Перейти к основному содержанию

رجل وسلاح: عبد القادر الجزائري

هل كان أحد أبرز المعارضين لتوسُّع فرنسا في شمال أفريقيا يتلقَّى مساعداتٍ سرية من قِبَل بريطانيا؟ يبحث جون كينج في قصة شديدة التعقيد حدثَتْ في الجزائر خلال القرن التاسع عشر.

أيها الصقر الرشيق طويل الأجنحة، لقد انقطعت حياتك وسط الصحراء،

وانقطعت آمالك في الانقضاض بحُرِّيَّة على فريستك وسط الرمال شديدة القيظ …

ويليام ثاكري

في عام ١٨٥٦ قرَّر الأمير عبد القادر الذهابَ في رحلة من منزله في دمشق إلى القدس. كان الأمير مِنْ قبلُ خصمًا لفرنسا في الجزائر، وكان شخصية مشهورة في كلٍّ من العالَمَين العربي والأوروبي؛ حيث عفا عنه نابليون الثالث وأطلق سراحه في فترة رئاسته لفرنسا. أَقْسَمَ عبد القادر بشرفه ألَّا يفعل مرة أخرى أي شيء يتعارَض مع مصالح فرنسا، وعاش في دمشق مع أسرة كبيرة منذ العام السابق لعام ١٨٥٦، على راتبٍ فرنسيٍّ كبيرٍ يُقدَّر بنحو ١٠٠ ألف فرنك في السنة.

 

في مدينة القدس زار الأماكن الإسلامية المقدَّسة، وأجرى زيارات متعددة، واستقبل زوَّارًا كُثُرًا. من بين هذه الزيارات زيارته التي أجراها إلى الحاكم التركي، لكنه أغضب القنصل الفرنسي بسبب عدم زيارته. أما القنصل البريطاني، جيمس فين، فقد ذهب لزيارة الأمير واحتال أيضًا ليتواجَد خلال مقابلة رسمية في قصر الحاكم. ينقل فين ما سَمِعه وشاهَدَه قائلًا:

كما سمعنا، عادَ الأمير إلى دمشق، حيث أقام بها إقامةً دائمة بها قَدْرٌ من الترف. لقد كان من الغريب الجلوس في غرفة صغيرة والاستماع إلى رجل بمثل هذه الأخلاق والسلوكيات وهو يشير إلى أحداث وقعَتْ «عندما كنت في حرب مع الفرنسيين». لم يَسُرَّني كثيرًا وأنا في «سراي السلطان» قَوْلُه أمام الباشا والقاضي إنه في أثناء حربه حصل على إمدادات ضخمة من الأسلحة والذخيرة من الإنجليز. كان المترجم الفرنسي حاضرًا وربما لم يكن عبد القادر يعلم هذا.

لا بد أن تصريح عبد القادر — أو ادعائه — قد سبَّبَ نوعًا من الارتباك. فلا بد وأنه كان كافيًا لإحراج الممثل الدبلوماسي البريطاني. وكان اللورد بالمرستون هو رئيس الوزراء في ذلك الوقت الحَرِج من العلاقات الأنجلو-فرنسية، عقب انتهاء حرب القرم ومؤتمر باريس. رغم أن العلاقات بين فرنسا وبريطانيا كانت متوترة، لم يُرِدْ أيٌّ من الجانبين أي شيء من شأنه أن يلمح إلى ظهور تصدُّعات في الجبهة الموحَّدة التي يمثِّلانها أمام الباب العالي، غير أن الأمير كان يشير إلى عهد سابق ومختلف. وثمة سؤال يطرح نفسه عن مقدار ما يحمله كلامه من حقيقة. نحن نعلم أن البريطانيين لم يقدِّموا قطُّ أي مساعدة أو دعم رسمي لعبد القادر في أيام نفوذه، ناهيك عن السنوات الأخيرة من حملته ضد الغزو الفرنسي التي كان فيها مُلاحَقًا، لكن ربما يحمل كلامه قَدْرًا ولو يسيرًا من الصحة.

بالتأكيد كان الجنرال بيجو، عدوُّ عبد القادر القديم، لديه شكوك فعلية عندما كانت الحرب في الجزائر لا تزال دائرة. كان بيجو قد أُرسِل مرةً أخرى إلى الجزائر في فبراير عام ١٨٤١، على رأس جيش من ٧٨ ألف رجل، وكان هدفه الواضح هو تدمير نفوذ عبد القادر، وسرعان ما استنتج بيجو أن وصول إمدادات من أسلحة صُنِعت في إنجلترا إلى قوات عبد القادر كان عاملًا رئيسيًّا في الحفاظ على سطوة الأمير. اتهم تقريرٌ غاضبٌ نُشِر في صحيفة «لو تولونيه» الفرنسية بريطانيا بإعطاء عملاء عبد القادر مالًا من أجل مساعدتهم في شراء أسلحة في جبل طارق، وعقب قراءة هذا التقرير استخلَصَ بيجو بعض المعلومات المثيرة للاهتمام من لقاءٍ مع ضابط عربي شاب وقع في الأسر.

