Ana içeriğe atla
أعطني صحافة رصينة... أمنحك ديمقراطية!

الصراع عظيم بين عالم الصحافة التقليدي وعالم الرقميات التي أحدثها حتى على مستوى المفاهيم والدقة والمهنية. هنا ينبري صحافي بريطاني مخضرم ليشرح ما حدث وما يحدث، وليحذر من سلبيات ستنعكس على كل شيء، بما في ذلك على الديمقراطية نفسها.   

يلفت الكاتب آلان روزبريدجر إلى أن هناك حقيقتين شبه ثابتتين حاليًا، أولاهما هي أن صدامًا كبيرًا وقع بين الصحافة المطبوعة وعالم الرقميات خلال السنوات الماضية، وهو ما يدفع بالأولى نحو موت محقق في أية لحظة، ما يعني أن الأمر مسألة وقت لا غير. ثانيهما أن الأخبار التي نقرأها في هذا الموقع الالكتروني أو ذلك ليست كلها صحيحة.

انطلاقًا من هاتين الحقيقتين، خرج روزبريدجر بكتاب هو أشبه ما يكون بمانفيستو من أجل مستقبل الصحافة في عالم ما عادت فيه الأخبار حكرًا على أحد، بعد الثورة الهائلة التي نشهدها في مجال الاتصالات والتواصل.  

من هو؟
عنوان الكتاب "أخبار عاجلة: إعادة تشكيل الصحافة ولماذا الأمر مهم الآن". وقد جذب إليه أنظار جميع المهتمين بعالم الصحافة والكتابة والأخبار وما إلى ذلك، لأن الكاتب واحد من عمالقة الصحافة البريطانية، إذ كان رئيس تحرير صحيفة الغارديان على مدى عشرين عامًا (غادرها في عام 2015)، وقد قادها في فترات صعبة، بعضها بسبب أخبار عاجلة مهمة وأسباق صحافية كانت تتطلب قرارات شجاعة من جانب من يشغل منصبه، وبعضها الآخر بسبب تكنولوجيا الاتصالات التي غيرت الكثير من الواقع الصحافي المعتاد سابقًا، ووضعت الصحافة الجديدة ووسائل الإعلام كلها على المحك أمام حالة لم تكن لها أي سابقة منذ زمن غوتنبرغ.

القرارات الصعبة التي وجد هذا الصحافي نفسه أمامها كانت عديدة على مدى هذين العقدين، منها ما يتعلق بوثائق ويكيليكس، ومنها ما كشف عنه موظف المخابرات الأميركية إدوارد سنودن، ثم فضيحة قرصنة الهواتف وأوراق بنما وغيرها  الكثير. 

كان على روزبريدجر أن يتخذ موقفًا صريحًا وجريئًا بأن ينشر أو لا ينشر، وهو يعلم أن قصة مثل قصة سنودن مثلًا قد تنتهي به إلى السجن، علمًا أن الصحيفة حصلت بعد نشر هذا السبق على جائزة بولتزر في عام 2015. 

مجاراة العصر
أما التغيرات العظيمة التي شهدها العقدان الماضيان على صعيدي الاتصالات والتكنولوجيا فقد تعامل معها روزبريدجر بطريقة ذكية واستقرائية، إذ أدرك في وقت مبكر بأن الانترنت سيغير كل شيء، وسيؤدي إلى قتل الصحافة المطبوعة، فقرر احتضان مبادئ الرقميات، ليحافظ على وجود صحيفته حية. يشار إلى أن الغارديان اليوم هي ثالث موقع إخباري باللغة الانكليزية يزوره القراء على الإنترنت في العالم.

واتخذ روز بريدجر عددًا من القرارات المهمة في هذا المجال، منها رفضه فرض مبالغ مالية على زوار موقع الصحيفة على الانترنت، وهو ما ضمن تفاعل القراء معه ومع منشوره، في وقت واجهت صحف أخرى فرضت مثل هذه المبالغ عزوفًا من القراء عن زيارتها.

