Ana içeriğe atla

تاريخ حياتك في قطرة دم واحدة

بدءًا من الطفولة السعيدة ووصولًا إلى الإصابة بالسرطان، حياتك كلها بحلوها ومرها تسجِّلها علامات على حمضك النووي، وليس ثمة قانون يمنع أحدًا من الاطِّلاع عليها.

وُلِدَت «أوليفيا» في كَنَف أسرة من الطبقة العاملة، وعانت سوء المعاملة في طفولتها. كانت العلاقة بين والديها يشوبها الفتور، ولم يخفِّفا عنها معاناتها. والآن صارت أوليفيا تبلغ من العمر ٥٦ عامًا وتعيش بالقرب من طريق مزدحم، وهي فقيرة، مدخِّنة، تعاقر الخمر بإفراط، وتعاني من نوبات هلع.

سيرتك الدموية.

سيرتك الدموية.

لو كانت أوليفيا شخصًا حقيقيًّا، فعلى الأرجح لم تكن لترغب في أنْ يعرف أشخاص كُثُر تلك التفاصيل كلها عن حياتها؛ إلا أن قطرة واحدة من دمائها يمكن أن تكشف ذلك كله. فالآن تتوافر لدينا التكنولوجيا التي تتيح استشفاف كافة أنواع المعلومات المذكورة أعلاه — وأكثر منها — من دمائنا. مثل تلك الاختبارات يمكن أن يُطلِع الآخرين على الكثير فيما يتعلق بصحتنا وعاداتنا وحالتنا الذهنية ووضعنا الاجتماعي والاقتصادي. كما أنها قد تكشف تفاصيل من عقود ماضية، مثل الخبرات والتجارب التي مررنا بها في طفولتنا.

كل ذلك ممكن؛ لأنَّ العالم الذي نعيش فيه والخبرات والتجارب التي نتعرَّض لها تخلِّف علامات دقيقة على حمضنا النووي، ونحن الآن بصدد تعلُّم كيفية فكِّ شفرة تلك العلامات. إذا نظرنا للجانب المشرِق من الأمر، نجد أن تلك الأداة القوية يمكن أنْ تساعد الأطباء على اكتشاف جميع أنواع الأمراض والاضطرابات. ويمكنها أنْ تساعد الشرطة أيضًا على رسم صورة شاملة للمشتَبَه به من قطرة دم واحدة في مسرح الجريمة.

ولكن وفقًا للقوانين الحالية، ليس ثمة ما يمنع جهات عديمة المبادئ من قبيل شركات التأمين وأصحاب الأعمال وحتى الصحفيين من استغلال تلك الاختبارات. فهل سيروق لك أنْ يتمكَّن أي شخص من الاطِّلاع على قصة حياتك، والتي تخاطر بكشفها كلما أجرَيْتَ اختبار دم أو ألقيْتَ منديلًا ملوَّثًا بالدماء في سلة المهملات؟

من الممكن بالفعل معرفة معلومات لا بأس بها عن شخص ما من قطرة دم منه، بالنظر إلى تسلسل حمضه النووي. يمكن لذلك التسلسل أن يكشف نوع الجنس والأصل العرقي ويكوِّن تصورًا صحيحًا إلى حدٍّ ما عن لون الشعر والعينين وحتى لون البشرة. وقد يلمِّح أيضًا إلى أشياء أكثر التصاقًا بالشخصية؛ مثل ما إذا كان الشخص يتمتع بروح المغامرة أم لا، أو ما إذا كان يستيقظ مبكِّرًا، أو ما إذا كان يعاني من اضطرابات سلوكية مثل اضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة.

لكن هويتنا ليست مدوَّنة في جيناتنا. فالأشياء المهمة حقًّا وليدة أسلوب حياتنا وخبراتنا وبيئتنا. قد تظن أنَّ ذلك لا علاقة له على الإطلاق بالحمض النووي. والواقع أنَّه ثمة علامات من شتَّى الأنواع تلتحق بالحمض النووي في خلايانا بينما تمضي بنا الحياة.

