كيف تصمم لعبة إلكترونية ناجحة؟ يعكف علماء النفس على تشخيص سبب إدمان الألعاب؛ وهو وصفة للهوس قد تؤذينا أو تعالجنا.
في شهر أبريل لفظ مقلب نُفايات في نيومكسيكو دليلًا على صحة شائعةٍ ظهرت منذ عقودٍ طويلة.
ترجع القصة إلى عام ١٩٨٣، عندما كُلِّف جيمس هيلير بمهمة غريبة؛ فقد أراد منه رؤساؤه في شركة «أتاري» لصناعة الألعاب الإلكترونية الذهاب إلى الصحراء ومعه ٧٥٠ ألف نسخة من أحدث لعبة للشركة، ودفنها هناك. بمرور العقود اكتسبتِ القصة طابع الأسطورة الحضرية، وهو ما يوضح مدى سوء اللعبة المعنية؛ «إي تي، كائن من الفضاء الخارجي». فرغم التكلفة التي قُدرتْ بنحو ٢١ مليون دولار، فإن النجاح التجاري الذي توقَّعتْه شركة «أتاري» صار إلى إخفاق تامٍّ، وأُطلق عليها فيما بعد: «أسوأ لعبة في التاريخ».
الآن فكِّر في لعبة «فلابي بيرد»، وهي لعبة أصبحتْ هوسًا عالميًّا مفاجئًا رغم أنها قد طُورت من قِبل شخصٍ واحدٍ وفي غضون بضعة أيام. في أوْج ازدهارها في بداية هذا العام قام عدد كبير من الأشخاص بتحميلها على هواتفهم، حتى إن دونج وين كان يحقق ٥٠ ألف دولار في اليوم. وقال في ذلك الوقت: «إن لعبة فلابي بيرد مصمَّمة حتى تلعبها لبضع دقائق عندما تكون مسترخيًا.» إلا أن الأمور اتخذتْ منعطفًا مظلمًا؛ فقد زاد هوس الناس باللعبة لدرجة أنهم انهالوا على وين بإساءات غاضبة على شبكة الإنترنت. في النهاية لم يستطع التحمُّل فسحب لعبة «فلابي بيرد» من التداول العام.
لم يكن من الممكن على الإطلاق أن تعرف مقدمًا ما إذا كانت اللعبة التي صنعتَها بشقِّ الأنفس سترتفع لتصل إلى ما وصلتْ إليه لعبة «فلابي بيرد» أو أن الأمر سيقتضي دفنها في الصحراء؛ فقد اعتمد مصمِّمو الألعاب على مزيجٍ من الحَدْس والحظ وسنواتٍ من الكدِّ، وعادةً ما يتفاجئون بالنجاح السريع والسهل لألعابهم. إلا أن هذا كله على وشك أن يتغيَّر؛ فرغم أن علم صناعة الألعاب ما زال في بداياته، فقد بدأ بالفعل يستلهم من علم النفس ليُغذيَ ذلك التصميم من أجل التوصُّل لما يبدو إلى حدٍّ كبيرٍ مثل وصفةٍ للهوس؛ مما جذب اهتمام مصالح تمتد وراء صناعة الألعاب. هل سيستخدمونها لإيذائنا، أم لمساعدتنا؟
كنا قد ألمَمْنا ببعض المقومات الأساسية للألعاب المسببة للإدمان منذ تسعينيات القرن العشرين على الأقل. وهو ما يفسِّر التشابه بين كثيرٍ من ألعاب الأحاجيِّ الشهيرة مثل «تتريس» و«بي جويلد» و«بويو بويو»؛ حيث تظهر أشكال عشوائية على الشاشة يجب على اللاعب مضاهاتها مع أشكال مكمِّلة لها لإخلاء اللوحة وإحراز نقاط. إن إعادة ترتيب هذه الأشكال — بلا جدال — أمرٌ يُحقِّق الرضا إلى حدٍّ كبير. لكن لماذا؟
لم تبدأ دراسة الأسس النفسية لهذا الأمر بالتفصيل إلا مؤخرًا. أشار كثير من الباحثين إلى أن حب مضاهاة الأنماط يستغل أحد الدوافع الإنسانية الأساسية؛ إذ يضعنا في المعضلة نفسها التي كنا نتعرَّض إليها في الطفولة عند وضع المكعبات المجسمة في الفتحات المناسبة لها. تقول أنجليكا أورتيز دي جورتاري من جامعة نوتنجهام ترنت بالمملكة المتحدة: «إن ترتيب الأشياء أمر متأصِّل في أدمغتنا لا نستطيع مغالبته.»