أخبر بيجو وزير الحربية سرًّا بما لديه من معلومات:

لقد كان هذا اللقاء مثيرًا للاهتمام على نحوٍ خاصٍّ، فقد تعلَّق بالترتيبات بين عبد القادر والإنجليز. إن ما يؤكِّد وجود مثل هذه الترتيبات هو حقيقة أن كلَّ البنادق التي استُخدِمَتْ في ساحة المعركة في الرابع من هذا الشهر، كانت من إنتاج هيئة رويال أوردنانس المسئولة عن الأسلحة والذخائر في لندن. هل تورِّد مصانع هيئة رويال أوردنانس بإنجلترا الأسلحة من أجل التجارة؟ يبدو أنني سمعت هذا يُقال … ربما هناك ما يدعو لتقديم احتجاج رسمي للحكومة البريطانية.

سقطت الجزائر العاصمة في أيدي الفرنسيين في الخامس من شهر يوليو عام ١٨٣٠. اعتقَدَ الفرنسيون أن عليهم الحصول على موافقة دولية لقمع ما رأوا أنه مقرُّ قراصنة البربر، إلا أن بريطانيا كانت غير سعيدة بموطئ القَدَم الفرنسي الجديد على ساحل البربر. كان اللورد أبردين وزير الخارجية في وقت الغزو، وكان دوق ولنجتون رئيس الوزراء، وكان عدم الثقة في فرنسا هو الفكرة المسيطرة على دوق ولنجتون. جهَّزَ هذه الحملة الفرنسية الملك السابق، تشارلز العاشر، ولبضعة أشهر ظلَّتْ بريطانيا تفترض أن الملك الجديد، لويس فيليب، سيتخلَّى عن الجزائر العاصمة بمجرد تحقيق هذه الحملة التأديبية لهدفها، إلا أنه عندما اتضح أن فرنسا تعتزم البقاء في شمال أفريقيا، رضخت بريطانيا. عقب شهر نوفمبر، وتحت إدارة الإيرل جراي، عندما أصبح اللورد بالمرستون وزيرًا للخارجية لأول مرة، اتخذت بريطانيا موقفًا حَذِرًا من عدم التدخُّل في أنشطة فرنسا في شمال أفريقيا، إلا أن السؤال الذي لا بد من طرحه هو: هل استطاع بالمرستون منع نفسه تمامًا من إغراء تقديم دعم سرِّيٍّ لأعداء فرنسا. صمَّمَتْ بريطانيا على منع التوسُّع الفرنسي في المغرب، وإذا أمكَنَ إعاقة أنشطة فرنسا في شمال أفريقيا سرًّا؛ فإن ذلك سيكون متوافِقًا دون شك مع خطط بالمرستون.

كان عبد القادر في صدارة قائمة أعداء فرنسا في شمال أفريقيا؛ لقد انتُخِبَ زعيمًا لأحد اتحادات القبائل في غرب الجزائر في نوفمبر عام ١٨٣٢، وهو في سن الخامسة والعشرين، وسرعان ما جعَلَه حضورُه الطاغي وقوةُ شخصيته زعيمًا لحركة جزائرية أوسع نطاقًا، ووجد نفسه في حرب طويلة ومكلِّفة مع الفرنسيين. كانت المساعدات على وشك أن تأتيه من سلطان المغرب، لكن مع اشتداد وطيس المعركة بدأ عبد القادر في تعزيز مصادر دعمه، فبدأ أولًا بإجراء محاولاتٍ للاتصال بقوى أجنبية كان يعلم أنها ليست بالضرورة على وفاق مع فرنسا. جرى في هذا الوقت أول اتصال بين عبد القادر وبريطانيا، ذاك الذي أثار شكوك بيجو، وتسبَّبَ بالفعل في ظهور وجهة النظر الشائعة في فرنسا بأن بريطانيا تنحاز لعبد القادر. كان رجال القبائل الجزائرية مسلَّحين، لكن كان كلُّ ما لديهم في الغالب بنادق تقليدية طويلة، وكان ما لديهم من مؤن لا يكفي لخوض نزاع طويل الأمد، فأراد عبد القادر أسلحة وبنادق حديثة.

علَّقَ المؤرِّخ رافايل دانزيجر على هذا قائلًا إن أساليب عبد القادر كانت دليلًا على سذاجته الواضحة، التي لا تثير الكثير من الاستغراب فيما يتعلَّق بأساليب الدبلوماسية الغربية، لكنها كانت جريئة وعملية. تذكَّرَ أنه في أواخر عام ١٨٣٥، عندما كان عبد القادر ما يزال في الثامنة والعشرين من عمره، أرسل مبعوثًا من أجل مقابلة القنصل البريطاني، إدوارد دروموند هاي، في طنجة، وعرض حصول بريطانيا على أي ميناء تحت سيطرة عبد القادر لاستخدامها الحصري، مقابل توقيع معاهدة معه. كان هدف عبد القادر هو استيراد الإمدادات في مقابل البضائع التي كان سيتاجر بها. أجاب بالمرستون من وزارة الخارجية بإصدار تعليمات بضرورة أن ينأى دروموند هاي بنفسه بعيدًا عن مِثْل هذه الاتصالات، وضرورة أن يتجنَّب التورُّط بأي طريقة في الصراع بين الفرنسيين والعرب. في شهر يوليو من عام ١٨٣٦، كتب دروموند هاي إلى اللورد بالمرستون: «لقد كنتُ أحْرَصَ ما يكون على تجنُّبِ إقحام نفسي بأي طريقة في نزاعات بين الفرنسيين والبربر.»

