على ضفاف القصباء
يرصد الكاتب كثيرا من تفاصيل الحياة، تلك التفاصيل التي تمنح القصص واقعية، وجمالا ومنعى، يرصدها بعين الخبير، ويكتبها بقلم الفنان. وهو ينهض بذلك المكان المهمل تحت سطح البحر، ليضعه تحت الشمس، وتحت عيون القراء. يطرح الحكمة تارة: "أيجب أنْ يستمرَّ تناسلنا نحن البشـر كلّ البشـر؟ هل تموت الحياة إن عَزِفَ بعضنا عن مهمّته التي غرسها به الآخرون؟ وهل لهذا الوجود، وجودنا عِلّة؟ وهل كل الذين وُجِدوا على هذه الأرض فاخرون؟ وهل حظّنا بين المئات المتنوّعة التي تخالطنا وتُشاركنا الحياة على ضِفاف القناة يرتقي بنا مراتب التأثير في الحياة أم أننا فقط كالشـياه ترعى حتى تشبع ثمّ تخلد إلى نومٍ بيولوجيٍّ وتستيقظ منه لتدخل في نومٍ ميتافيزيقيٍّ لا يراه ولا يتحكّم به إلا ذوي البصـيرة من غيرنا؟ كم كنتَ رائعاً أيها العلائيّ حينما اختصـرتَ مُعاناتي وأمثالي الكثيرين في غفران رسالتك، وحينما كتبتَ على شاهد قبرك حتى قبل أن تموت: «هذا جناه أبي عليّ وما جنيتُ على أحدِ»...( قصة: المفقودة... أبي)، وتارة يصف المشهد، بحيث يجعل القارئ يراه: "سلسلة طويلة من الخطوات التي تُرهقنا وتُرافق كلّ محاولة نقوم بها، تبدأ بالفحص وأخذ العيّنة وزراعتها والانتظار الطويل المشوب بفرحة نصطنعها أنا ورفيقتي، نجلس أمام الطبيب الذي يكاد طَرْقُ نبض قلبينا يصمّ أُذُنيه، يجرّ نظارته السميكة أماماً وخلفاً حتى يستبين بوضوح دلالات تلك الأرقام المطبوعة على ورقة الفحص أمامه، وأنظارنا ترتقب الأمل، أربع عيون ترتجي البُشـرى فتَتَعَلّق حيناً بشفتيه، بحركة حاجبيه، نتتبّع سبابته، نقطب حين يقطب ونعود للخلف على مقاعدنا حينما يرتخي قليلاً على كرسـيه الدوار، ونفزّ قبل قلوبنا حينما يرفع سمّاعة الهاتف مستفسـراً عن أمر، حتى إذا ما أعاد نظارته لمكانها واعتدل برأسه نحونا ووجد وجهينا لا يبرحان وجهه، اقترب حاجباه من بعضهما بعض حتى كادا يلامسان ضفّتي أخدود قد انبَلَجَ في المنتصف تماماً بينهما، ففهمنا حينها الخبر..."