ربما لا توجد لعبة استغلتْ علم النفس ببراعةٍ مثلما فعلتْ لعبة «كاندي كراش ساجا»؛ فتكوينها الأساسي مألوف؛ فهي تتكون من شبكة مليئة بأشكال حلوى ملونة، وما عليك إلا تجميع ثلاثة أشكال على الأقل متشابهة في صف واحد من أجل تحقيق أهداف مختلفة والتقدم إلى المستويات التالية. وعلى عكس لُعَب الأحاجيِّ الأخرى، أصبحتْ كاندي كراش قوة هائلة مُلحِّة لا يمكن إيقافها وظاهرة ثقافية شائعة.
منذ ظهور هذه اللعبة من عامين، أصبحتْ موضوع تحليلات تصل إلى درجة الهوس واعترافات تثير الاستياء؛ فقد أعلن صحفيون بصراحةٍ أنهم قد أصبحوا مدمنين عليها، واعترف عدد لا بأس به بأنهم قد دفعوا مبالغ طائلة من أجل ممارسة اللعبة؛ فهم يمارسون اللعبة في القطار وفي العمل وفي الأفراح وفي أثناء القيادة وعند الذهاب إلى الحمام، «قالت إحدى المعترفات على شبكة الإنترنت، دون ذكر اسمها، إنها عندما خرجت أخيرًا من الحمام عقب ٤ ساعات من اللعب، لم تستطع الوقوف على قدميها.»
لم تستهدف كاندي كراش سوقًا لا ينافسها فيها أحد، ولا توجد مجموعة محصَّنة ضد مفاتنها. إذن ما الذي نجحت فيه كاندي كراش للغاية؟
يبدو أن مصممي اللعبة قد توصَّلوا إلى وصفةٍ بدأتْ تظهر من مجال دراسات الألعاب الأكاديمي تُعرف باسم «دائرة اللعب المسلِّي». ودوائر اللعب المسلِّي هي دوائر محكمة وممتعة تُقدِّم تغذيةً راجعةً وتحثُّ على سلوكٍ متكرِّر، وإن كان سلوكًا غير قهري. تقول ناتاشا داو شول من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، التي أدت أبحاثها حول أصول الألعاب وتطوُّرها إلى دراسة هذه الظاهرة في ممارسة الألعاب الشائعة: «إن هذا يُذكِّرنا بالتأكيد بعلم النفس السلوكي.»
لقد استمدت قدرًا كبيرًا من صياغتها تلك من دراساتها لماكينات القِمار الآلية واجتذابها للمدمنين عليها. تُعبِّر ماكينات القمار الآلية تمامًا عن مفهوم دائرة اللعب المسلِّي؛ فهي تُغري الناس بالدخول في دورات قصيرة من الأفعال المتكررة باستخدام خِدَع مألوفة لدى متخصصي علم النفس السلوكي؛ فأنتَ تفعل شيئًا تستجيب له الماكينة بأضواءٍ معينةٍ وأصواتٍ رنانةٍ وأحيانًا جوائز مالية. فتُكرر أنت ما فعلتَه مرةً أخرى، وأخرى، وأخرى.
يرجع انجذابنا عادةً لهذا النوع من الأنشطة إلى الدوبامين، وهو مادة كيميائية تُرسِل الإشارات في المخ، وشكَّلتْ مصدرًا لكثيرٍ من الارتباك بشأن العلاقات بين الإدمان والمكافأة والمقامرة وممارسة الألعاب. ساد اعتقادٌ لفترةٍ طويلةٍ بأن الدوبامين هو مجرد مادة كيميائية بسيطة تُفرَز عند الشعور بالمكافأة أو المتعة، لكن ظهر في العقد الماضي دليل على أن ما تقوم به هذه المادة داخل المخ مهمة في الواقع أكثر تعقيدًا؛ فهي ترتبط بالشعور بالدافع إلى تكرار أحد الأنشطة، سواءٌ أكان هذا النشاط ممتعًا أم لا (دورية بيهيفيورال نيوروساينس، المجلد ١١٩، صفحة ٥).