وعندما أدرك الفرنسيون مدى قوة المقاومة التي يَقُودها عبد القادر، بدءوا يشكُّون في جدوى مُضِيِّهم قُدُمًا في غزو الأجزاء الداخلية في الجزائر. في عام ١٨٣٧ اشتملت معاهدة تافنة — التي وقَّعَها في شهر مايو من هذا العام عبدُ القادر وبيجو، الذي كان في هذا الوقت القائدَ العسكريَّ في وهران — على حلٍّ جزئيٍّ. قضَتْ هذه المعاهدة بالتخلِّي عن السيطرة على الجزء الغربي من الجزائر لعبد القادر، فضلًا عن أربعة موانئ؛ هي: وهران، وأرزيو، ومستغانم، ومزغران. قضى أحد بنود المعاهدة بضرورة حصول عبد القادر على الإمدادات العسكرية التي يحتاج إليها من مصادر عسكرية فرنسية، تعهَّدَتْ بتزويده بكلِّ ما يحتاج إليه. إلا أن عبد القادر ظلَّ يبحث بذكائه عن الجهة التي يمكن أن تُمِدَّه بأسلحة، متجنِّبًا في حكمةٍ وَضْعَ نفسه تحت تصرُّف الفرنسيين.

رغم أن وزارة الخارجية البريطانية حذَّرَتْ ممثِّليها بلهجة قوية من الاتصال بعبد القادر، فإنه بحلول عام ١٨٣٧، خلال فترة الهدنة، ظهرت أولى التقارير التي تؤكِّد وجود أسلحة من أصل بريطاني في حوزة رجال عبد القادر، بالإضافة إلى الإشارة إلى كيفية وصولها إليهم. وفي تقرير عن قوات عبد القادر أرسله النقيب الفرنسي دوما، وهو ضابط شاب يتحدَّث العربية انتُدِبَ ليعمل قنصلًا في بلاط عبد القادر، قال: «في سلاح الفرسان، يُوجَد كثيرٌ من البنادق الإنجليزية التي أتَتْ من المغرب.» من الواضح أن عبد القادر كان يحصل على أسلحة إنجليزية كان يجري استيرادها عَبْرَ المغرب، وكان السلطان يُمِدُّه بها أو يشتريها الأمير عَبْرَ شبكة عملائه.

بحلول شهر يونيو من عام ١٨٣٩ بدأ الفرنسيون ينزعجون من انتشار الأسلحة الإنجليزية لدى قوات عبد القادر، وانتابهم القلق من احتمال لعب الحكومة البريطانية دورًا ما في توفير تلك الأسلحة. كتب وزير الحربية لزميله في وزارة الخارجية أن المارشال فالي، الحاكم العام في الجزائر العاصمة:

كان على قناعة بأن عبد القادر يتلقَّى، في واقع الأمر، عن طريق المغرب الجزءَ الأكبرَ من الأسلحة والذخيرة التي تُرسَل إليه من الخارج … من وجهة نظر أخرى، قد يبدو أن هذه الأسلحة والذخائر هي صناعة إنجليزية، وقد يبدو أيضًا أن الأمير من أجل تحقيق هذا الهدف حرص على استمرارية مراسلاته مع إنجلترا. لا يملك المارشال فالي أي دليل مادي، ولم يستطِعْ الحصولَ عليه، لكنه يعتقد أن حكومة جلالة الملك عليها أن تُحِيط الحكومة الإنجليزية علمًا بأن هناك مجالًا للشك في هذا الشأن.

علَّقَتْ مذكرةٌ صادرةٌ من داخل وزارة الخارجية قائلةً: «لِننظُرْ إذا ما كان بإمكاننا تقديم احتجاجات رسمية للحكومة الإنجليزية بشأن هذا الموضوع، مع الوضع في الاعتبار أنَّ الرعايا الإنجليز يتمتَّعون بحُرِّيَّة كاملة في المسائل التجارية.»

