Ana içeriğe atla

من مطاردة البشر إلى مطاردة الأمراض: توظيف المهارات الشرطية في تعقب سفاحي الطبيعة

يمكن لعملية التنميط الجغرافي التي تُستخدَم في القبض على السفَّاحين أن تتعقَّب الخفافيش إلى مستعمراتها أو أسماك القرش إلى مخابئها، ويمكنها أيضًا أن تُحْكِم السيطرة على الأمراض المميتة.

كان ستيفن لوكومبر بصدد الانتهاء من رسالة الدكتوراه التي يجريها حول السلوك التزاوجي لدى الأسماك الشائكة عندما وجد نفسه منجذبًا لحياة الجريمة. كان لوكومبر يقرأ حديثًا صحفيًّا أُجرِي في مجلة نيو ساينتيست عام ٢٠٠٣ مع كيم روسمو، الشُّرْطي الكندي الذي صار باحثًا، والذي كانت أساليبه الحسابية في تعقُّب السفَّاحين قد أكسبته صيتًا باعتباره خليفة شرلوك هولمز المعاصِر.

أين يقطن المشتبه بهم؟

أين يقطن المشتبه بهم؟

تمثَّلت الرؤية التي توصَّل إليها روسمو في أنَّ المجرمين بصفة عامة ليسوا ذوي شخصيات معقَّدة، فيقول: «معظم المجرمين ليسوا أشباه هانيبال ليكتر.» فهم يتصرَّفون على نحوٍ غريزي في كثير من الأحيان؛ ممَّا يتيح تحديد أنماطٍ تَحكُم تصرُّفاتِهم. وبدراسة مئات القضايا، وجد روسمو أنَّ السفَّاحين نادرًا ما يستهدفون الضحايا الموجودين على مسافة قريبة للغاية من محل إقامتهم، إلَّا أنه من المُستبعَد أيضًا أن يقتلوا أشخاصًا على مسافةٍ بعيدة منهم؛ فبَعد مسافة معينة، تنخفض احتمالية ارتكاب الجرائم انخفاضًا حادًّا، فيما يشبه منحنى قدرة معكوس.

تلك الرؤية مكَّنت روسمو — الذي يعمل حاليًّا في جامعة تكساس الحكومية بسان ماركوس — من وضع خوارزميات يمكن استخدامها للوقوف على المكان المحتمَل وجود القَتَلة فيه. ومنذ ذلك الحين أثبت روسمو أن ذلك التنميط الجغرافي — الذي تستخدمه جهات إنفاذ القانون حاليًّا في جميع أرجاء العالم — يمكن أن يساعد في تحديد موقع مرتكبي جرائم أخرى، بما في ذلك أعمال التخريب المتعمَّد وسرقة بطاقات الائتمان.

تلك الأنماط ذكَّرت لوكومبر — الذي صار الآن باحثًا في كلية كوين ماري بجامعة لندن — بالكيفية التي تبحث بها الأسماك الشائكة عن الخامات اللازمة لبناء أعشاشها. فمن خلال تجريد المنطقة المتاخِمة لموطنها قد تصير أعشاشها مكشوفة، إلَّا أنَّ المجازفة بالابتعاد كثيرًا ستستهلك منها الكثير من الوقت والطاقة؛ ولهذا تحرص تلك الأسماك على البقاء في مسافة متوسطة مُرضية بالنسبة لها. اتصل لوكومبر بروسمو، واتَّفقا على أن يلتقيا في لندن. وكان ثمَّة سؤال مُلِح يؤرِّقه؛ ألا وهو: إذا كان من الممكن التنبؤ بتصرفات المجرمين وأحوالهم، فهل ينطبق ذلك على أنواع الكائنات الأخرى؟

أسراب الخفافيش

لم يُجرَ الاختبار الأول على الأسماك الشائكة وإنما على الخفافيش. فباستخدام برنامج روسمو للتنميط الجغرافي، أدخل روسمو المناطق التي تقصدها خفافيش بيبِستريل بحثًا عن الغذاء، باعتبار أنها تمثل هنا «مواقع ارتكاب الجريمة»؛ ليرى إذا ما كان يمكنه تعقُّب الخفافيش إلى مستعمراتها، التي يُفترَض أنها تمثِّل هنا «منازل المشتبه بهم». ويقول لوكومبر: «أصْدُقُكم القول إنني في الواقع لم أكن أظن أن التجربة ستنجح.»