يتضمَّن الشكل الأكثر شيوعًا لتلك العلامات إلحاق مجموعة ميثيل بإحدى القواعد النتروجينية للحمض النووي. وعملية الميثلة هذه لا تغيِّر تسلسل الحمض النووي الذي تقوم عليه، ولكنها يمكن أن تثبِّط عمل الجينات المجاورة. فإذا كنت ترى الحمض النووي على أنه كتاب وصفات لصنع أي إنسان، فمجموعات الميثيل تشبه الملصقات الصفراء المُدَوَّن عليها «لا تصنع هذا». بعض الوصفات لا تحمل ملصقات، بينما تصير وصفات أخرى مليئة بها في نهاية المطاف.

الأغلبية العظمى من تلك العلامات تُضاف في الفترة التي نقضيها في رَحِم أمهاتنا، وبعدها بفترة قصيرة. ففي تلك المرحلة تُعيَّن للخلايا أدوار متخصِّصة، وتساعد عملية الميثلة على إيقاف عمل الجينات غير المطلوبة، بحيث — على سبيل المثال — تضمن عدم تعبير خلية من خلايا الكَبِد عن جينات خلايا عصبية.

إذا أخذت خلايا من النوع ذاته من أشخاص مختلفين وقارَنْتَ بين نمط العلامات الملحقة بالحمض النووي — أي ما فوق الجينوم — فستجد أوجه تشابه متعددة؛ فكثير من التغيرات اللاجينية مبرمَجٌ جينيًّا. ولكن ثمة عشرات الملايين من المواقع التي يمكن حدوث عملية الميثلة فيها داخل الجينوم، ولن يتطابق ذلك النمط لدى شخصين أبدًا. هذا التباين بين الأشخاص يمكن أن يُعزَى جزء منه على الأقل إلى أسلوب حياتنا، ومن ثَمَّ يمكن أنْ يكشف الكثير عن تاريخ حياتنا. فيقول تيم سبكتور من كلية كينجز كوليدج بلندن: «ما فوق الجينوم هو لقطة للأحداث الكبرى في حياتك.»

ويمكن لسبكتور عن طريق دراسة العلامات اللاجينية أن يعرف ما إذا كان الشخص يدخِّن أم لا، أو إذا كان مدخِّنًا فيما مضى أم أنه لم يمسَّ سيجارة تقريبًا في حياته. ويمكنه أنْ يعرف ما إذا كان الشخص مريضًا — أو كان مريضًا فيما مضى — بالسرطان. يقول: «يمكنك حتى أنْ تكوِّن فكرة عن الطعام الذي يتناوله.» ونظرًا لأن التغيرات اللاجينية تتراكم طيلة حياتنا، فيمكن لعلاماتها أن تكشف العمر أيضًا (دورية مولِكيولار سِل، المجلد ٤٩، صفحة ١).

وينتج عن التعرُّض لمواد مثل أدخنة وقود الديزل والمبيدات الحشرية والزرنيخ أنماط مختلفة أيضًا. فإذا حلَّلت ما فوق الجينوم، فقد تتمكن من التوصُّل إلى المواد الكيميائية التي سبق أن تعرَّض لها الشخص، وربما تتوصل أيضًا إلى الأماكن التي ذهب إليها.

منذ بضعة أعوام فحسب كان يستحيل تصوُّر إمكانية القيام بذلك، عندما كان اكتشاف أنماط عملية الميثلة أمرًا صعبًا ومُكلِّفًا. إلا أن التكنولوجيا تطوَّرت بمعدَّل مذهل. على سبيل المثال، صار من الممكن الآن أن يشتري المرء نظير ٢٠٠ دولار أمريكي «رقاقة» متاحة في الأسواق تظهر فيها أي المواقع ضمن ٤٥٠ ألفَ موقعٍ في الجينوم تعرَّضت للميثلة.

