Ana içeriğe atla
لناصر عراق " اللوكاندة .. عليوة والوالى فى مطاردة بين الحياة والموت "

ــ الرواية تتناول فترة حكم عباس حلمى الأول الغامضة ومحاربته لفلاح غلبان

مستعينا بأصوات متعددة لأبطال روايته «اللوكاندة»، نسج الروائى ناصر عراق لوحات فنية متقنة، دارت خلالها عملية مطاردة مستمرة طيلة العمل بين ريفى نحيف لا يملك من الدنيا شيئا، والوالى عباس حلمى الأول، المولود عام 1812م والذى حكم مصر عام 1848م حتى مقتله عام 1854م.
يمسك عراق، فى روايته التى صدرت فى طبعتين خلال العام الجارى عن الدار المصرية اللبنانية، حقائق التاريخ بقبضة يده، ثم يتركها، فى دهاء روائى، تتسرب من بين أصابعه فى ثنايا الدراما التى تحفل بها صفحات الرواية؛ فالوالى عباس حلمى الأول لم يكن يحب التعليم كجده بانى مصر الحديثة محمد على باشا، بل أغلق المدارس، فحال دون أن يكمل آلاف المصريين تعليمهم، ولم يكن يأمن لأحد، فأحاط نفسه بأسوار القصور، ولجأ إلى المنجمين يستطلع الغيب الذى يخشاه، واحتمى بالإنجليز ضد شعبه، وتوجس فى أقرب الأقربين حتى فروا منه إلى الخارج.
من هنا، يمكننا أن نقف على حدود الحكاية: صراع بين عباس حلمى الأول، والريفى الفقير عليوة أبو زهرة الذى اختير لنحافة جسده، ليتولى مهمة تذوق الطعام الذى يقدم للوالى قبل أن يصل إلى فمه، حتى إذا كان الطعام مسمومًا عرفنا ذلك من سرعة ظهور أثره على جسد عليوة النحيل.
يتمارض عليوة داخل قصر الوالى فى بنها حتى يبث شكواه للطبيب الإنجليزى الذى يحضر لعلاجه الدكتور وليام براون، وتتصاعد الأحداث بقرار الأخير مساعدة الشاب الفقير على الهرب، ثم نصل لذروة الأحداث ببحث عباس حلمى عن عليوة ورصد مكافأة لمن يدل عليه، وصولًا إلى القبض عليهم بالفعل، قبل أن تتدخل الأقدار لتكتب لهم النجاة.
الرواية التى كتبها ناصر عراق، بين القاهرة ودبى، فى الفترة من مايو 2018 إلى منتصف نوفمبر 2019، لا تترك لقارئها فرصة لالتقاط الأنفاس وهو يلهث خلف تفاصيلها المدهشة، وصورها البديعة لذلك الزمان البعيد فى منتصف القرن التاسع عشر. فأحداثها ليست معلقة فى الهواء، والجدل الإنسانى منذ خلق الله الأرض وحتى قيام الساعة، حول العلاقة بين الرجل والمرأة، الناس والأديان، الخوف والطمع، الحب والخيانة، كلها حاضرة على ألسنة أبطال العمل ضمن سياق روائى محكم.
ومن الحيل الروائية التى تتكرر فى العمل أكثر من مرة، الكابوس، حيث نجد أحد أبطال الرواية يواجه ما يخشاه فجأة، وتلتف الوقائع حول بعضها لينهار كل شيء، حتى إذا وصلنا إلى نهاية المشهد، وجدناه يفيق من كابوسه، مستعيذًا مما رأى.
يختبئ عليوة أبوزهرة فى لوكاندة يملكها الدكتور وليام براون فى درب قرمز، بحى الأزهر، ومن داخلها يرقب الشارع، ومقهى أمامه، حيث يرتاده أصناف شتى من الناس. ولأن عليوة – طيلة صحبتنا له فى الرواية – يستمسك بآيات القرآن التى يحفظها لعلها تعيذه مما يكابده، فإنه يسعد برؤية الشيخ زغلول – أحد رواد المقهى – يستقبل تلاميذه هناك، فيسألهم عن أكثر أحاديث النبى محمد صلى الله عليه وسلم، أهمية، ويفتى الناس فى أمور دينهم، أثناء احتساء شراب اليانسون الذى اعتاد على طلبه، لكن الأمور تتغير حين يسأل صاحب المقهى المعلم صميدة الشيخ زغلول سؤالا، فيصيح الشيخ المعمم: أستغفر الله يا معلم.. هذا كفر بواح. قبل أن يغادر المقهى ولا يعود أبدًا. يترك المؤلف على لسان عليوة أبو زهرة، أسئلة عن أسباب ما فعل الشيخ زغلول، من دون إجابة. هنا تبدو الإجابة الغائبة كمساحة بيضاء يتركها الفنان فى لوحته عامدًا ليبصرها المشاهد على أى وجه يشاء.
كما نجد فى علاقة الدكتور وليام براون بزوجته مرجريت، وقفات عدة أمام علاقة الرجل بالمرأة، وتقلبات المشاعر فيما بينهما، ثم نواجه الشخصية المأزومة منذ إطلالتها الأولى بالرواية بدر الدين أباظة طالب الطب الذى لم ينجح فى دراسته بلندن، فعاد ليعمل مساعدًا للدكتور وليام فى عيادته، والمتقلب بين شغفه ببائعة هوى اسمها فردوس، ورغبته فى زميلته بالعيادة الممرضة فيرجينيا. تقود بدر الدين أزماته إلى البحث عن أى سبيل للخلاص، ثم يتعقب عليوة فى مخبئه بأكثر من حيلة إلى أن يوقع به بالفعل، لكن تضيع عليه مكافأة الوالى فتتضاعف هزائمه.
ولا يغيب عن قارئ الرواية التى تقع فى 275 صفحة من القطع المتوسط، مشاهد بسطاء الناس وعوامهم، مثل موسى كوارع اللص الذى لا يسرق من أهل حارته، أو نبوية السمراء التى تبيع الجبن القريش والبيض والفطير والعسل بحى الأزهر، ولا يتورع الجنود الأرناؤوط بملابسهم الخشنة وملامحهم القاسية عن خطف متاعها منها.

 

 

المصدر:الشروق

13 Eyl, 2020 12:01:27 PM
0