ذكرى ميلاد.. ليو تولستوي.. الفن لصد الجائحة
تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. تصادف اليوم، التاسع من أيلول/ سبتمبر، ذكرى الروائي الروسي ليو تولستوي (1828 – 1910).
أتى استذكار ليو تولستوي مع حلول جائحة كورونا عبر إعادة مقولته بأن الفن لا يقلّ أهمية عن الخبز، وليس أقل أهمية في أيام المجاعة والأوبئة والحرب، وفي تقديسه للطبيعة من خلال اعتقاده أن نقاء البشر وسجيتهم قد أفسدتهما المطالب المصطنعة للمجتمع والحضارة، لذلك قرّر أن يحيا بيت الفلاحين ويقدّم لهم يد المساعدة، ونظر إلى تعبيراتهم الفولكلورية بوصفها فناً.
لقد آمن الروائي الروسي (1928 – 1910) الذي تحلّ اليوم الأربعاء ذكرى ميلاده، أن لا مجال لتطوير المجتمعات البشرية بمعزل عن العلم، وأن ذلك لا يتأتى إلا بتبنّي الفن والأدب في بيئة يتصالح فيها الإنسان مع طبيعته، ووفق هذا المنظور تصبح المدرسة فائضة عن الحاجة، مجرّد وسيلة لتكريس النظام، وأن أفضل توقيت للتخلّي عنها هو في الأزمات.
وفي أطروحته "ما هو الفن ليو؟" (1896)، لا يعرّف تولستوي الفن من حيث قدرته على التعبير عن الشكل والجمال، ولكنه بدلاً من ذلك يعرّف الفن من حيث قدرته على توصيل مفاهيم الأخلاق. بالنسبة إليه، تُعرَّف القيم الجمالية بالقيم الأخلاقية، وأن الفن وسيلة اتصال ووسيلة مهمة للتعبير عن أي تجربة أو أي جانب من جوانب الحالة الإنسانية، وبذلك يكون الفن للجميع ولا يخصّ طبقة محدّدة.
يعرّف الفن من حيث قدرته على توصيل مفاهيم الأخلاق
تشكّلت هذه الخلاصات وغيرها بعد بلوغ تولستوي الخمسين، حيث بدأ تأملاته في كلّ ما عاشه وما ينتظره، التي عبّر عنها بسؤاله: "هل هناك أي معنى في حياتي لا يدمره الموت المحتوم الذي ينتظرني؟"، وفي رحلة بحثه الطويلة لجأ إلى العلم، لكنه ظلّ عاجزاً عن تحديد ذلك اللانهائي والمطلق، فتوجّه إلى الفلسفة التي وجدها تطرح عليه مزيداً من الأسئلة بدلاً من تقديم الإجابات.
رغم إحباطات صاحب "أنا كارنينا" في فهم معنى لوجوده، إلا أنه احتار في سر تشبّثه بالحياة وأسباب عدم انتحاره. وفجأة أدرك أن العقل دمية، وهو محرّك الدمية في الوقت نفسه، ووجد أن إجابات العقل تبدو غير عقلانية في تفسيرها سرّ هذا الوجود، وأن الإيمان يبدو عقلانياً في قدرته على إقناع ملايين البشر بتفسيراته اللاعقلانية.
على وقع هذه الأفكار والشك، كتب تولستوي رواياته التي لا تزال تحتفظ بمكانتها الأدبية، وفي مقدمتها، رواية "الحرب والسلم" التي تتناول غزو نابليون وتداعياته على المجتمع الروسي حيث تتحوّل حياة الطبقة الأرستقراطية إلى مأساة، ولأنه ينتمي إلى هذه الطبقة، فإنه لم يشأ تجميلها، وبالعكس من ذلك، قدّم أقسى الانتقادات إليها عبر رصده حياة خمسة عائلات كانت جزءاً من نسيج الطبقة المثقفة والحاكمة.
إلى جانب رواياته المهمة مثل "البعث" و"الحاج مراد"، و"القوزاق"، و"الناسك"، وغيرها، ألّف كتاباً بعنوان "حكم النبي محمد" الذي اختار فيه جملة من الأحاديث النبوية التي أعجبته مضامينها وفلسفتها، والتي رأى فيها صورة مخالفة لآراء بعض الشيوخ في منطقة القوقاز التي يوردونها في سياق دعوتهم إلى الدين الإسلامي آنذاك، حيث الإسلام الذي فهمه يقوم جوهره على الأخلاق.
المصدر:اندبندنت عربية