نافذة على الماضي

بدأ الباحثون التفتيش — مستعينين بتلك الأدوات — عن علاقات ارتباطية بين أنماط الميثلة وبيئات أو خبرات بعينها. جميع أنواع الخلايا تخضع للفحص، ولكنَّ خلايا الدم هي الأكثر شيوعًا؛ إذ يسهل الحصول عليها. وقد شهدت السنوات القليلة الماضية سيلًا من الدراسات التي تسلِّط الضوء على أنماط مرتبطة بكل شيء، بَدءًا من الانتحار إلى النجاح في اتِّباع نظام غذائي لإنقاص الوزن.

طلبت إحدى الدراسات التي أُجرِيَت حديثًا في الولايات المتحدة الأمريكية من نحو ١٠٠٠ شخص من المشاركين أن يقيِّموا ثروتهم بوضع علامة على ما يمتلكونه من الأصول الأربعة التالية: سيارة، منزل، أراضٍ، استثمارات مالية. فكانت أنماط الميثلة لدى أكثر الأشخاص ثراءً مختلفة عن نظيرتها لدى أشدِّ الأشخاص فقرًا (بلوس وان، صفحة e54018). ولوحظ أيضًا وجود اختلافات لاجينية بين أكثر الأشخاص حظوة وأقلُّهم حظوة من الناحية الاجتماعية في مدينة جلاسجو البريطانية. وتقول آنا دييز-رو من جامعة ميشيجان بمدينة آن آربر، والتي اشتركت في إجراء الدراسة الأمريكية: «ثمة إشارات واضحة إلى أنَّ ما فوق الجينوم يتأثَّر بالعوامل الاجتماعية.»

بل ربما يكون ما فوق الجينوم نافذة على أحداث من ماضينا البعيد. فالناجون من الهولوكوست — على سبيل المثال — لديهم أنماط ميثلة شديدة الاختلاف عن الأشخاص الذين لم يتعرَّضوا لتجارب مؤلمة قاسية. وكذلك لدى البالغين المصابين باضطراب توتر ما بعد الصدمة أنماط لاجينية غير معتادة. فيبدو أن التجارب المؤلمة في الحياة تخلِّف علامات لاجينية تبقى فترة طويلة بعد زوال الآثار الجسدية المصاحبة لها.

توصَّلت إحدى الدراسات الحديثة إلى أنَّه فيما بين الأشخاص المصابين باضطراب توتر ما بعد الصدمة، تكون العلامات اللاجينية أوضحَ لدى من عانَوا سوء المعاملة في طفولتهم ممن تعرَّضوا لتجارب مؤلمة في الكِبَر. وتقول إليزابيث بيندِر القائمة على الدراسة من معهد ماكس بلانك للطب النفسي في ميونخ بألمانيا: «إذن، ربما تكون هناك فترة من الطفولة يكون الإنسان فيها معرَّضًا للتأثر بالصدمات.»

أما عن كيفية تباين تلك الأنماط لدى الناس، فغير معروف حتى الآن. وكذلك الحال بالنسبة لتأثير ذلك — إنْ وُجِد. قد تحدث بعض التباينات في عملية الميثلة في مناطق من الحمض النووي لا تؤدي أي وظيفة ذات بال، بينما قد تمس تباينات أخرى جينات رئيسية.

على سبيل المثال، تَشُكُّ بيندِر في أنَّ بعض التغيُّرات اللاجينية المرتبطة بصدمات مرحلة الطفولة ترفع مستويات هرمونات تُدعَى الجلوكوكورتيكويدات، والتي تتعلق بالاستجابة للضغط العصبي. والمرجَّح أنَّ ذلك يصعِّب على الأطفال الذين عانوا سوء المعاملة مواجهة الضغط العصبي فيما بعد، ويجعلهم أكثر عُرضة للإصابة بحالات من قبيل اضطراب توتر ما بعد الصدمة والفُصام في الكِبَر.