في الواقع، يبدو أنه لم تُقدَّم أي احتجاجات مباشِرة في هذا الوقت، إلا أن شكوك الفرنسيين قد أصبحت واضحةً تمامًا للممثلين الدبلوماسيين البريطانيين، وفي شهر ديسمبر من عام ١٨٥٩ قرَّرَ بالمرستون مواجهة الفرنسيين بشأن هذا الموضوع. في هذا الشهر كتب اللورد جرانفيل، السفير البريطاني في باريس، إلى بالمرستون في وزارة الخارجية بعبارات في صلب الموضوع، وتتضمَّن جانبًا كبيرًا من الاقتباس:

في ظل سعي الصحف الفرنسية جاهدةً إلى خَلْق شعورٍ عدائيٍّ في فرنسا تجاه إنجلترا من خلال الإصرار على أنَّ حكومة جلالة الملكة — أو عملاءها السريِّينَ — قد حثَّتْ عبد القادر على خَوْض حربٍ مع الفرنسيين في الأراضي الجزائرية، وفي ظل تأكيدات في الأوساط العسكرية في باريس فحواها أن الحكومة الفرنسية لديها أدلة على التدخُّل المؤثِّر لعملاء بريطانيين من أجل تحقيق هذا الهدف؛ فقد أعربتُ هذا الصباح للمارشال سولت عن قناعتي بأن الحكومة الفرنسية إذا كانت تعتقد أنَّ لديها ما يبرِّر تقديم شكوى ضد أي فرد يعمل في حكومة جلالة الملكة، فإنه يتعيَّن عليها أن تُبلِّغ بوضوح حكومةَ جلالة الملكة عن هُوِيَّة هؤلاء العملاء الذين أُلصِق بهم هذا السلوك والمعلومات التي بُنِيَتْ على أساسها هذه المعلومات. ردَّ المارشال أنه ليس لديه أي شكوى ضد أي عميل بريطاني، كما أن الحكومة الفرنسية لم تتلقَّ أي معلومات قد تدفعه إلى الاعتقاد بأن عبد القادر قد حثَّه أيُّ شخص له علاقة بحكومة جلالة الملكة على خوض الحرب. كتب القنصل الفرنسي في جبل طارق أن صناديق من الأسلحة كان قد جرى شحنها إلى تجار في هذا المكان، والتي افتُرِض أنها شُحِنت إليهم بغرض إرسالها إلى عبد القادر، لكن كان من الطبيعي أن ينخرط الأفراد في مثل هذا التصور.

اندلعت الحرب بين الجانبين بلا رحمة ولا رادع عقب خرق الهدنة في نوفمبر عام ١٨٣٩، وأنهكت القوة العسكرية الفرنسية عبد القادر بلا رحمة، فاستولت على مدنه وموانئه واحدًا تلو الآخَر، كما استولت على معسكر الأمير ومركز قيادته في نهاية المطاف عام ١٨٤٣. وبدأ دعم الأمير يتلاشَى بسبب إظهار القوات الفرنسية للشعب العواقبَ الوخيمة المترتبة على الوقوف بجواره، وأخذت تتعامل بوحشية متزايدة. إلا أنَّ تدفُّقَ الأسلحة على عبد القادر، التي كان معظمها مصنوعًا في إنجلترا، لم يتوقَّف. فعلى العكس من ذلك، استمرت القوافل في المجيء من المغرب، ووجَّهَ الفرنسيون تحذيرًا شديدًا إلى السلطان، إلا أنهم لم يذكروا نوعَ العقوبات التي قد يطبِّقونها.

لقد رأينا حتى الآن أدلةً كثيرة على أن عبد القادر كان يحصل على إمدادات كثيرة من أسلحة مصنوعة في إنجلترا، لكن لم يُشِرْ أيُّ شيء إلى أن الحكومة البريطانية كانت تُمِدُّه بأيٍّ من هذه الأسلحة عن عَمْدٍ. هناك ثلاث إشارات فقط إلى أن حقيقة الأمور ربما كانت تختلف عمَّا كان يبدو عليه الحال. جاءت الإشارة الأولى في رسالة مُطوَّلة وغاضبة أرسَلَها القنصل الفرنسي في طنجة إلى وزارة الخارجية الفرنسية في ديسمبر عام ١٨٣٩، كتب فيها:

لقد تسلَّمَتِ الجماركُ المغربية في الثاني عشر من ديسمبر من جبل طارق ٤ آلاف حربة، من الواضح أنها جُلِبت من إنجلترا بناءً على طلب السلطان، ومن خلال وسيط القنصل العام لجلالة ملكة بريطانيا؛ حيث استُدعِيَ هذا الوسيط وحضر بنفسه عملية فتح الصناديق وفحصها. لقد كانت عمليةً يحيط بها كثير من الغموض، ولم أكن أقدر بالتأكيد على سَبْر غورها دون المبادرة الاستثنائية لمترجمي اليهودي.