ربما يفسر هذا جاذبية ماكينات القمار الآلية التي تُولِّد سلوكًا قسريًّا رغم عدم تقديمها لأية فرصة حقيقية لأية مكافأة ملموسة طويلة الأمد. فيما وراء الأضواء الوامضة، ترى شول أن الجاذبية الحقيقية لماكينة القمار الآلية، وجميع دوائر اللعب المسلِّي، تكمن في التحول المتكرر والمستمر بين الشك واليقين؛ فتبدأ لحظة من الشك مع أزيز الرموز دون هوادة حتى تصل إلى حل. وعندما تستقر على حل، تقول شول: «تنتهي هذه اللحظة على الفور. لكن عندها تريد تكرار الأمر مرةً أخرى. فتظهر هذه اللحظة وتنتهي، تظهر وتنتهي؛ فيحدث الشك ثم ينتهي.» فما إن تجتذب شخصًا في هذا النمط حتى يدخل في دائرة تكرار أفعال صغيرة مرارًا وتكرارًا، دون وجود مكافأة أو نهاية لما يحدث في الأفق. تقول شول: «لا يوجد هدف في هذه الحالة، مجرد متعة التواجد داخل النطاق الذي كوَّنتْه هذه الماكينة.» فدائرة اللعب المسلِّي هي المكافأة في حد ذاتها.
بالتأكيد، لن يعترف صُنَّاع ماكينات القمار الآلية أبدًا بالْتماس العون من علماء النفس الحاصلين على رخصة مزاولة المهنة من أجل مساعدتهم في جعْل الماكينات أكثر تسببًا في الإدمان. بالمثل، ثَمَّةَ احتمال كبير أن تكون الشركة المطوِّرة لكاندي كراش — وهي شركة كينج ديجيتال إنترتينمينت، في دبلن بأيرلندا — قد اعتمدت على الحَدْس البارع لمصممي الألعاب والاختبار المكثَّف للنماذج الأوَّلية على عيِّنات من اللاعبين. تقول شول: «أشك في أن أحدًا من هؤلاء المصممين قد أمضى وقتًا في قراءة علم النفس السلوكي، إلا أنهم توصَّلوا إلى هذه الصيغة، سواءٌ عن عمد أم عن غير عمد.»
إذن ما هي وصفة شول لدائرة اللعب المسلِّي؟ المكوِّن الأول هو العشوائية المقصودة. يرى آرون ستيد، مطوِّر ألعاب مستقل درس لعبة كاندي كراش بتمعُّن، أنه إذا كان نظام الحلول الحسابية — الذي يحدِّد الأشكال التي تنزل — عشوائيًّا بالفعل، فإننا كنا سنحصل على عددٍ من الأشكال المتشابهة أكثر مما نحصل عليه بالفعل. يشير هذا إلى أن «عشوائية» اللعبة معدَّلة تجاه نقطةٍ محوريةٍ بين الصُّدفة البحتة ووهْم التحكُّم. «لعلك تظن دون شكٍّ أنه بسبب هذه العشوائية ستتمكَّن من الوصول إلى الحل في إحدى المرات. وهذا هو ما يجعل ألعاب القمار محببة بوجهٍ عام.»
ثم تأتي لحظة الجائزة الكبرى. إن أكثر شيء يُسبِّب السعادة يمكن أن يحدث في لعبة كاندي كراش هو عندما تظن أنك تُكوِّن صفًّا واحدًا فقط من الحلويات المتشابهة، لكن هذا يتسبَّب في تدافُع المزيد من القطع المتماثلة. يقول جيمي ماديجان؛ عالِم نفس يعيش في سانت لويس بميزوري ومتخصص في الألعاب: «يجعل هذا من اللعبة سببًا لشعورك بفقدان صوابك.»