إلا أنَّك إذا كنت تريد أنْ تستخدم الأنماط اللاجينية لكشف تاريخ حياة أحدهم فحسب، فلا يستلزم ذلك فهمك كيفية حدوث التباينات أو تأثيرها على الأشخاص. المهمُّ هو أنَّ تلك الأنماط موجودة. يقول أدريان بيرد من مركز ويلكم ترَست للبيولوجيا الخلوية في إدنبرة بالمملكة المتحدة: «إنَّ العلامات اللاجينية مؤشرات حيوية مبشرة.» ويضيف أنَّ المسألة تتمثَّل في مدى إمكانية الاعتماد عليها. الدراسات التي أُجرِيَت حتى الآن لم تتضمَّن سوى أعداد قليلة من الناس وقد استخدمت أساليب متباينة. ويقول بيرد: «حتى هذه اللحظة من الصعب أن نبني علمًا تنبُّئيًّا على أساسها.»

هذا الموقف يعيد إلى الأذهان الأيامَ الأولى لإجراء اختبارات الحمض النووي منخفضة التكلفة، عندما أبرزت دراسات صغيرة النطاق عشرات الآلاف من المؤشرات الحيوية المحتملة؛ استنادًا إلى تغيُّرات منفردة في القواعد النتروجينية للحمض النووي. معظم النتائج لم يكن من الممكن تكرارها، إلا أنَّ الدراسات الأكبر والأفضل من حيث التنفيذ أوجَدَت مؤشرات حيوية يمكن الاعتماد عليها.

يقول ستيفان بيك الباحث في علم الوراثة اللاجيني بمعهد السرطان التابع لكلية لندن الجامعية: «يجب أن نتعلَّم من تلك التجربة. فلا بد من توسيع نطاق الدراسات بدرجة هائلة؛ حينئذٍ فقط سنعرف مدى إمكانية الاعتماد على تلك المؤشرات.» إلا أنَّ مختصِّي علم الوراثة اللاجيني يأملون في أنَّه حتى إنْ عجز كثير من الأنماط المكتشَفَة حتى الآن عن الكشف عن شيء، فبعضها سينجح، وسوف تُكتَشَف أنماط أخرى كثيرة.

سيرة ذاتية داخلية

لا يزال مستوى التفاصيل المشفَّرة في تلك الأنماط غير أكيد أيضًا. فهل سيقدِّم لنا الاختبار اللاجيني موجزًا لقصة حياتنا فحسب — مثل عناوين الفصول في السيرة الذاتية — أم أنَّه يمكن أنْ يُطلِعنا على المزيد؟ على سبيل المثال، على الرغم من أنَّ نمط ميثلة ما لدى الشخص يمكن أنْ يتبيَّن منه ما إذا كان قد تعرَّض لموقف عصيب في طفولته، فلا يمكنه أن يخبرنا ماذا كان ذلك الموقف، على الأقل حتى هذه اللحظة. وكلما زاد ما نعرفه؛ قد نتمكَّن من أن نستشفَّ تفاصيل أدقَّ. تقول بيندِر: «لا بد أن نفهم أكثر أيُّ البيئات تخلِّف أيَّ العلامات.»

لا بد أيضًا أنْ نبدأ التفكير في التبعات. فحتى الآن، لم يتفقَّد أحد أنماطًا لاجينية متعددة لدى شخص واحد. ولكن ليس ثمة سبب يمنعنا من ذلك. فعينة دم واحدة ورقاقة واحدة يمكن تحصيل معلومات منهما تكفي للبحث عن آلاف أنماط الميثلة؛ مما يكشف مجموعة هائلة من المعلومات تتعلَّق بأسلوب حياة الشخص في حاضره وماضيه.

