خطاب التمدن العربي
قد لا نكون مبالغين إنْ قُلنا إنّ فَضْلَ جيل الروّاد من إصلاحيّي القرن التاسع عشر تمثّل في ابتداع الاقتباس والاشتغال عليه في مستوويْن: اُبتُدِعَ موضوعاً فانتقَل الخطابُ من التمركز على مرجعيّة "السلف الصالح" إلى التمركز على مرجعيّة أوروبّا. واُبتُدِعَ أليّةً فانفتَحَ بابٌ على تسويغ العبور إلى أوروبّا وتدبّر قوانين تقدّمها والنظر في إمكانات الإفادة منها.
تلك إذنْ أبرز ملامح المقدّمات التاريخيّة الكبرى التي تشكّلتْ في ضوئها بواكير التفكير في سؤال التمدّن. ونشأت، تَبَعاً لذلك، جملةٌ من المسارات. وانخرط العاملون داخلها في عملّيات تصنيف منهجيّ للقضايا الكبرى التي اعتَبروها مفاتيحَ أساسيّةً لبلورة الرؤى اللاّزمة للخروج من زمن الانحطاط وكسر النواظم المتحكّمة فيه وتمهيد السبل لصياغة التصوّرات القاضية بالاندراج في زمن جديد.