غادة نبيل تستحضر في «باسم غير مستعار» مدنا وكتبا وفنانين معروفين ومهمشين
لا تؤجِّل الشاعرة غادة نبيل اعترافها بالتحايل على البدايات المكرَّرة، في ديوانها الجديد «باسم غير مستعار»(منشورات المتوسط ـ إيطاليا) مخاطبةً القرّاء منذ أوَّل قصيدة، كأنَّها تنسج لهم بخيوط أوَّل نصٍّ شباك صيدٍ أو فخّاً ما، ليقعوا في شركِ قصيدة مُنفلِتة، «كافرة»، «خائنة»، أو على وشك أن تكون، بالمعنى الإبداعي واتساع مساحة التجريب. أبعادٌ تاريخية، وإسقاطات ميثولوجية تظهر منذ البدايات، بجملٍ جريئة وساطعة لا تتوارى خلف شيء، تكتبها الشاعرة مستحضرةً مدناً وكُتُباً وشعراء وفنانين معروفين ومُهمَّشين لا أسماء لهم، وبين السطور وفي الهوامش السفلية تنشغل غادة نبيل بنصِّها، مدمِّرةً الكثير من الكليشيهات، والتي غالباً ما يلجأ إليها الشعراء ليمنحوا نصوصهم نوعاً من البُهرج المعرفي، لنلمسَ فعلاً هذا «الصراع المتغيّر مع فكرة الشِّعر»:
لو شككْنا أننا سنحتاج، رؤية عشرينيات أرواحنا، بعد الأربعين، لاحتفظنا بها أو صوَّرناها. كنّا سنحتاج أساطيل، لحَمْل هذه الشحنات من السعادة، وتفريغها، لأن احتفاظ شخص واحد بالسعادة المطلقة، ولو كذكرى، جريمة. لم نعرف أنها ستغدو كتلة خوف، من أنفسنا، لم يكن هذا دافعي إلى تمزيقها، ولا دافعكَ إلى حَرْقها. اكتشفتُ، كيف جعل الغضبُ إميلي ديكنسون تهونُ عليّ، صوري الفوتوچينيك لا تهمُّني، وورودكَ الجافّة مجرّد عطانة الزمن. في المقابل، أنتَ برهنتَ على جذور أسلافكَ، في التّخلّص من الموتى، لأن طقس المحرقة لم يكن من الناحية التاريخية، تكريمًا للكتابة.
كان يمكن لرسائلنا، أن تبقى مفرودة في الميناء، يُقلِّبها البحّارة والعتّالون، من أوّل الزمن إلى نهايته. اُنْظُر كيف كنّا سنتحوّل إلى رموز: قيس وليلى، خسرو وشيرين، كوكو شانيل وبوى كاپيل، غادة وكمال.
في ديوان «باسم غير مستعار» تكتبُ غادة سيرةً شعرية، لا تخلو من تفاصيل حياتها وحياةِ أفراد عائلتها، وكلَّ ما قرأت وأرادت أن تلتقي من الأموات، مستعينةً بذاكرةٍ تمتدُّ لسنواتٍ بعيدة، عبر مدنٍ وأفلامٍ وكتبٍ وحكايات شعبية كثيرة، وكذا خيالٍ تنعشه بالسخرية حين يلامس حزنها وحزن الآخرين:
الذين أحبّوا الحقيقة مشوا، والذين كرهوها مشوا. هكذا لم يبقَ أحد يُخبرنا ما جرى للمجانين. أو كما نقرأ في قصيدة «الصيّادون»: الانتظار أصابهم بلوثة رطبة، والقمر زاد المشكلة. أصبحت عيونهم، تُشبه أسماكهم، أي أكثر ذهولاً واستدارة. بالليل، مراكبهم فنارات، يُرهِفون السمع، فيسمعون كلام السمك وأقدام السلطعون في قاع المحيط، ومع الفجر، يعودون كخلايا سرّيّة، اتّفقت على مخابيل الشّطّ. كلّ ليلة، يكتبون قصيدة عن خرابة الوجود، ويرمونها في البحر، أو الموقد، لتسوية الرّزّ والبامية.. مع أنهم مثلنا، أرادوا رؤية فتق السماء، لا أكثر. تمضي الشاعرة في التجريب البصري، والاشتغال الذي يتكئ على مفردات سردية، من خلال قصائد تعنوِنُها أحياناً وتتركها بلا عناوين في أخرى، مكتفيةً في آخرها بتاريخ كتابتها. أو حين تدفعُ الكلمات لترتبط ببعضها البعض، في مَا يشبه الارتباط العضوي، متخلّيةً عن علامات الترقيم والفراغات التي نحتاجها كي ندرك المعنى بين كلمةٍ وأخرى. وحين نقرأ كتابها الجديد، تجعلنا الشاعر غادة نبيل كما في إحدى جملها الشعرية: «... نختبر الدوشة التي تجلبها البهجة، العمق الذي يجدّده اللعب».