بالنسبة إلى المحققين الذين يحاولون تحديد هوية شخص ما، استنادًا إلى الدماء الموجودة على مسرح الجريمة فحسب، سيكون هذا الأمر مفيدًا جدًّا لهم. في بعض البلدان، تستخدم الشرطة بالفعل اختبارات جينية تتنبأ بلون الشعر والعينين مثَلًا. فإذا أضفنا إليها أدلة لاجينية عن عُمْر الشخص ووضعه الاجتماعي وحتى المكان الذي يعيش فيه، فستتكون لدى المحقِّقين فكرة أدقُّ بكثير عن الشخص الذي يبحثون عنه.

ربما تتمكن الاختبارات اللاجينية أيضًا من كشف ما إذا كان شخص ما قد تعاطى عقاقير محظورة أو خرق حظرًا على شرب الكحوليات. في بعض البلدان تُستَخدم بالفعل أنواع متعددة من الاختبارات لمراقبة تعاطي العقاقير المحظورة أو فرض الامتثال للقوانين، مثل سوار يحيط بالكاحل لقياس نسبة الكحول في الدم. فإذا ثبتت إمكانية الاعتماد على الاختبارات اللاجينية، فستنضمُّ إلى تلك المجموعة من الأدوات، وإنْ كان من المستبعَد أن يُقبَل بأدلة من هذا القبيل في المحاكم عمَّا قريب.

رُبِطت أيضًا أنماط الميثلة بأمراض عدة — منها السكر — واضطرابات نفسية مثل الاكتئاب. نظريًّا يمكن لاختبار دم واحد غير مكلِّف أن يكشف ليس حالتك الصحية فحسب، وإنما تاريخك الطبِّي أيضًا، وربما مستقبلك الطبي. فقد ميَّز سبكتور مثلًا نمطًا للميثلة يتضمن نحو ٤٠٠ موقع يمكن — حسب زعمه — أنْ ينذر بالإصابة بسرطان الثدي قبل حدوث الإصابة بخمسة أعوام (دورية كارسينوجنيسيس، المجلد ٣٤، صفحة ١٠٢).

في حين أنَّ التنميط اللاجيني يمكن أنْ يكون أداة فعَّالة في القبض على المجرمين وإنقاذ الأرواح، فعادة لا يسلم الأمر من المخاطر. فماذا إنْ كان ثمة أحداث في ماضيك وددت أنْ تخفيها؟ قد لا ينتابك القلق إزاء اطِّلاع طبيبك على سجلك فوق الجينومي، ولكن ماذا عن شركة التأمين على الحياة التي تعاقدتَ معها؟ هل يمكن أن ترفع أقساط التأمين التي تدفعها أو ترفض التأمين على حياتك؛ استنادًا إلى ما يكشفه نمطك اللاجيني؟ هل سيروق لك أن تقع تلك المعلومات في يد صاحب العمل أو الجهة التي تدرس فيها؟

يقول مارك روثستاين مختصُّ الأخلاقيات البيولوجية بكلية الطب بجامعة لويفيل في كنتاكي: «ثمة مجموعة من المسائل القانونية والأخلاقية المحيطة بعلم الوراثة اللاجيني، ولكن الناس يتجاهلونها لأسباب لا أفهمها!»

في المملكة المتحدة وفي بعض الولايات الأمريكية يعد عمل تحليل الحمض النووي لشخص ما دون موافقته غير قانوني، ولكن ليس ثمة ما يمنع تحليل سجله فوق الجينومي. والمسألة مشابهة فيما يتعلق بالتمييز الذي يمارسه أصحاب العمل وشركات التأمين. فالمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية (على العكس من أستراليا) لديهما قوانين مختصة بالتمييز الجيني. يقول روثستاين: «إلا أنه ليس ثمة قوانين محددة تخُصُّ التمييز اللاجيني. وهذا أمر مقلق للغاية.»

