Ana içeriğe atla

اكتشاف منبع النيل

اكتشف جون هاننج سبيك منبع نهر النيل في الثالث من أغسطس عام ١٨٥٨.

جون هاننج سبيك هو ابن لضابط بالجيش من ويست كانتري؛ جُنِّد في جيش شركة الهند الشرقية عام ١٨٤٤ وهو في السابعة عشرة من عمره. وفي عام ١٨٥٤، التحق جون هاننج متحمِّسًا ببعثة استكشافية متجهة إلى شرق أفريقيا بقيادة الكابتن ريتشارد بيرتون، الذي كان قد عاد من رحلته المثيرة إلى مكة متنكرًا في زي حاج عربي في السنة التي سبقت ذلك. وخلال الرحلة، تعرض أفراد البعثة لهجوم عنيف شنَّه رجال قبائل في مدينة بربرة، وأصيب كلٌّ من سبيك وبيرتون بجروح، غير أن جرح سبيك كاد يقتله. اعتقد سبيك — صوابًا كان اعتقاده أم خطأً — أن بيرتون قد شكَّ في شجاعته وقت ذلك الحادث، وقد ظل ذلك الموقف يؤرِّقه طوال حياته، وزرع بذرة كراهية متنامية بين الرجلين، اللذين كانا على أي حال مختلفَيْن تمام الاختلاف؛ فمقارنةً ببيرتون العبقري وغير التقليدي إلى حدٍّ كبير، كان سبيك بطيئًا ومثابرًا على ما يبدو.

ومع ذلك، في عام ١٨٥٦، التحق بيرتون ببعثة استكشافية أخرى إلى شرق أفريقيا نظَّمتها الجمعية الجغرافية الملكية. كان يُفترض أن الغرض من هذه البعثة هو التحقُّق من صحة الشائعات بوجود بحيرة كبيرة في قلب المنطقة، وهي ما كان يطلق عليه بحر أوجيجي، لكن في الواقع كان الهدف من البحث اكتشاف منبع نهر النيل.

انطلقت البعثة من الساحل المقابل لزنجبار لتتوغل في المياه الداخلية قاصدةً شرق أفريقيا، وفي فبراير عام ١٨٥٨، اكتشفت البعثة بحيرة تنجانيقا. وبعد ثلاثة أشهر قُضيت في استكشاف البحيرة، أُصيب كلٌّ من بيرتون وسبيك بالإعياء، وعادت البعثة أدراجها إلى الساحل. لكنهم سمعوا عن بحيرة أخرى أكبر حجمًا تقع إلى شمال تنجانيقا. وهكذا انطلق سبيك — الذي كان قد تعافى آنذاك — على رأس فريق صغير، ووصل في أغسطس إلى ما وصفه لاحقًا بأنه «امتداد شاسع» من مياه البحيرة الشمالية «المائلة إلى الزرقة». وأطلق على البحيرة اسم بحيرة فيكتوريا، واعتقد — وقد صحَّ اعتقاده — أنها منبع نهر النيل.

ما كان بيرتون ليقبلَ بزعم سبيك بأنه اكتشف منبع نهر النيل؛ إذ شعر بأنه لا يوجد دليلٌ مُقنِع على ذلك. وكان يعتقد أن الاحتمال الأغلب هو أن المنبع الحقيقي للنيل كان بحيرة تنجانيقا التي اكتشفها هو نفسه. لكن سبيك عاد إلى إنجلترا في مايو من عام ١٨٥٩ قبل بيرتون، وأعلن أنه قد اكتشف منبع نهر النيل. شعر بيرتون بالإهانة وثارت ثائرته بسبب مقال سبيك عن البعثة الاستكشافية الذي نُشر في مجلة «إدنبره ماجازين» الصادرة عن دار نشر بلاكوود. لم يلتئم الشقاق الذي وقع بين الرجلين قط.

أرسلت الجمعية الجغرافية الملكية سبيك مرة أخرى إلى أفريقيا ليثبت صحة مزاعمه بشأن نهر النيل. وغادرت البعثة الساحل في سبتمبر عام ١٨٦٠، غير أنها لاقت بعض الصعوبات بسبب تشاجر مترجميها معًا؛ مما أدى إلى تعقيد المفاوضات مع الحكام المحليين الذين كان يتعيَّن على البعثة أن تمرَّ من أراضيهم، ومع التجار العرب الذين كانت البعثة تحتاج إلى الحصول على لوازمها منهم. عانت البعثة تأخيرات طويلة قبل أن تصل إلى غندكرو — التي تقع على مسافة ٧٥٠ ميلًا جنوبي الخرطوم — في فبراير عام ١٨٦٢، وبعد الكثير من المناورات السياسية والمكايد، سمح الملك القوي لبوغندا — أوغندا حاليًّا — ويُدعى موتيسه، لسبيك بمواصلة تقدُّمه إلى تلك البقعة من بحيرة فيكتوريا التي ينبع عندها النيل الأبيض من البحيرة. وفي الثامن والعشرين من يونيو عام ١٨٦٢، وصل سبيك إلى ما يسمَّى بشلالات ريبون، وكان حينئذٍ في الخامسة والثلاثين من عمره، وكانت تلك هي النقطة الفاصلة في حياته.

من المؤسف أن سبيك لم يتتبَّع مجرى النيل شمالًا بقدر ما كان ينبغي من عناية؛ مما مكَّن الشاكِّين في مزاعمه من التشكك في كون النهر الذي يتحدث عنه هو حقًّا نهر النيل. وفي فبراير عام ١٨٦٣، عاد سبيك إلى غندكرو، وبحلول مايو كان قد وصل إلى القاهرة؛ حيث أعلن للعالَم المترقِّب أن مسألة منبع نهر النيل قد «حُسِمَت».

وأصبح سبيك — الذي عاد إلى لندن ليدعو إلى عقد اجتماع خاص للجمعية الجغرافية الملكية — بطلَ الساعة. وفي ديسمبر من عام ١٨٦٣، نشر كتابه «مفكرة اكتشاف منبع النيل». ومن سوء حظه، كان تحرير الكتاب رديء المستوى؛ فظهر مفتقرًا إلى الدقة وعَكَس قدرًا من التباهي المنفِّر. وفي عام ١٨٦٤، نشر كتابًا بعنوان «الأحداث التي أدت إلى اكتشاف منبع نهر النيل»، وتحدَّث فيه عن بعثته السابقة، لكن الكتاب لم يُحسِّن سمعته. كان بيرتون لا يزال رافضًا الاعتراف بأن سبيك قد اكتشف منبع نهر النيل، وبلغ الخلاف بين الرجلين أشُده، فتم تحديد موعدٍ لمناظرة بينهما في الجمعية البريطانية في يوم السادس عشر من سبتمبر. وقبل يوم من موعد المناظرة، ذهب سبيك لصيد طيور الحجل في ويلتشير، وهناك تسلَّق حائطًا حاملًا بندقيته التي كانت جاهزة لإطلاق النار، ليطلق النار على نفسه. كان موته مصادفةً على الأغلب، غير أن الخبر انتشر على أنه مات منتحرًا بسبب ذعره الشديد من مواجهة بيرتون في المناظرة.

توفي سبيك في السابعة والثلاثين من عمره، ومضت سنون قبل أن يُثبت أنه كان على حقٍّ وأن بحيرة فيكتوريا نيانزا هي منبع النيل الأبيض (على الرغم من تعدُّد روافد البحيرة).

14 Ara, 2015 02:58:34 PM
1