أمة كاندي كراش
إن استجابتنا للمكافآت غير المتوقَّعة متأصل فينا تمامًا مثل مضاهاة الأنماط. لقد أدرك علماء النفس منذ وقت طويل أن المكاسب العشوائية غير المتوقَّعة تأثيرها أقوى من حيث إجبارُنا على تكرار سلوكٍ معيَّنٍ أكثر من المكاسب المتوقَّعة. عرض هذا التأثيرَ المعروفَ باسم جدول تعزيز النسبة المتغيرة في خمسينيات القرن العشرين مختصُّ علم النفس السلوكي بي إف سكنر. عندما حصل الفئران في مختبره على مكافآت غير متوقَّعة من وقتٍ لآخر بسبب ضغطها على رافعة، استمرَّت في الضغط على هذه الرافعة لفترة طويلة عقب توقُّف حصولها على المكافآت، هذا على حد قول لوك كلارك، من جامعة كامبريدج، وهو أحد المتخصصين في اضطرابات المقامرة: «بمجرد بدء الأمر، تستمر حالة الإشراط هذه على نحوٍ لا يصدق.»
ثَمَّةَ سبب آخر يجعلنا نجد المكافآت المتغيرة بهذا القدر من الجاذبية، وهو أنها تجعلنا نعتقد أننا نتقن اللعبة. لقد أدرك علماء النفس منذ وقتٍ طويلٍ أن الشعور بالإتقان في بعض المغامرات يبدو من المحفِّزات القوية، حتى وإن كنا لا نحرز أي تقدُّمٍ فِعليٍّ فيها. إنَّ وجود ولو وهمًا عابرًا بالتحكم يجعلنا نستحضر الجهود التي تتَّسم بالعثرات وإحراز التقدُّم كما هي الحال في التنس أو الجولف. هذا، ويقول كلارك إن التشوُّه الإدراكي الذي يُسببه عدم وضوح الحد الفاصل بين المهارة والحظ في كاندي كراش أمر أساسي في خلْق هذا الوهم. فيقول: «لا يمكنك التأكُّد فعليًّا إذا كنتَ أنت مَن فعل هذا.»
وإذا ما ربطنا بين المكافآت التي تبدو عشوائية ووهْم أننا بشكلٍ أو بآخر نفعل ما يجعلنا نستحقها، نصبح مدمنين عليها.
تقول شول سواءٌ أكان اكتشاف هذه الطريقة في الربح تحديدًا قد جاء مصادفة أم لا، فإنها لن تظل كذلك أطول من هذا، بعد أن أصبح معروفًا ما يمكن تحقيقه من إدخال علم نفس اللعب القسري عن قصد.
لقد سحقتْ شركة «كينج» منافسيها؛ فقد حمَّل لعبة كاندي كراش ٥٠٠ مليون شخصٍ على الأقل، وهو ما يعادل ثُلثَي عدد سكان أوروبا، ويلعب ٧ ملايين منهم اللعبة يوميًّا. يُدفَع عددٌ كافٍ منهم من أجل الحصول على امتيازات في اللعبة؛ مما جعل عائدات شركة «كينج» تصل إلى نحو ٩٠٠ ألف دولار في اليوم. إلا أن تركيبة الفوز لا يسهل تقليدها؛ حتى شركة «كينج» نفسها لم تستطع تكرار نجاح كاندي كراش.
ربما يفسِّر هذا سبب وجود علماء النفس الآن في قلب صناعةٍ ناشئةٍ بهدف صياغة فهمهم في صورة تصميم في المراحل المبكرة جدًّا من تطوير الألعاب. إن تغذية مجال تطوير الألعاب بالأبحاث النفسية سيُزيل عنصر التخمين من التصميم، ويُنتج وصفاتٍ لجعْل الألعاب أكثر إدمانية، هذا على حدِّ قول ريتشارد ريان من جامعة روتشستر بنيويورك. شارك ريان في تأسيس شركة «إيمرسيف» في عام ٢٠٠٣، وهي شركة استشارية تُقدِّم النصح لاستوديوهات تطوير الألعاب بشأن كيفية جعْل ألعابهم أكثر جاذبية. يقول: «لقد طوَّرنا الكثير من القياسات التي تُمكِّننا من قياس ما إذا كانت الألعاب تحقق درجة الإشباع النفسي لدى الناس أم لا.»
