Salta al contenuto principale
كريستيانو كافينا..صانع البيتزا الذي صار روائيا

يُعَدّ كريستيانو كافينا من جيل الروائيين الإيطاليين الجدد. جاء إلى عالم الرواية من ورش البناء ومن محلات البيتزا ومن المقاهي الشعبية، لا من أجواء الدراسة ومدارج الجامعات وصالونات المثقفين كما يقول، فقد برز اسمه على الساحة الروائية الإيطالية جراء تجربة طريفة مع الكتابة، أنجز خلالها عشرة أعمال رغم أنه بالكاد تجاوز العقد الرابع. فهو عصامي التكوين يشتغل على الرواية بشكل دؤوب، ولم يفلح حدّ الراهن في التخلي عن عمل صنع البيتزا، فقد لازمه الشغل اليدوي منذ صباه. حازت رواياته الجوائز ووجدت إقبالاً من القراء حتى بات أحد النجوم الصاعدة في عالم الرواية الإيطالية الجديدة. اختار مشروع «كلمة» ترجمة إحدى رواياته، وبالمناسبة أجرينا معه هذا الحوار.

* كيف انطلقت مغامرتك مع الكتابة الروائية؟

** على ما يبدو كانت البداية عفوية، فقد كنتُ أعزف القيثارة حتى سن الثامنة عشرة ضمن فرقة تغني موسيقى الروك، وكنت في الآن نفسه أتابع تكويناً مهنياً في مجال التقنية الإلكترونية. كان بيتنا يخلو من حضور الكتاب، مع ذلك كنت متلهفاً على المطالعة. وأعتقد أن ولع القراءة قد شبّ في داخلي بفعل نشأتي في بيئة اجتماعية تستبطن ثقافة شفهية قوية. صودف يوماً أن توقّفت عن العزف ضمن تلك المجموعة الصغيرة، فقد اقتضى الظرف العائلي الالتحاق بالشغل في مقهى عمّي، وبرغم حصول نفور مبكر لديّ من الكتب المدرسية إلا أني سرعان من أغوتني الكتابة.

* منذ سنوات تحضُر في رواياتك «كازولا فالسينيو»، تلك البلدة الصغيرة الناتئة فوق مرتفعات محافظة رافينا في إيطاليا، ما هي الأسباب؟

** لا أعتقد أن كازولا، البلدة الصغيرة حيث ولدت، هي الدافع المحفز للكتابة لديّ. فأنا مجرد راوٍ، أروي ما أعرفه، فهناك مسقط رأسي لا أكثر…

* في روايتك «الثمار المنسية» المترجمة عن «مشروع كلمة» في أبوظبي تناولت موضوع السيرة الذاتية، هل هو معين كافٍ للكتابة الروائية؟

** على ما أعتقد كافٍ. وأقدّر أن كل كائن بشري هو خلاصة لسائر الكائنات. علاوة ففي كل تجارب الناس البسطاء، ثمة تلونات للحياة البشرية، أي الحياة بجمالها وقبحها، والمغامرة الشيقة في ذلك هي أن نبقى في هذا العالم.

* كيف تُولَد الرواية لديك؟ وما هي المحفّزات؟

** في البدء، كانت الرواية الفعل الوحيد الذي أتقن صنعه، لأعرب للناس المهمّين في حياتي عن تقديري الفائق لهم، فقد كنت أعبّر عن غرامي لمن أحببتهن بعد فوات الأوان، ثم تحوَّل ذلك الشغف إلى رغبة في حكي الجانب المهم من الحياة اليومية. فالنهر الذي يشق بلدة كازولا ما كان بالنسبة لي السين الجارف، بل النيل. والغابات التي تحيط بذلك النهر، ما كانت الغابات التي تطوّق البلدة، بل هي غابات الأمازون، حيث تروق لي فكرة الحفاظ على الأشياء المتصلة بتفاصيل حياتي، وهي في نهاية الأمر أشياء تعود إلى كثيرين من قرائي الذين لم يسبق لهم أن زاروا كازولا.

* تُعدّ بين قلّة من الكتّاب يمزجون بين العمل الفكري والعمل اليدوي، كونك صانع بيتزا تشتغل إلى اليوم في محلّ يرتاده الناس، ما هو السر الذي دفعك نحو هذين العالمين المتباينين؟

** ليس الأمر سراً، ولكنّه يتلخّص في أن عمي صاحب المحل، حيث شرعت في الاشتغال هناك منذ عهد الصبا، أي منذ بلغت سن الثامنة عشرة، ثم صرت كاتباً، لكني اخترت متابعة صنع البيتزا حتى لا يكون خيار الكتابة مجحفاً.

