عين ثالثة.. تداخل الفنون والأجناس في أعمال إبراهيم نصر الله
لا يستطيع الناقد النَّظر إلى تجربة نصـر الله الشعريّة بمعزل عن أعماله الروائيّة، وكذلك عن اشتغاله التشكيلي والفوتوغرافي والنقدي، أو بمعزل عن الغابة التي تحيط به والمتاهة التي يدور في ردهاتها، وهي الحياة والوجود والكون في تقاطعاتها مع الذات، لتبدو قراءة أعمال نصـر الله بمثابة تتبُّع للتجربة وارتحالاتها وتحوُّلاتها وانتقالاتها لجهة الشكل والتقنية والأدوات، ولجهة مؤثثات الرؤية التعبيريّة لاقتراح خطاب إنساني يسعى إلى اكتشاف معنى المأساة الإنسانيّة من خلال معاناة الفرد.
تسعى هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على التداخلات التجنيسيّة في أعمال نصـر الله وتشابكاتها ومدى انعكاسها على التقنيات وإثراء النص وتعميق جمالياته، وتأثير هذه التبادلات والتنافذات في الجنس الأدبي، خصوصاً مع طغيان خطابات الصورة والمُشاهدة، وانتشار مفاهيم الحوار والتعدديّة والتنوُّع، لتمثل بالمقدار ذاته دراسة لوعي الكاتب بالوجود والأسئلة التي تصدر عن تشابكات الذات والآخر وتداخلات النص وتناقضاته.
وتتناول الدراسة ديوان «بسم الأم والابن» ورواية «زيتون الشوارع» وكتاب «هزائم المنتصـرين» والمعارض التشكيليّة والفوتوغرافيّة والكتابات النقديّة، لوقوعها في مجال زمن كتابي مُتقارب في مناخاته وأدواته وموضوعاته، وذهابها إلى توصيف تقنيات متنوِّعة، حيث تعتمد القصيدة تقنيات السـرد، ويستعير السـرد لغة القصيدة، وتفيد الرواية من أدوات السينما واللوحة من جماليات الموسيقى وإيقاع القصيدة، وتستوحي الدراسات النقديّة أسئلة الشعر، لتشكل النصوص على تعدُّدها حلقة واحدة في سلسلة متوالدة من الأسئلة التي تخترق الساكن وتعيد المتلقّي باستمرار إلى الحفر في الذاكرة، وقراءة الأثر انطلاقاً من وعي الكاتب.. إنّ السؤال لا ينفصل بحال عن مفرداته، وإنّ ما علق بالذاكرة لا ينفصل عن بناء الذاكرة ذاتها، ليكون النص وفق ذلك ليس نصاً معرفياً حسب، وإنما نص جمالي للمعرفة التي تحققت من الوعي بحركيّة العالم، والخصائص التعبيريّة للجنس الأدبي والفني وجمالياته لإثراء العمل الواحد بصهر عناصـره في بوتقة واحدة، لتشكيل مركَّب جديد يختلف في سماته وكيميائيّته عن العناصـر السابقة، آخذاً ملامحه الجديدة كأداة خالصة في الشعر أو السـرد.