالم أكثر عدلًا وسلمًا وتسامحًا وشمولًا، وكيف للتعليم أن يمكن الأفراد من فهم وحل القضايا فى أبعادها الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية والبيئية، كذلك كيف للتعليم والتعلم أن يحقق التربية على المواطنة من القبول واحترام الاختلاف والهويات المتعددة، مثل الثقافة واللغة والدين وتطوير مهارات العيش المشترك فى عالم يزداد تنوعا، وتطوير وتطبيق المهارات الأساسية للقرائية، مثل التفكير النقدى واتخاذ القرارات وحل المشكلات وبناء السلام القائم على العدل وتطوير قيم الإنصاف و العدالة الاجتماعية والمهارات اللازمة للتمكين من المساواة، وتحقيق التكافؤ والمساهمة فى خلق بيئة تتسم بالتفكير والحوار والنقد وبناء الوعى.


نحن أشد ما نحتاجه الآن هو أن تتواصل الأجيال بثقة وتمكين وجهوزية لخوض حقبة تاريخية تحمل تحديات ضخمة يمر بها العالم أجمع، من تداعيات كوفيد 19، وتحديات التغيير المناخى ومسائل الهجرة الجماعية والبطالة، وتزايد نسب الفقر، وسوء التغذية وتناقص الغذاء، وأشكال متعددة لعدم المساواة والتمييز، والتوسع فى النزاعات المسلحة و الإرهاب، وهشاشة الانظمة الصحية والاحتكار التقنى، والتكنولوجيا المتطورة وسوق العمل اللا إنسانى.


كل ذلك يدعو إلى التفكير فى طرح مشروع تربوى ومعرفى وثقافى نهضوى جامع وشامل يعمل على تغيير البيئة التقليدية الساكنة إلى حراك فاعل للأفراد والمجتمع كحق إنسانى واسع المجال، يحرك المجتمع بجميع مؤسساته وهياكله نحو تحقيق المواطنة الفاعلة من خلال التمكين من الحقوق الأساسية الاجتماعية والاقتصادية والمدنية والسياسية عبر آليات وممارسات عادلة وناجزة وفاعلة.


ولإحداث هذا الحراك لابد من تحديث العقل بتنمية الوعى وتفكيك التسلط وبناء شراكة مع أصحاب الفكر والرأى لممارسة أدوار تنويرية بالمجتمع ورصد لجميع الفجوات الجذرية من تحديات ومشاكل التمييز والتهميش والإقصاء فى التعليم والعمل والصحة والبيئة والممارسات السياسية والمدنية، ولتحقيق ذلك لابد من إتاحة مساحة أوسع بالمجال العام للحوار والمناقشة والمشاركة بقواعد المساواة وإتاحة المعلومات للجميع.

 

 

 

 

المصدر: الشروق

14 déc, 2021 03:15:48 PM
0