* هل لجيل الكتّاب الجدد في إيطاليا علاقة بالأجيال السابقة، في التوجهات الأدبية وفي عوالم الرواية، أم هناك أسلوب مغاير وطرح آخر في الكتابة؟

** في واقع الأمر، ليس هناك في إيطاليا نمط كتابي محدّد، كما هو الشأن في العالم الأنغلوسكسوني أو في أميركا الجنوبية، بالنسبة إلى الكتابة الأدبية أو المدوّنة الروائية الكبرى. كلّ له عالمه. وشخصياً أجد نفسي منحازاً بمنتهى الحماس إلى بعض الكتّاب الإيطاليين السابقين المغمورين، وقد يكون هؤلاء غير رائجين بين القراء، كما هو شأن جوفانيني غواريسكي أو رينزو باري، محاولاً من خلالهم نحت خصوصيتي ونمط كتابتي.

* ما هي الإشكاليات المطروحة في الرواية الإيطالية الجديدة وما هي الخاصيات المميزة؟

** ليس لديّ شغفٌ كبير للاطلاع على الكتابات الروائية الإيطالية المعاصرة، وكقارئ أحبّذ كتابات الخيال العلمي والرعب… ناهيك عن أن أغلب الروايات الإيطالية تتخذ من المدن الكبرى موطناً للرواية، في حين من جانبي لا أجد في ذلك ما يوحي بالكتابة…

* هل لديك اطلاع على الثقافة العربية؟

** عمّي الذي أشتغل لديه في محلّ البيتزا، هو وليد تونس، وهو من عائلة صقلية مهاجرة، وبالتالي بعض الأشياء من الثقافة العربية تسربّت لي، حتى وإن اختصرنا الأمر بالحديث عن المأكل والمطبخ. علاوة على ذلك تعرّفت على بعض الأمور من الأصدقاء أو من خلال مطالعاتي الشخصية، ولكن على العموم ليست لديّ معرفة واسعة بذلك العالم، فما يخطر ببالي وأنا أفكر في الثقافة العربية، أنها خزان هائل.

* يبدو حضور الثقافة العربية في إيطاليا في الفترة الحالية محتشماً برغم الوجود المهم لجالية عربية تزيد عن المليون ونصف المليون مهاجر، لماذا هذا الفتور؟

** الأمر عائد في نظري لانزواء كل طرف بما لديه، نحن في حديقتنا والعرب في حديقتهم. لا بد من توفر تعاطٍ معرفي بين الطرفين، للتعرف على الآخر. أنا لن أفوّت الفرصة في الاطلاع على روايات أو متابعة أفلام ينجزها الجيل الجديد من الشبان الذين نشؤوا في إيطاليا وينتمون إلى أُسر عربية. أعتقد أنها ستكون روايات رائعة. يسحرني التمازج بين اللغات، كما حصل معي، فقد نشأت في حضن اللهجة العامية، ثم تعلمت اللغة الإيطالية. لا شك أن هناك جملة من التباينات الدينية أيضاً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن عربياً لا تساوي مسلماً فالعديد يجهلون التباينات التي يختزنها العالم الإسلامي. أنا شخصياً نشأت في عائلة كاثوليكية متديّنة، وخلاصة ما تعلّمته «أن الله محبة»، بعيداً عن الأسماء التي يتسمى بها.

* ماذا يمثّل بالنسبة إليك ترجمة روايتك «الثمار المنسية» إلى العربية، رغم أن أعمالك الأخرى تُرجمت إلى أكثر من لغة أوروبية؟

** يشرّفني ذلك كثيراً، لا أجد وصفاً لزهوي.

* هل للشعر والرواية دور في عالم اليوم؟

** سيبقى للحكي والقصّ دوماً دور في عالم البشر، حتى وإن اختصر الأمر على الترويح عن النفس والتسلي، كأن نتخيل أنفسنا رواد فضاء أو قراصنة أو كذلك بالسعي للعودة أطفالاً على مساحة مئتي صفحة.

* هل نحن نعيش في زمن «تضخّم» الرواية؟

** فعلاً يُنشر عدد هائل من الروايات، فقد كان جدي يقول دائماً: أن تكون لنا وفرة من الأشياء أفضل من ألا يكون لنا شيء…

 

شيء عن كافينا

نشأ كريستيانو كافينا في كنف أمّه وجدّيه، في شقة متواضعة من شقق الإسكان الشعبي. ومنذ صغره كانت الكتب ملجأه الآمن. فقد أدّى استماعه إلى الحكايات التي يرويها رواد المقاهي، في بلدته، إلى شحذ شغفه بالقصّ وعوالمه. بدأ بدوره يروي الحكايات وهو تلميذ في المدرسة، ثم وهو يزاول مختلف المهن، ونال عليها بعض الجوائز. نشر روايته الأولى «بِكُلِّ عَظَمة» عام 2002 التي حازت جائزة توندللي، ولاقت نجاحاً كبيراً، وعُرِضت في المسارح. أعقبتها جملة من الروايات منها: «في بلاد تولينتيساك»، عام 2005، وقد حقّقت أفضل المبيعات، و«آخر موسم كناشئين» عام 2006، و«البيتزا لعصاميي التكوين» 2014.

_________

*الاتحاد الثقافي

 

المصدر:ثقافات

 

02 Set, 2020 05:07:48 PM
0