يقول رامين شكري زاده، وهو اقتصادي يعمل في استوديو تطوير الألعاب «وارجيمينج أمريكا» في أوستن، تكساس، إنهم ليسوا وحدهم من يفعل هذا، ويُضيف مقدِّمًا النصح لمصممي الألعاب: «سترى جميع أنواع شركات الألعاب وهي تُدخل المزيد من العلماء ضمن فريقها.»
ماذا سيحدث عندما تصل هذه الصناعة إلى مرحلة النضج؟ مثلما حدث مع كاندي كراش، ربما يُجبِر هذا شبكةً أوسع من اللاعبين على الدفع مقابل لعبة بإمكانهم ممارستها بلا مقابل، وهو ما كان حتى وقتٍ قريبٍ مجال تخصُّص تطبيقات ألعاب القمار المتخصصة.
إن لعبة كاندي كراش مجانية، لكن تمديد بقائك داخل دائرة اللعب المسلِّي يتطلب منك دفع مبالغ صغيرة. على سبيل المثال، تحصل على خمس فرص مجانية للعب، لكن يستغرق استبدال كل فرصة تفقدها نصف ساعة. وإذا فقدتَ الفرص الخمس الواحدة تلو الأخرى سريعًا، يكون عليك الانتظار لساعتين ونصف ساعة حتى تحصل على خمس فرص أخرى كاملة. إلا إذا … كنتَ مستعدًّا لدفع مبلغٍ صغيرٍ من المال أو تقديم بعض المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يقول شكري زاده: «عندما تستغرق بالفعل في اللعبة لا تتوقف وتقول «لحظة، من الأفضل إنفاق هذا الدولار في شيءٍ آخر.» ومع تزايُد فهمنا لمهمة ودافع دوائر اللعب المسلِّي، أصبحنا نرى المزيد من الألعاب التي تعمل على هذا النحو من أجل إجبارنا على دفع المال.» ويضيف قائلًا: «عندما تصبح الألعاب أكثر تأثيرًا، وصدقني إن تأثيرها سيزيد، فإننا لن نجتذب بعض الناس فحسب، بل قد نجتذب نحو ٩٠ في المائة منهم.»
في ضوء هذا، من غير المستغرَب أن تجذب دوائر اللعب المسلِّي انتباه صناعاتٍ أخرى بخلاف صناعة الألعاب؛ فيمكن لدوائر اللعب الصغيرة أن تُحوِّل المهام المملَّة إلى أنشطةٍ يتسلَّى عليها كثير منا بسعادةٍ متى وُجد لدينا وقت فراغ؛ ففي عام ٢٠٠٦ توصَّلت جوجل إلى فكرة تحويل توسيم الصور اليدوي إلى لعبة سريعة حيث يتبع مدخلاتك، وهي كلمة تصف بها محتوى صورةٍ محددة، تغذية راجعة سريعة تخبرك ما إذا كانت تشبه مدخلات أحد المساهمين العشوائيين على الإنترنت.
تظهر آليات دائرة اللعب المسلِّي أيضًا في نجاح مشروعاتٍ مثل آي واير؛ وهو عمل جماعي على شبكة الإنترنت من أجل رسم خريطةٍ للمخ. تستفيد آي واير من لاعبين من جميع أنحاء العالم للقيام بعملٍ مُضنٍ يتمثَّل في ترميز المخ بالألوان، كل عصبون على حِدَة. يتم الدخول في دائرة اللعب عبر تغذياتٍ راجعةٍ متكررة. فعندما تضع لونًا في منطقةٍ معينةٍ من المخ تعرف على الفور ما إذا كانت إجابتك تُضاهي إجابةَ عامةِ المشاركين أم لا.
تشتمل كلٌّ من لعبة آي واير وتوسيم الصور في جوجل على مهامَّ عادةً ما تُوكَل إلى عاملين مدفوعي الأجر من خارج الشركة. لكنك ما إن تجعل العاملين ينغمسون في دائرة لعب مُسلٍّ يصبح العمل مجانيًّا.
يَعتبر صناعُ تطبيقات المتابعة الذاتية في مجال الرعاية الصحية هذا الأمرَ جذَّابًا للغاية؛ فقد حاولوا جاهدين العثور على طرقٍ لجعْل تسجيل ما تم تناوُله من الطعام أو غيره من المراقبة الذاتية المرهِقة أمرًا ممتعًا وإلزاميًّا. تقول شول: «عادةً ما يشيرون إلى كاندي كراش على أنها شيء من الجيد تقليده.»
