حداثوية الحداثة (شعر بشرى البستاني)
لاشكَّ في أنَّ البحث في جماليَّة الخطاب الشعريّ الحديث لهو بحث اختلافي أو إشكالي ، فهو بقدر ما فيه من المغامرة والمتعة فيه من الصعوبة والمشقة والاستعصاء التقييمي؛ ولا نبالغ إذا قلنا بقدر ما فيه من المنزلقات والمتناقضات الكثيرة التي تجعل المجال مفتوحاً للمحاججة والمساءلة والاختلاف في أغلب الأحيان؛ لأنَّ البناء الشعري الحداثي – بطبيعته بناء إشكالي، ومادمت تبحث في الخطاب الإشكالي فلابُدَّ من أن تكون أحكامك إشكاليَّة؛ شأنها في ذلك شأن بنية الخطاب الحداثي ذاته.
ومن أجل ذلك، تطلّب البحث منَّا الاشتغال على حقول معرفية عديدة؛ للخلوص إلى أحكام منطقية تقارب هذه التجربة من صميمها، لمحاولة فكِّ رموزها ومستغلقاتها النصّيّة، وفي اعتقادنا أنَّ كلَّ تجربة شعريَّة جديدة تجاهد أن تجذّر إبداعها على حداثوية اللغة والرؤيا معاً هي تجربة جديرة بالمتابعة النقديَّة والكشف النقديّ البارع، وهذا ما ينطبق تماماً على تجربة الشاعرة العراقية، بشرى البستاني، التي تملك خصوصيتها الإبداعية الفذة القادرة دوماً على ملامسة دواخل المتلقي، بمركبات قصائدها اللغويَّة المبتكرة، وفضاءاتها التصويريَّة المراوغة بإيقاعيها [البصري والصوتي] معاً، ولا نبالغ؛ إذا قلنا إنها من الشاعرات العربيات القلائل التي تميَّزت قصائدها بإيقاعاتها البصرية وحنكتها التصويريَّة في شعرنة السرد بإيقاع رشيق حداثوي للغاية.