Ana içeriğe atla

أسرار حجرات النسخ

لم تكن حجرات نسخ المخطوطات في القرون الوسطى بالضرورة خلية النشاط المنظَّمة التي نتخيلها.

إن الفكرة السائدة عن حجرات نسخ المخطوطات في القرون الوسطى هي أنها غُرَف مظلمة في مكان منخفض مخصَّصة لغرض كتابة المخطوطات، وتتضمن صفوفًا من النُسَّاخ حَسَنِي التدريب منكبِّين على مكاتب داخل تجويفات في الجدران؛ حيث يعملون في صمت مطبق، ولكن الحقيقة هي أنه بينما قد يكون هذا الترتيب صحيحًا في وقت لاحق من القرون الوسطى في بريطانيا، فلا توجد أدلة تُذكَر لدعم مثل هذا التصور في الفترة الأنجلوسكسونية أو أوائل فترة ما بعد الغزو.

عوضًا عن ذلك، شمل مصطلح «حجرات النسخ» مجموعة متنوعة من الحالات لا تتشابه أيُّ حالتين منها؛ فحجرات نسخ المخطوطات في أوائل القرون الوسطى كان يمكن أن تتراوح بين غرفة أو مبنًى يعمل فيه النُّسَّاخ، أو مجموعة من النُّسَّاخ في كيان منسَّق منظَّم، أو — على نحو أكثر تحررًا — موقع غير محدَّد المعالم تُنتَج فيه المخطوطات. وفي أبسط صوره يمكن أن يتكون من اثنين من النُّسَّاخ يعملان معًا على أكثر من مخطوطة. وفي كثير من الأحيان، هذا هو أكثر ما يمكن أن نشير بثقةٍ إلى أنه كان موجودًا فيما يسمَّى حجرات النسخ.

عُثر على أقرب الأدلة المادية على وجود مكان مخصَّص لعمل النُّسَّاخ في هذه الفترة في مدينة سانت ألبانز في القرن الحادي عشر؛ حيث سُجِّل أن بولس من كاين — رئيس دير سانت ألبانز (١٠٧٧–١٠٩٣) — دفع مالًا لبناء حجرة نسخ من غرفة واحدة خارج الدير، فوق المبنى الملحَق به؛ حيث يستطيع النُّسَّاخ المحترفون العمل دون إزعاج الرهبان، وكسْب ما يكفي من المال لإعاشتهم.

إن الفحص الدقيق للمخطوطات التي أُنتِجَت في حجرات النسخ يمكن أن يخبرنا الكثيرَ عن الأماكن التي صُنعت فيها، وكذلك الأشخاص الذين نسخوها؛ فقد كان لدير ووستر باعٌ طويل في إنتاج المخطوطات؛ إذ يشير اتساق المخطوطات المصنوعة هناك وَجَوْدَتها وكَمِّيتها إلى وجود عملية تدريب ممنهَجَة تتضمَّن إحلالًا وتبديلًا منتظمًا للنُّسَّاخ.

وقد أُنتجت أقدم السجلات الباقية حتى يومنا هذا (مخطوطة تحتوي على مواثيق الأراضي ووثائقها) في إنجلترا — وتُعرَف باسم «كتاب ووستر» — في ووستر في أوائل القرن الحادي عشر. وعن طريق تجميع هذه الوثائق في مخطوطة واحدة استطاع الدير ضمان تنظيم ممتلكاته والحفاظ عليها. ورُتبت مواثيق الأراضي الواردة فيه في قطاعات جغرافية وَفْق المقاطعات؛ حيث كانوا يتحركون داخل كل منطقة في اتجاه عقارب الساعة. اشترك في كتابة هذا السجل خمسة نُسَّاخ، كانوا يعملون في الوقت نفسه؛ حيث تولَّى كلٌّ منهم قطاعًا، وتناولوا رُقَعًا كبيرة من الأراضي متَّبِعين جميعًا نظام الترتيب نفسه.

وبعد ذلك بنحو ٥٠ عامًا أُنتج سجلٌّ ثانٍ، نُسخ على صفحات إنجيل ووستر. وعلى غير العادة، ثمة أدلة وثائقية باقية تصف الظروف التي حدث فيها ذلك؛ ففي نصٍّ يسمَّى «شرح الكتيِّب»، يصف الراهب هِمينج رغبة الأسقف وولفستان (١٠٦٢–١٠٩٥) في الحفاظ على وثائق ووستر التي كانت «معرَّضة لخطر البِلَى» وكيف أنه أمر بنسخها؛ بُغْيَة إنقاذها من السقوط في بئر «النسيان». لم يتبقَّ من هذا السجل إلا بضع قُصاصات، ولكن يمكن رؤيةُ عَمَل أحد النُّسَّاخ فيها؛ إذ وضع تصميمَ السِّجِلِّ وكتب العناوين الحمراء لكل نصٍّ، وعَمَل اثنينِ من النُّسَّاخ كتبا المتن الرئيسي للنصوص، ثم في مرحلة ما بعد كتابة العناوين والنص الرئيسي، أدخل نَسَّاخٌ آخر تعديلات طفيفة على العناوين.