لكنها نجحت؛ فمقارنةً بالطريقة الأكثر شيوعًا لتقفِّي أثر الحيوانات وصولًا إلى أماكن معيشتها — التي تتمثل ببساطة في تمشيط المنطقة الكاملة المحيطة بالمكان الذي تحصل منه على غذائها في المعتاد — قلَّص التنميط الجغرافي نطاق البحث إلى النِّصف. وحدث ذلك أيضًا عندما استخدم لوكومبر تلك الخوارزمية لتعقُّب النحل الطنَّان أثناء بحثه عن الطعام، ولتحديد نقطة الانطلاق للأنواع الغازِيَة من النباتات والحشرات. وفي تلك الأثناء تقريبًا، تعاون فريق آخر في جامعة ميامي بفلوريدا مع روسمو لإثبات أنَّ أسماك القرش البيضاء الضخمة تتَّبع استراتيجيةَ صيدٍ مشابهة للاستراتيجية التي يتَّبعها السفَّاحون من بني البشر.

وقد أثار التقاربُ الوثيق بين الاستراتيجيتين دهشةَ روسمو، فقال: «لقد اتضح أنها خوارزمية تتعلق إلى حدٍّ أكبر بأنماط الحركة العامة؛ فالنمط واحدٌ تقريبًا في تلك الحالات كلِّها، فهو يمثِّل حركةً تنطلق من نقطة مركزيةٍ ما لا تعرفها.»

عقب تلك النجاحات الأولى المتتالية، عمل لوكومبر مع روبرت فيريتي، مُخْتَص علم الأوبئة الرياضي في الكلية الإمبريالية للعلوم والتكنولوجيا والطب بلندن، ومارك ستيفنسون، الذي يعمل محلِّلًا لدى مؤسسةٍ خاصة في مجال الأبحاث الصحية؛ بُغية تفنيد خوارزمية روسمو. إن التنميط الجغرافي قائمٌ على قواعد رياضية بسيطة إلى حدٍّ ما؛ ففي محيط كلِّ موقع من مواقع ارتكاب الجريمة، عليك أن ترسم مُنْحنًى للاحتمالات يبيِّن مدى احتمالية أن يكون القاتل مقيمًا في الجوار، ثم تُجمَع المنحنيات الموضوعة للعديد من مواقع ارتكاب الجرائم لتكوين خريطة كنتورية، تمثِّل «قِمَمها» بؤرًا ملتهبة يزيد احتمال العثور على القاتل فيها. في حالة السفَّاح الواحد، يُقدِّم النموذج في الوضع المثالي قِمَّةً واحدة مرتفعة الاحتمالية، وأما حيث تتعدَّد مستعمرات الخفافيش أو مخابئ أسماك القرش؛ فستكون ثمَّة أكثر من قِمَّة.

وسرعان ما اتضح أنه بإدخال بعض التعديلات يمكن تكييف التنميط الجغرافي ليتواءم على نحوٍ أفضل مع عالم الأحياء. ومن ثَمَّ، طوَّر فريق لوكومبر نموذجًا جديدًا أكثر ملاءمةً لتحديد عدد المواقع «المشتبه بها» المحتمَلة، وأي «الجرائم» تنتمي لأي مشتبه به؛ مثل معرفة أي خفاش أتى من أية مستعمرة. وقد ثبتت صحة النموذج، وقال لوكومبر: «الحالة الوحيدة التي تقع فيها في مشكلات حقيقية هي عندما تكون منطقة البحث موضع الدراسة ممتلئةً عن آخرها بالجرائم.» ويخفق النموذج أيضًا عندما تبتعد الحيوانات عن مسارها الطبيعي تلمُّسًا لمصدر مميَّز للغذاء.