صحف صمدت
تبيع صحيفة الغارديان حاليًا أقل من 140 ألف نسخة مطبوعة، فيما يزور موقعها الالكتروني ما يقارب من 25 مليون قارئ شهريًا في بريطانيا وحدها، ويعود الفضل في ذلك إلى روزبريدجر. 

وفي الولايات المتحدة تمكنت صحف ومطبوعات معدودة من البقاء في عالم الرقميات، وهي فاينانشال تايمز ونيويورك
 تايمز وإيكونومست وواشنطن بوست، بعدما احتكرت مؤسستان عملاقتان، هما فايسبوك وغوغل، عالم الدعاية الرقمية، وأزاحتا الصحافة من موقع الصدارة. سبب نجاح هذه المؤسسات الصحافية هو تمكنها من مواكبة عالم الرقميات، وحصولها على دعم مادي يسمح لها بالبقاء. أما البقية فقد غرقت بشكل عام، ومنها نيويورك ديلي نيوز، التي أعلنت في يوليو 2018 تسريح نصف عدد العاملين لديها.

صعوبة التمييز
لكن كتاب روزبريدجر لا يسرد تاريخ الغارديان والصحافة وتراجع موقعها بشكل عام فحسب، بل يناقش فكرة مهمة تتعلق بنزاهة هذه الصحافة وصدقها والتزامها بقواعد الرصانة ومعايير الدقة والتمحيص قبل النشر وبعده.

ففي عالمنا الحالي الذي يشهد أضخم ثورة في عالم الاتصالات لا يمكن التمييز بين خبر صحيح وآخر كاذب، لأن نشر الأخبار ما عاد حكرًا على صحافيين حريصين على صحة ودقة المعلومات التي ينشرونها، ثم لتوفر عددًا كبيرًا من الأماكن التي يمكن تمرير أي خبر عبرها، وهو ما يشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل الصحافة نفسها، ثم على الديمقراطية، حسب قول الكاتب.

يشير روزبريدجر في كتابه إلى مواقف رجال السلطة والسياسية، الذين يشككون بما ينشر، عندما يتعارض وأجنداتهم، بل ويسفه بعضهم وجهات نظر الخبراء والمتخصصين أيضًا. ويلاحظ الكاتب أن رجال السياسة يقولون ما يشاؤون، ويحوّرون الحقائق، حتى أصبح من الصعب التمييز بين الصادق وغير الصادق، وبين الصدق والكذب، وهو ما يشكل خطرًا على الديمقراطية نفسها، وذلك لتعطل دور السلطة الرابعة في متابعة المسؤولين في المستقبل. 

يدافع الكاتب في كتابه دفاعًا شبه مستميت عن صحافة صادقة تعتمد معايير الدقة والمهنية التي أصبحت نادرة في أيامنا هذه. وهو يرى أن المعلومة السيئة وغير الصحيحة تنتشر في مكان، في حين أن المعلومة الصحيحة أصبحت مقصورة على نخب صغيرة جدًا.. وهو ما يناقض الديمقراطية.

السبيل إلى البقاء؟
يشرح روزبريدجر في كتابه وسائل البقاء المتاحة أمام وسائل الإعلام والصحف في عالم الرقميات اليوم، وهي ثلاث، أولاها الاعتماد على الإعلانات، وهو مضمار يتضاءل أمام ضخامة فايسبوك وتصدره هذا المجال.

الخيار الثاني فرض مبالغ مالية على القراء مقابل تصفح موقع الصحيفة الالكتروني، وهي طريقة أثبتت فشلها أيضًا، لأن القراء لا يريدون دفع نقود للحصول على أخبار تبدو متوافرة في كل مكان وبالمجان. أما الوسيلة الثالثة فهي الاعتماد على منظمات خيرية وعلى تبرعات، وهو أمر من الصعب ضمانه بالنسبة إلى جميع المطبوعات.

هذا التقرير نقلًا عن "أيريش تايمز".

02 Eki, 2018 08:52:31 AM
0