Aller au contenu principal

شخبطات عبقرية: علم الشخبطة

ليست الشخبطة إلهاءً، بل لها غاية مهمة، ويمكنك الاستفادة منها.

 اعتاد رونالد ريجان ملء هوامش الصفحات برسومات رديئة لرعاة البقر، وكان الشاعر جون كيتس يرسم أزهارًا. أما شخبطات عالم الرياضيات ستانيسلو أولام فكانت أكثر إبداعًا. فبينما كان أولام يستمع إلى محاضرة مملة في مؤتمر عُقد عام ١٩٦٣، أخذ في تدوين سلسلة من الأرقام في شكل حلزوني، ثم أدرك مدى عبقرية تلك الوسيلة لعرض الأرقام الأولية، إذ كشفت له عن أنماط غير متوقعة ضمن توزيع الأرقام الأولية. وهي الشخبطات المعروفة الآن بحلزونية أولام.

كثيرًا ما نرى الشخبطة مجرد رسومات لا معنى لها نلجأ إليها عند شعورنا بالملل، غير أن اكتشاف أولام يوحي لنا بألا نتسرع في وصمها بالعبث، فحقيقة كونها تلقائية وشائعة إلى هذا الحد تشير إلى وجود فائدة ما منها، لكن تُرى ماذا يمكن أن تكون تلك الفائدة؟

رأى سيجموند فرويد أن التلقائية التي يشخبط بها الناس تكشف عن شيء ما مما يعتمل في نفوسهم؛ فالشخبطات نافذة نطل منها على اللاوعي. فمثلًا من تكون شخبطته أشجارًا، قد يكون منشغلًا بفكرة الحياة والنماء.

لا تزال فكرة إمكانية «تفسير» الشخبطة لها مؤيدوها، ولكن ليس لها سند علمي قوي يدعمها. في عام ٢٠٠٩، أرادت مجموعة من الطلاب بجامعة كابيتال في أوهايو معرفة هل شخبطات الناس تزداد تعقيدًا مع تصاعد حالاتهم الانفعالية، فراقبوا مجموعة من زملائهم وهم يشخبطون أثناء المحاضرة، ثم طلبوا منهم ملء استبيان يقيِّم حالتهم المزاجية، غير أنهم لم يجدوا أية علاقة على الإطلاق بين الأمرين.

إلا أن دراسة ثانية أُجريت بالجامعة نفسها كشفت عن نتيجة أكثر إثارة للاهتمام؛ إذ بحثت هل توجد علاقة بين تعقد الشخبطات التي يرسمها أحدهم ومدى تشتت فكره. لكن لم يتضح وجود علاقة كهذه؛ فالطلاب الذين رسموا شخبطات معقدة أثناء مشاهدتهم لفيلم تعليمي تذكروا تفاصيله بالدقة نفسها التي تذكرها بها الطلاب الذين لم يرسموا شخبطات معقدة (مجلة إبيستيمي، مجلد ٤، صفحة ٢١). والحقيقة أن هذه الدراسة أيضًا كانت مشروعًا طلابيًّا وليست بحثًا خاضعًا للمراجعة العلمية من زملاء، لكنها أشارت إلى أن الشخبطة قد لا تستحق السمعة التي لحقت بها باعتبارها إلهاء.

اكتسبت هذه الفكرة مصداقية عندما اهتمت جاكي أندراد — عالمة نفس بجامعة بليموث، بالمملكة المتحدة — بطبيعة أحلام اليقظة وبالكيفية التي قد تؤثر بها الشخبطة على توارد أفكار معينة أو إقحامها بذهن المرء، وأثار فضولها النتائج التي تشير إلى أن عدة مناطق بالمخ — يُطلق عليها إجمالًا اسم الشبكة الافتراضية — تشتعل نشاطًا أثناء أحلام اليقظة، بدلًا من أن تتوقف عن العمل. تقول: «عندما نشعر بالملل يستمر حدوث قدر كبير من نشاط المخ؛ فالمخ لا يتوقف أبدًا عن العمل.» ربما تكون وظيفة الشبكة الافتراضية ترتيب الذكريات أثناء توقف النشاط أو البحث عن معلومات للتخلص من الإحساس بالملل أو حتى إعداد خطط مستقبلية.

وتساءلت أندراد عن وجود مهام معرفية بسيطة يمكن أن يؤديها الشاعرون بالملل لمنع أكثر أحلام اليقظة تشتيتًا للذهن. لاختبار صحة تلك الفرضية، أجرت تجربة استمعت فيها مجموعتان من المتطوعين إلى رسالة بريد صوتي رتيبة ومملة، وطلبت من كلتا المجموعتين تدوين أسماء الأشخاص الذين سيحضرون حفلًا ما، وتخلل ذلك دردشة مضجرة لا علاقة لها بالموضوع. وتوقعت أندراد أنه أثناء تلك الفترات الزمنية الطويلة سيلجأ الأفراد على الأرجح إلى أحلام اليقظة. وكان الفارق الوحيد بين المجموعتين هو تشجيع إحداهما على الشخبطة أثناء الاستماع.