تخشى شول من انضمام كثيرٍ من الناس للفريق الرابح دون إدراك أحدٍ لماهيته بالكامل. «في كل مرةٍ أُلقي خطابًا يأتي إليَّ عشرات من الناس بعده ويطلبون مني هذه الأسرار من أجل صناعتهم الخاصة.» لقد لاحظت ارتفاعًا طفيفًا في عدد الذين يشيرون لأنفسهم على أنهم «مصممون سلوكيون» وهو أمر تشعر بأنه غير مريح بعض الشيء.
إذا كان كل هذا يبدو محبطًا بعض الشيء، فالأخبار ليست كلها سيئة؛ فكثيرون يحاولون السيطرة على ميولنا القسرية لصالحنا.
العلاج الرقمي
يمكن لإدخال دائرة اللعب المسلِّي في وسائل الإعلام التفاعلية أن يُسهِّل على الطلاب عملية التعلُّم على سبيل المثال. تقول بيرني جود أحد مؤسسي شركة «سايبر سيكولوجيست» في برمنجهام بالمملكة المتحدة، وهي شركة استشارية متخصصة في علم نفس الألعاب، إن إدخال الآليات القسرية يعمل على تشفير المعلومات على مستوًى أعمق. فتقول: «وهكذا تدخل المعلومات بصورةٍ أسهل إلى الذاكرة الطويلة المدى». لقد استُخدمت لعبة «ماينكرافت» الشهيرة للغاية، والتي ألهمت التفكير في السلوك القسري، كوسيلةٍ تعليميةٍ مساعدةٍ في موادَّ متنوعةٍ للغاية، مثل فيزياء الكَمِّ والجيولوجيا وآداب السلوك.
حتى إنه بإمكاننا استخدام دائرة اللعب المسلِّي في علاج الضرر النفسي أو تجنُّبه. على سبيل المثال، وُجد أن ممارسة لعبة «تتريس» عقب مشاهدة فيلم يتضمن لقطاتٍ عن حوادث أليمة يُقلِّل من احتمالات استرجاع المشاهد في الذهن. يُشير الباحثون الذين أجرَوُا الدراسة إلى أن الألعاب التي تتضمَّن السلوكيات القسرية يمكن استخدامها وكأنها «مصلٌ إدراكي» لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة (دورية بلوس وان، المجلد ٥، صفحة e13706).
مع ذلك فإن الحاجة إلى التهدئة لا تقتصر على المصابين باضطراب ما بعد الصدمة وحدهم. يرى شكري زاده أننا جميعًا بحاجةٍ إلى ذلك، فيقول: «مع ازدياد الضغط في المجتمع، نصبح بحاجةٍ إلى مزيدٍ من الترفيه، في أي مكانٍ وأي وقت.»
ترى شول أن تطبيقات الهواتف الذكية التي تركِّز في تصميمها على دوائر اللعب المسلِّي تعمل وكأنها نوع من المهدئات الرقمية؛ حيث تخفف من حِدَّة الضغط، فتقول: «إنها تُحوِّل هواتفنا إلى مُحسِّنات مزاجية؛ أجهزة صغيرة للعلاج الذاتي.» ولكنها تظل غير مقتنعة بأن تحويل الناس إلى كائنات زومبي مدمنة على لعبةٍ معينةٍ أمر يمكن تبريره على الإطلاق. عندما يطلب الناس مساعدتها في تحويل منتجاتهم إلى منتجاتٍ جذابةٍ مثل كاندي كراش، تحاول تشجيعهم على تجنُّب أسوأ أنواع التلاعب بدائرة اللعب المسلِّي. تقول: «إن مجرد نجاح هذه الأشياء لا يعني بالضرورة أن ترغب في تقليدها.» إلا أن أحدًا لا يستمع لكلامها؛ فصُناع الألعاب لا يحبذون دفن ألعابهم الفاشلة في الصحراء، وإذا كانت دائرة اللعب المسلِّي تشبه إلى حدٍّ ما العلبة المليئة بالشرور، فإنها تكون مليئة أيضًا بجميع الحيل العظيمة.