وفي بحث نُشِر الشهر الماضي، اختبر الفريق النموذج المُعَدَّل على نوبة تفشِّي وباء الملاريا في القاهرة بمصر ما بين عام ٢٠٠١ وعام ٢٠٠٤؛ كان من المفترض وفقًا للنهج المعتاد أن يتم البحث عن أماكن توالد البعوض في محيط المنطقة التي ظهر فيها أكبر عدد من حالات الإصابة بالمرض، والتي بلغت مساحتها نحو ٣٠٠ كيلومتر مربع، ولكنْ قلَّصت الخريطة التي وُضِعت باستخدام التنميط الجغرافي نطاق البحث بصورة جذرية، محدِّدةً بعض المواقع على مسافة بضعة كيلومترات فقط، بل واختارت مواقع كانت مُهمَلَة سابقًا (المجلة الإلكترونية «ميثودز إن إيكولوجي آند إفوليوشن»، المعرِّف الرقمي للكيان:10.1111/2041-210×.12190).

ثمة وسائل أخرى لتحديد أماكن توالد البعوض — مثل التقاط صور بالأقمار الصناعية للمناطق التي تغمرها المياه — وقد يكون نهج لوكومبر مفيدًا بالقدر ذاته في المراحل الأولى، حسبما ترى لوسي تاستِنج، الباحِثة في مجال مكافحة الأمراض بكلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة، إلَّا أنها تقول إن أماكن توالد البعوض قد تكون منتشرة عبر آلاف البؤر بالغة الصِّغر — في بِرَك المياه الصغيرة والأفنية الخلفية للمنازل مثلًا — ومن ثَمَّ لا يمكن أبدًا الاستعاضة بالتنميط والتصوير عن بُعد عن عمليات المسح الميداني المستفيضة ليرقات البعوض.

كما توجد مشكلة أخرى تتمثل في أن الأشخاص المصابين بالملاريا يمكن أن يخرجوا من منطقة العدوى؛ ومن ثمَّ يصعُب تحديد المكان الذي تعرَّض فيه الشخص للإصابة على وجه الدِّقة. وهذا رأي توم كوك، مُخْتَص الجغرافيا الطبية بجامعة بريتش كولومبيا في فانكوفر بكندا، ومؤلِّف كتاب عن فن رسم الخرائط الطبية بعنوان «خرائط الأمراض». وتلك هي المشكلة ذاتها التي واجهها مَنْ كانوا يحاولون العثور على مصدر سلالة فيروس أنفلونزا الطيور H5N1.

إعادة الاستفادة من النتائج في عالم الجريمة

مع ذلك، يعتقد لوكومبر أنه يمكن تطبيق التنميط الجغرافي على أمراض كثيرة أخرى تنتقل عن طريق الحشرات والبشر على حدٍّ سواء، ويعكف هو وفريقه الآن على تطوير إصدارٍ من برنامجهم يستعمل بيانات إضافية؛ مثل اتجاه الرياح (الذي يؤثر على وجهة ارتحال البعوض، على سبيل المثال)، والبيئة المحلية، والسُّلالات المسبِّبة للأمراض.

كما أنهم شرعوا في مناقشات مبكرة مع هيئة الصحة العامة في إنجلترا — إحدى الهيئات التابعة لوزارة الصحة في حكومة المملكة المتحدة — بُغية معرفة إذا ما كان يمكن استخدام التنميط الجغرافي لمعالجة انتشار مرض السلِّ وداء الفيالِقة. ويقول ستيف ليندزي — خبير بيئة الأمراض بجامعة دُرَم في المملكة المتحدة، المختصُّ بمكافحة الملاريا: «لا نعلم إذا ما كانت تلك التقنية يمكن أن تعود بالنفع على الصحة العامة في هذه المرحلة، ولكن المؤكَّد أنه يبدو من الحِكمة تجربتها.»

وفي الوقت نفسه، ربما يمكن ردُّ الأمر إلى نقطة البداية وإعادة الاستفادة من تلك النتائج في عالم الجريمة؛ فبعد نجاح التنميط الجغرافي في مجال الأحياء، شرع فيريتي وستيفنسون في النظر في إمكانية أنْ تُقدِّم الخوارزمية الجديدة سُبُلًا مبتكَرَة لتعقُّب القتلة المجرمين الذين كانوا السبب في نشأة تلك التقنية؛ أي السفَّاحين.

 

15 Mar, 2017 11:15:55 AM
1