أما الجزء الثاني من الأدلة فقد ظهر في شهر مايو عام ١٨٤٠، عندما كتب دروموند هاي بنفسه رسالةً غريبةً للغاية إلى اللورد بالمرستون يعترف فيها بأنه قد تلقَّى خطابًا من وزارة الخارجية: «لإعلامي أن مجلس الذخائر البريطاني كان على وشك أن يرسل إلى جبل طارق مجموعةً معينةً من الصواري الخشبية المصنَّعة خصيصًا من أجل إمبراطور المغرب.» يأتي الدليل الثالث من موكادور بالقرب من مدينة الصويرة الحديثة؛ حيث تسلَّمَ القنصل الإنجليزي السيد ويلشاير في شهر يونيو من عام ١٨٤٠، الذي كان يعمل أيضًا تاجرًا لحسابه الخاص، ٥٠٠ بندقية إنجليزية لحساب السلطان، وقد شاع أنها من أجل عبد القادر.

وليست هذه سوى الإشارات الأكثر ضعفًا على أن حقيقة الأمور ربما كانت مختلفةً عمَّا كانت تبدو عليه رسميًّا. إلا أن هناك ما يستميل البعض لافتراض أن الحراب كانت من أجل استخدام عبد القادر؛ بما أن سلطان المغرب كان يرسل إمدادات عسكرية إليه بمثل هذه الكميات. أما فيما يتعلَّق بالصواري الخشبية، فما نوع الصواري الخشبية التي يمكن لمجلس الذخائر البريطاني إرسالها من لندن إلى طنجة من أجل السلطان، وتكون بمثل هذه الأهمية بحيث تبرِّر تبادُل مراسلات من هذا النوع؟ هل من قبيل المبالغة افتراضُ أن هذه ربما كانت شحنةً من الأسلحة؟ وهل كان السيد ويلشاير يتصرَّف بصفته تاجرًا، أم بصفته ممثِّلًا للحكومة البريطانية؟ وهل يمكن أن تكون الإجابة عن سؤال ما إذا كانت بريطانيا متورطة بأي شكل من الأشكال مع عبد القادر هي أن الحكومة البريطانية — أو على الأقل اللورد بالمرستون — كانت في الواقع تُمِدُّ سلطان المغرب بالأسلحة وهي على دراية تامة بأن هذه الإمدادات ستُرسَل إلى الجزائر ليتمَّ استخدامها ضد الفرنسيين؟ على أقل تقدير كانت الحكومة البريطانية تعلم أن الأسلحة كانت تصل من لندن إلى عبد القادر عن طريق المغرب نتيجة للتجارة الخاصة، ولم تتخذ أي محاولات من أجل إيقاف هذه التجارة أو إعاقتها. ولقد علمنا من أبحاث كينيث بورن أن زملاء بالمرستون أقنعوه في عام ١٨٤٠ بالعدول عن التدخُّل على نحوٍ أكثر فعاليةً من أجل مساندة عبد القادر، وفي انتخابات العام التالي شنَّ بالمرستون هجومًا عنيفًا على سياسة فرنسا في الجزائر.

كذلك لا بد أن نضع في اعتبارنا أنه في عام ١٨٤٩، عندما صار بالمرستون وزيرًا للخارجية مرة أخرى، خطَّطَ لإرسال صفقة أسلحة من ترسانة وليتش إلى المتمردين في صقلية، وأنه لم يصبح ذلك الأمر معروفًا إلا بالصدفة البحتة، عندما أفشى مقاول الأسلحة المتورط في هذه الصفقة السرَّ إلى جون ديلان؛ محرر جريدة ذا تايمز في إحدى المناسبات الاجتماعية. إنَّ ما فشل بالمرستون في القيام به وتجنَّبَ المساءلة عنه في عام ١٨٤٩ كان بإمكانه القيام به بنجاح وبسهولة قبل عشر سنوات. يمكن فهم موقف بالمرستون في هذا الوقت من خلال ما قاله مترجم فرنسي أشار إلى أنه في وقت توقيع معاهدة لندن في يوليو من عام ١٨٤٠، أخبر بالمرستون الصدرَ الأعظمَ للدولة العثمانية رشيد باشا بأن الجزائر يمكن تركها للفرنسيين «الذين لن يجنوا أي مكاسب هناك، بل سيخسرون كل شيء.»

على أي حال، بدأ عبد القادر في محاولة إقامة علاقات مباشِرة مع بريطانيا عقب بدء الحرب من جديد. في فبراير عام ١٨٤٠ كاتَبَ عبدُ القادر التاجَ البريطاني عَبْرَ القنصل في طنجة، وفي أبريل كتب بالمرستون إلى دروموند هاي:

لقد استلمتُ رسالتك السِّرِّية التي تحتوي على خطاب من عبد القادر إلى الملكة، ولا بد أن أخبرك ردًّا على هذا أن حكومة جلالة الملكة تجد صعوبةً في الردِّ على هذا الخطاب في الوقت الحالي؛ خوفًا من احتمال إساءة تفسير أي ردٍّ، سواء من جانب عبد القادر أو الحكومة الفرنسية، وبما أن حكومة جلالة الملكة لا تعتزم المشارَكَة بأي شكل في الصراع الذي على وشك البدء حاليًّا بين هذين الجانبين، فإنها ترى من المناسب جدًّا عدم الرد على خطاب الأمير. ومع ذلك، يمكنك إخبار الأمير إذا سنحَتْ لك الفرصةُ، بأن خطابه قد وصل.