يرى روثستاين أننا في حاجة إلى حظر إجراء الاختبارات اللاجينية للناس دون موافقتهم. حينئذٍ يمكننا أن نشرع في التفكير في الاستخدامات النافعة لتلك الاختبارات، ونسنُّ التشريعات المنظِّمة لها. ثمة نقاش كبير سنخوضه، وعلينا البَدء فيه فورًا.

طي صفحة الماضي

يمكن لعلامات دقيقة على حمضك النووي أن تكشف ما حدث لك طيلة حياتك. وعلى الرغم من تركيز الغالبية العظمى من الدراسات على خبرات الحياة السلبية مثل سوء المعاملة في الطفولة، فليس ثمة ما يستوجب اقتصار هذا النوع من الاختبارات على هذه الخبرات. فالخبرات الإيجابية تحدث تغييرات فيما فوق الجينوم لدينا هي الأخرى. تقول ريتشل يهودا مختصَّة علم الأعصاب الإكلينيكي في مستشفى ماونت سيناي بنيويورك: «الأحداث الإيجابية يمكن أن تُحدث تغييرات فيك بالقدر ذاته كالأحداث السلبية؛ فالبيولوجيا لا تميِّز ما بين الاثنتين.»

على الأقل بعض التغييرات التي تحدث فيما فوق الجينوم يمكن عكس مسارها. فعندما يتَّضح أنَّ ثمة علامات لاجينية تخلِّف عواقب غير مرغوبة، يمكن أنْ نحاول تغييرها. ثمة مجموعة من العقاقير التي تؤثر على ميثلة الحمض النووي متوافرة بالفعل، وهي تُستَخدَم لعلاج أنواع السرطان التي يضطلع فيها التعبير الخاطئ للجينات بدور. ولكن حتى الأشياء البسيطة مثل اتباع نظام غذائي أو ممارسة التأمُّل أو تلقِّي جلسات إرشاد نفسي من المفترض بها أن تغيِّر ما فوق الجينوم أيضًا.

فحصت يهودا بعض المحاربين القدامى المصابين باضطراب توتر ما بعد الصدمة. فأثبتَت في دراسة صغيرة تمهيدية أنَّ العلاج النفسي — وهو خط العلاج الأول لاضطراب توتر ما بعد الصدمة — يمكن أنْ يغيِّر نشاط هرمون الضغط العصبي بتغيير ميثَلة منطقة معينة من الحمض النووي. إضافةً إلى ذلك، يبدو أنَّ حالة الميثلة لمنطقة أخرى تتنبأ بما إذا كان الناس سيستجيبون للعلاج النفسي أم لا (دورية فرونتيرز إن سايكاتري، المجلد ٤، صفحة ١١٨). ومن ثَمَّ، فإنَّ علم الوراثة اللاجيني ليس في مقدوره أنْ يساعدنا على معرفة ما أصاب شخصًا ما فحسب، وإنما يمكن أن يكشف أيضًا أفضل سبيل لعلاجه، ويساعد على التأكد من مدى فاعلية العلاج.

حتى الآن لم يتَّضِح بعدُ إلى أي درجة يمكن إحداث تغيير فيما فوق الجينوم. فهل تبقى العلامات الكاشفة عن الأحداث الحياتية الكبرى حتى الموت؟ أم هل يمكن عكس مسار التغيرات كلها؛ بمعنى هل ثمة حدود لما يمكن للاختبارات اللاجينية أن تطلِعنا عليه فيما يتعلق بماضي الناس؟

لا نعلم الإجابة عن هذا السؤال بعدُ، ولكنه صار من الواضح بالفعل أنَّ قصصنا اللاجينية ليست ثابتة إلى حدٍّ كبير. فنحن لا ندوِّن قصتنا اللاجينية فحسب؛ وإنما نمتلك القدرة على تعديلها أيضًا.

16 Ara, 2015 12:15:51 PM
1