عند انتهاء الرسالة المسجلة، خضع المشاركون في التجربة لاختبار سريع لمعرفة قدر ما أمكنهم تذكره من المكالمة. وقدمت النتائج أدلة انتصرت لكل من عانوا استنكار الناس لشخبطاتهم التافهة، فالمجموعة التي شُجعت على الشخبطة لم تتفوق في الأداء فحسب — حيث نجحت في تدوين عدد أسماء يزيد عما دونته المجموعة الأخرى — بل أيضًا تذكرت تلك المجموعة فيما بعد معلومات تزيد عما تذكرته المجموعة الأخرى: إذ تذكروا تفاصيل أكثر بنسبة ٢٩ بالمائة مقارنة بالمجموعة الأخرى التي لم تُشجع على الشخبطة (مجلة أبلايد كوجنيتيف سيكولوجي، مجلد ٢٤، صفحة ١٠٠). فالشخبطة لم تلهِهم عن أداء المهمة المطلوبة، بل يبدو أنها زادت من تركيزهم.

تُرى ما السبب وراء ذلك؟ تعتقد أندراد أن الشخبطة تبقي عقولنا عند مستوى التيقظ الأمثل، وتضيف أن أحلام اليقظة غالبًا ما تتمحور حول الأمور الانفعالية: «أن تنشغلي بالتساؤل عما إذا كنت ستقابلين الشاب الذي تحبينه في البار أم لا.» مثل تلك الأفكار تستهلك جهدًا معرفيًّا كبيرًا، ويبدو أن الشخبطة تحول دون شرود العقل في متاهات التشتت المتشابكة، ويمكن أن تساعدنا على طرد النعاس.

إذا كانت الشخطبة تساعدنا بالفعل على التركيز، فربما حان الوقت لأن نمارسها أكثر، وهذا ما ذهبت إليه سني براون صاحبة كتاب «ثورة الشخبطة» الصادر قريبًا.

تعتقد براون أن تغيير مفهومنا عن الشخبطة قد يترتب عليه منافع بعيدة الأثر. وتضيف إنه فضلًا عن أن الشخبطة تساعدنا على تذكر مزيد من المعلومات، فإنها تحسن من قدرتنا على حل المشكلات بل تساعدنا في التعامل مع الاكتئاب، وتذهب براون إلى أن الشخبطة تشجع الناس على رؤية المشكلات من منظور آخر ما كان ليتأتى لهم بدونها.

ترى أندراد أنه يمكن وجود قدر من الصحة بشأن الرأي القائل بقدرة الشخبطة على تحسين حالة الاكتئاب، غير أن لها تفسيرها للسبب، مشيرةً إلى قدرة الشخبطة على منع العقل من الشرود بعيدًا عن اللحظة الآنية، فتقول: «مشكلة الاكتئاب أنه يدفعك إلى التفكير مليًّا في إخفاقات وأفكار سلبية ثم إبقائها حاضرة في الذهن.»

أما فيما يتعلق بفوائد الشخبطة في حل المشكلات، فتعتقد بروان أنه ليست كل الشخبطات متماثلة، وهو ما يفسر توصل أولام إلى تبصر فكري عظيم من خلال الشخبطة. ويَكمُن السبب على الأرجح في ارتباط شخبطته الحلزونية بموضوع المحاضرة الذي وجد صعوبة في التركيز فيه. تقول براون: «إن تأثير الشخبطة وأهميتها يعتمد على سياق الكلام»، وهي تؤيد مفهوم الشخبطة «الاستراتيجية».

فإذا أردت الحصول على أقصى استفادة من الشخبطة، يكمن السر في رسم ما تسمعه. فمثلًا، أثناء محاضرة عن التمثيل الضوئي، على الطالب أن يشخبط أزهارًا وأوراق أشجار، أو كما توضح بروان: «يستحيل أن تعرف ما سيقوله شخص ما في اللحظة التالية، لذا يظل الأسلوب ارتجاليًّا في الأساس، شخبطة وليس رسمًا. فأنت تتابع ما يُقال عبر تصويره بتزيين الصفحة بالشخبطات.» وتقبلك لشخبطتك قد يصل بك إلى مستوى من البصيرة الذي وصل إليه أولام ورسوماته الحلزونية. احرص على أن تصطحب قلمك معك دومًا.

06 déc, 2015 08:38:49 PM
1