كتب عبد القادر بشجاعة خطابًا آخَر في أبريل إلى وزير البلاط الملكي، وهذه المرة أرسل الخطاب إلى حاكم جبل طارق. مرةً أخرى كان عَرْضُه يتمثَّل في ميناءٍ حرٍّ داخِلَ منطقة نفوذه تستخدمه إنجلترا لتشتري «الذرة أو الثيران أو غيرهما من السلع، ونشتري منكم كلَّ ما نحتاج إليه.» إن الفكرة المبالَغ فيها التي تشكَّلَتْ لدى الفرنسيين حول طبيعة هذه المراسلات يمكن استنباطها من القنصل الفرنسي في طنجة، الذي سمع فيما بعدُ إشاعاتٍ عن أن خطاب عبد القادر اشتمَلَ على طلبٍ «لمدفعية ميدانية وبنادق وبارود، وقبل كل شيء الانتداب المباشِر لمهندسين وضباط مدفعية.»

سقط عبد القادر بعد هذا بوقت قصير في يد شخص غير جدير بالثقة أكثر من عملائه ووسطائه المعتادين. ظهر اسم جيمس سكوت لأول مرة في مذكرة أرسلها دروموند هاي في شهر سبتمبر عام ١٨٤٠ إلى مبعوثه في تطوان، جيمس باتلر:

نما إلى علمي أن رجلًا إنجليزيًّا يُدعَى سكوت، عمل ضابطًا في الفيلق البريطاني السابق في إسبانيا، ترك مدريد تقريبًا في منتصف الشهر الماضي بهدف الذهاب إلى جبل طارق، والمرور من هناك إلى هذا البلد، ومن الأراضي المغربية وصولًا إلى الجزائر من أجل تقديم خدماته — كما هو متوقَّع — إلى الأمير عبد القادر ضد الفرنسيين.

قُدِّرَ بالفعل النجاح لسكوت في الوصول إلى عبد القادر، وقد حكى عن هذه المغامرة في كتابه حَسَنِ الصياغة «يوميات الإقامة في كنف عبد القادر والارتحال في المغرب والجزائر»، الذي نُشِر في لندن عام ١٨٤٢. على مدار الشهور التالية بذل الموظفون البريطانيون جهودًا مضنية من أجل اكتشاف حقيقة شخصيته، وربما وردَتْ أكثر رواية مختصرة في مذكرةٍ لوزارة الخارجية بناءً على دليلٍ قدَّمَه السيد روبرتس، وهو زميل سابق من المرتزقة «للكولونيل» سكوت، الذي أطلق على نفسه هذا اللقب، من الفيلق البريطاني:

انضمَّ سكوت للفيلق — بوصفه جنديًّا — عند تشكيله عام ١٨٣٥ في الكتيبة الثانية، وبما أنه كان شخصًا رثَّ الهيئة وغيرَ مهندم الثياب، فإنه أصبح جنديًّا عاملًا في مجال الإنشاءات، إلا أنه في الوقت المناسب، وبفعل الحرب، ترقَّى ليصبح ملازمًا ثانيًا في الفرقة السادسة، وقد أُحِيلَ في هذه الوظيفة للمثول أمام مجلس تحقيق بسبب وقاحته مع الضباط الأعلى منه رتبةً. كان على وشك الخضوع لمحاكمة عسكرية، عندما هرب من الحبس وقاد هجومًا شجاعًا على أنصار الحركة الكارلية في إسبانيا، وقد أُصِيبَ في هذا الهجوم في ساقه، الأمر الذي أنقذه من الخضوع لمحاكمة عسكرية. لم يَمْضِ وقتٌ طويلٌ حتى انحلَّ الفيلق، لكن الملازم سكوت أمضى بعض الوقت في مدينة سان سباستيان، ويُعتقَد أنه انضَمَّ فيما بَعْدُ للجيش الإسباني، إلا أنه … لم يحصل قطُّ على رتبةٍ أعلى من ملازم. وصفه السيد روبرتس بأنه رجلٌ ذكيٌّ لكنه فظٌّ وغيرُ مهذَّب وجريء، لا يعبأ كثيرًا بالأخلاق؛ فقد كان يتعامَل بعدم مبالاة للغاية داخل الفيلق.

لم يكن سكوت سوى واحدٍ ضمن مجموعة صغيرة من المغامرين والجنود المرتزقة الذين حاولوا الانضمام إلى عبد القادر عن طريق المغرب في هذا الوقت. هؤلاء الذين كان لبريطانيا سلطان عليهم أُعِيدوا إلى بلدهم بأمر من دروموند هاي الذي وبَّخَه بالمرستون على حماسه المُفْرِط. قدَّمَ بالمرستون تفسيرًا آخَر لموقفه عندما كتب إلى دروموند هاي في أبريل من عام ١٨٤١، قائلًا:

لا ترغب حكومة جلالة الملكة في التدخُّل مهما حدث بين الفرنسيين وعبد القادر، لكن أسلوب تعاملك مع القضية المعنية يَمِيل إلى تَرْك انطباع أن حكومة جلالة الملكة تقف مع فرنسا ضد عبد القادر، وهذا ليس صحيحًا.