تُشير هاتان المخطوطتان إلى وجود حجرات نسخ ذات كفاءة في ووستر، تضمَّنت نُسَّاخًا متفرِّغين؛ كلٌّ منهم له دوره الخاص الذي يؤديه بالتعاون مع الآخرين. وإن قدرتهم على إنتاج قدْر كبير من العمل تشير إلى أنهم لم يكونوا بحاجة للموازنة بين عملهم الكتابي وأيِّ مهامَّ أخرى.

يظهر نوع مختلف من حجرات النسخ عند دراسة مجموعة من المخطوطات من مدينة مالمسبري من القرن الثاني عشر، أنتجها ما يصل إلى ٥٤ نَسَّاخًا مختلفًا؛ منهم المؤرخ ويليام من مالمسبري (من ١١١٥ إلى نحو عام١١٤٠). أُنتجت تلك المخطوطات كجزء من حملة قادها جودفري من جومييج (١٠٩٠–١١٠٥) — رئيس دير رهبان مالمسبري — لإنشاء مكتبة كاملة تحتوي على جميع النصوص الأكثر أهمية التي ينبغي أن يمتلكها الدير. وفي حين أنَّ ويليام بدأ بنفسه العديد من الكتب، ونسَّق دون شك عملية إنتاجها، فإن الجزء الأكبر من العمل قام به مجموعة من النُّسَّاخ المختلفين. وهؤلاء الرجال كانوا متفاوتين في إمكانياتهم. كان لدى ويليام ثلاثة مساعدين، كان واضحًا تدريبهم الجيد، ولكن معظمهم كانوا محدودي المهارات، ولم يكونوا — على الأرجح — متفرِّغين للنَّسْخ. فكانوا يعملون فترات قصيرة؛ إذ يكتبون أحيانًا بضعَ صفحات، وأحيانًا بضعة أسطُر فحسبُ، وفي بعض الأحيان يعودون لاحقًا لمواصلة العمل. ويبدو مرجحًا أن ويليام كان يستعين بأيِّ راهب يَجده قادرًا على نَسْخِ مقطعٍ من نص، وعلى استعداد للقيام بذلك فيما بين واجباته الأخرى، ولكنَّ قلةً منهم فقط هم الذين كانوا يظلون معه فترة طويلة.

تقدِّم المخطوطات في ساليسبري صورة مماثلة، وهي المخطوطات التي تناولتها تيريزا ويبر؛ من جامعة كامبريدج، بالدراسة. فبعد الغزو — وفي إطار هيكلة الكنيسة الإنجليزية — نقل الأسقف هيرمان من شيربورن ورامسبري مقر الأسقفية إلى ساروم القديمة، شمال كاتدرائية ساليسبري الحالية. وبينما كانت الكاتدرائية لا تزال قيد الإنشاء، بدأ خليفته أوزموند (١٠٧٨–١٠٩٩) حملة لإنشاء مكتبة. وأدى ذلك إلى إنتاج نحو ٥٠ مخطوطة خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًّا تبلغ قرابة ٥٠ سنة.

وكما كانت الحال في مالمسبري، عمل عدد من النُّسَّاخ معًا لفترات زمنية قصيرة؛ ففي إحدى المخطوطات يمكن رؤية خط ثمانية نُسَّاخ مختلفين يعملون معًا، وأحيانًا كان أحدهم يستكمل العمل من منتصف جملة كتبها آخر. وكان هؤلاء النُّسَّاخ مُدرَّبين على نحو أفضل من نُساخ مالمسبري، ويبدو أنهم كانوا مجلوبين من مجموعة متنوعة من المراكز المختلفة للعمل في الكاتدرائية الجديدة، حاملين معهم أساليب متطورة ومُتباينة، وهو ما أفضى إلى إنشاء مكتبة غير متَّسقة على الإطلاق. وقد تم تحديد أحد النُّسَّاخ بوصفه قائدًا؛ إذ يمكن رَصْد خَطِّه في افتتاحية الصفحات لتوضيح الكيفية التي ينبغي كتابتها بها، وكان يصحِّح أعمال الآخرين، فيشطُب كلمات ويكتب تصحيحات بين السطور. وتُظْهِر بعض المخطوطات أيضًا أن راهبًا قد يبدأ نسخ مخطوطة ويعجز عن إكمالها، ربما بسبب واجباته الأخرى (أو ربما بسبب الملل)، فيترك العمل ليكملَه الآخرون.

توضح المخطوطات أنه لم توجد حجرتا نَسْخ متماثلتان في إنجلترا في القرون الوسطى؛ فقد تشكَّلت الحجرات لتتناسب مع متطلبات كل مركز، وكانت تتكيف مع تغير الاحتياجات. وكان يُستعان بالنُّسَّاخ من الفئة الأنسب — أيًّا كانت — لتلبية مطالب المجتمع. وفي حين أننا لا نعرف إلا القليل عن الشكل المادي لحجرات النسخ الأولى ومواقعها، فإنه يمكن أن تبدأ تتكشَّف لنا لمحات من حياة النُّسَّاخ اليومية عن طريق الدراسة الدقيقة للأعمال التي أنتجوها.

 

14 Ara, 2015 12:34:00 PM
1