إنَّ رواية سكوت عن مغامراته بها دونَ شكٍّ قَدْرٌ من التباهي، لكنَّ ما ذَكَره من تواريخ وحقائق أكَّدتها على نحو مذهل رواياتُ المسئولين الفرنسيين والإنجليز القلقين الذين بذلوا كلَّ ما في وسعهم من أجل رَصْد تحرُّكاته. قضى سكوت أحد عشر شهرًا في شمال أفريقيا، وكان عبد القادر يأخذه على محمل الجد؛ حيث أبلغه سكوت عن نفسه أنه موضع ثقة الحكومة البريطانية. أحضر سكوت معه خطابات من عبد القادر إلى إنجلترا في عام ١٨٤٢، وحاوَلَ التعامل مع وزارة الخارجية بوصفه المبعوث الرسمي لعبد القادر. لقد أعطى بالتأكيد انطباعًا خاطئًا لعبد القادر بشأن اهتمام بريطانيا بالأمر؛ وعليه فقد كتب الأمير إلى اللورد أبردين، الذي أصبح وزيرًا للخارجية مرة أخرى:

لقد علمنا أيضًا أنكم قد تفضَّلتم وقلتم إنه إذا أراد عبد القادر مالًا أو أسلحة أو أي أشياء أخرى، فإنكم ستُعِيرونه أو تبيعون له كلَّ ما يحتاج إليه.

كاتَبَ سكوت وزارةَ الخارجية البريطانية على فترات متقطِّعة على مدار السنوات القليلة التالية، ساردًا ادعاءاتٍ أكثرَ جموحًا بشأن نفوذه في شمال أفريقيا، لكن رغم محاولته الفاشلة في العودة إلى الجزائر في عام ١٨٤٣، فإنه لم يَلْتَقِ بعبد القادر مرةً أخرى قطُّ.

عُرِض موقف الإدارة البريطانية الجديدة على نحوٍ مثيرٍ للاهتمام في خطابٍ للورد أبردين في يناير عام ١٨٤٢، عقب تولِّيه الوزارة مباشَرةً، فكتب يقول للورد كاولي في باريس عن الحوار الذي دار بينه وبين السفير الفرنسي في العاصمة الفرنسية:

لم أَقُلْ قطُّ إنه ليس لديَّ أيُّ اعتراض حاليًّا على ترسيخ الوجود الفرنسي في الجزائر، وإنما قُلْتُ إنه ليس لديَّ أي ملاحظة في الوقت الحالي على هذا الموضوع، وإنني كنتُ أعتزم السكوت … إلا أن عدم التعبير عن الاعتراضات ليس معناه تجاهلها.

ساء موقف عبد القادر مع استمرار الحرب، والأهم من ذلك أن علاقته بسلطان المغرب تدهورت. جاءت نهاية الدعم المغربي لعبد القادر في أغسطس من عام ١٨٤٤، عندما دخل بالفعل الجيش المغربي في صراع مباشِر مع الجيش الفرنسي، وألحق بيجو هزيمةً ساحقةً بالمغاربة في معركة إسلي. لم يَعُدِ السلطان مهتمًّا عقب هزيمته بتوصيل الأسلحة الإنجليزية إلى عبد القادر، وبحلول شهر نوفمبر أصدَرَ أوامر بطَرْدِ عبد القادر من الحدود المغربية، أو حَبْسِه إذا قُبِض عليه. كانت النتيجة أنه خلال السنوات الثلاث التالية، حتى استسلام عبد القادر للقوات الفرنسية بقيادة الجنرال لاموريسيير في ديسمبر عام ١٨٤٧، تدهوَرَ وضع عبد القادر أكثر فأكثر حتى وصل إلى درجة الهارب من العدالة. جرى اتصال أخير بطريقة غير مباشِرة بين رسول لعبد القادر وجون دروموند هاي — الذي كان قد خلَفَ والده في العمل قنصلًا لطنجة في نوفمبر عام ١٨٤٧، عندما صار بالمرستون وزيرًا للخارجية مرة أخرى — ولم يَرِدْ ردٌّ من بريطانيا.

وعقب استسلامه، أُودِعَ عبد القادر السجن في فرنسا حتى نهاية عام ١٨٥٢، بدايةً في مدينتَيْ طولون وبو، لكن محبسه الأساسي كان في قصر آمبواز. في النهاية عفا عنه لويس نابليون وأطلق سراحه عقب اتصاله الأخير المهم مع البريطانيين. رغم أنَّ لويس نابليون كان قد تأثَّرَ بالفعل بالحجَّة التي مفادها أنَّ عبد القادر قد تعرَّضَ للخيانة من الجمهورية الفرنسية — عقب قبول أعضاء الحزب الأورلياني استسلامه، في مقابل السماح له بتَرْك الجزائر والاتجاه إلى الشرق — فإنه لم يَتَّخذ أيَّ إجراء في البداية لإطلاق سراحه. إلا أن ماركيز مقاطعة لندنديري — الأرستقراطي الإنجليزي والدبلوماسي ورجل السياسة السابق والأخ الأصغر غير الشقيق لفيكونت كاسلراي الراحل، والذي جاء من أجل زيارة عبد القادر في قصر أمبواز، والحديث إلى لويس نابليون نيابةً عنه — قدَّمَ دفاعًا قويًّا عن عبد القادر. كان اللورد لندنديري كبيرًا في السن — في الرابعة والسبعين من عمره في هذا الوقت — لكنه كان قويًّا ودائمَ الاهتمام بالشئون الخارجية، ويبدو أن اهتمامه كان خيريًّا بالدرجة الأولى، إلا أن اهتمامه بعبد القادر قد يرجع إلى زيارة له مع زوجته إلى إسبانيا والبرتغال في عام ١٨٣٩، وعندما مرَّا بجبل طارق وفيما بعدُ على طنجة، نزَلَا ضيوفًا على إدوارد دروموند هاي وقامَا برحلة جريئة داخل البلاد. بالطبع كان عبد القادر في هذا الوقت محور الاهتمام في طنجة، ولا بد أن اللورد لندنديري وزوجته قد سمِعَا الكثير عنه. في عام ١٨٥٢ عبَّرَ لورد لندنديري عن دهشته من أنه «في هذه الأيام التي تشهد تقدُّمًا حضاريًّا، يظل مثل هذا المحارِب القديم الشجاع والمغوار والجريء محبوسًا أكثر من هذا تحت حراسة مشدَّدة، بفعل دولة قوية مثل فرنسا.» من المثير للاهتمام أنه يرى عبد القادر «محارِبًا قديمًا»، في حين أن الأمير لم يكن تعدَّى الرابعة والأربعين من عمره. قلَبَ تدخُّلُ لندنديري الموازينَ، وأُطلِق سراح عبد القادر، وذهب في البداية إلى مدينة بورصة في آسيا الصغرى، ثم فيما بعدُ إلى دمشق.

في دمشق عام ١٨٦٠ لعِبَ عبد القادر دورًا مذهلًا في إنقاذ كثيرٍ من المسيحيين من التعرُّض لمذبحة على يد السكَّان المسلمين، وأصبح محور الاهتمام في إنجلترا وأماكن أخرى في أوروبا، وجرى الحديث حول إمكانية أن يكون له مستقبل سياسي في سوريا، ويبدو أن نابليون الثالث فكَّرَ في دَعْمِه ليكون حاكمًا لسوريا التي كانت قد انفصلت عن الإمبراطورية العثمانية وأصبحت أكثرَ تودُّدًا إلى أوروبا، إلا أن هذا لم يتعدَّ مجرد خطط خيالية جامحة، ولم يتمخَّض عنها شيء. إلا أن عبد القادر أصبح حينذاك شخصية مشهورة؛ فقد زار أوروبا في عام ١٨٦٥، واحتُفِي به على نطاقٍ واسعٍ في باريس؛ حيث تردَّدَتْ هناك شائعات لا طائل من ورائها بأن نابليون الثالث كان سيمنحه حكم الجزائر، وفي الأول من أغسطس عام ١٨٦٥ بدأ عبد القادر زيارته الأولى والوحيدة للندن؛ حيث تَمَّ الترحيب به على نطاقٍ واسعٍ، وطُرِحَتْ فكرةُ لقائه بالملكة فيكتوريا. كتب موظف في وزارة الخارجية إلى وزير الخارجية، اللورد جون راسل، قائلًا:

أعتقد أنه من المستحيل محاولة إقناع الملكة بمقابلة عبد القادر، لكن بالطبع سيكون من الحكمة أن تفعل جلالتها هذا؛ فمَنْ يدري ربما يكون له شأن عظيم في الشرق، ناهيك عن الجزائر.

في الواقع لم يكن مقدَّرًا لعبد القادر تحقيق أيِّ شيءٍ آخَرَ، إلا أنه استمرَّ في التواصُل مع الإنجليز طوال حياته. وفي دمشق، أصبح عبد القادر — خلال سنوات حياته اللاحقة — صديقًا لعائلة بيرتون، بينما كان ريتشارد بيرتون يعمل قنصلًا، وجاء كثيرٌ من الزوَّار الإنجليز لزيارته، لكن رغم أنه كان مشهورًا في دمشق ومن الشخصيات العامة، فإنه لم يَعُدْ يتمتَّع بأهمية دولية؛ فقد صار من الصعب على نحوٍ متزايدٍ تذكُّر فكرة أنه في أيام مجده، عندما كان خصم فرنسا الشرس في الجزائر، كانت أنشطته أيضًا ذات أهمية بالغة لسياسة بريطانيا الخارجية.

30 дек, 2015 11:28:35 AM
0