Salta al contenuto principale
إديث توما في «لعبة الفشل» المقصود

قلة من غير المتخصصين تعرف أديث توما، الكاتبة الفرنسية، المؤرخة والصحافية والناشطة في صفوف المقاومة ضد ألمانيا النازية، مع أنها تركت مجموعة مؤلفات شغلت ولا تزال الوسط الثقافي لسنوات بعد صدورها. كانت توما في الرابعة والعشرين عندما نالت «جائزة الرواية الأولى» عن روايتها «موت ماري»، ما فتح أمامها أبواب الصحافة لتدخل للمرة الأولى مكاتب جريدة «سو سوار» Ce Soir، ومجلات مرموقة مثل «فاندرودي» vendredi، و «أوروب»، حيث برعت في مجال التحقيقات خصوصاً تغطية الحرب الإسبانية وكانت تقف إلى جانب أنصار الجمهورية.


ولدت هذه الكاتبة التي رسخت بقوةِ شخصيتها توجهاً جديداً مقاومةً الصعاب والمحتل في آن، عام 1909 وتوفيت في 1970، تاركة مجموعة من الأعمال والدراسات يعتبر بعضها وثائق عن تلك الحقبة المصيرية والحساسة التي ناضلت فيها ضد الاحتلال الألماني. من أهم تلك الأعمال «الرجل المجرم»، «الرفض»، «تحرير باريس، «جان دارك»، «جورج صاند»، صفحات من يوميات»، وأخيراً «لعبة الشطرنج»، التي رأت النور عام 1970، أي عام وفاتها.

بقيت صاحبة «لعبة الإحباطات» في الظل، من دون أن يستطيع أحد تفسير ذلك نظراً إلى قيمة نتاجها، مع أنها كانت على علاقة «أدبية» مع آراغون، أحد أعلام الشعر الفرنسي المنضوي تحت لواء الحزب الشيوعي، رأس حربة المقاومة للاحتلال الألماني في ذلك الوقت. ولم تخرج إلى النور إلا بعد صدور مؤلفين من مؤلفاتها: «يوميات الحرب» و «مذكرات»، التي دونتها مطلع خمسينات القرن العشرين، وبقيت محفوظة بفضل صديقتها دومينيك أوري. كما أن هذه الأديبة الملتزمة تركت ثروة أدبية وتاريخية، ومجموعة شعرية كان الجنرال ديغول يقتبس أبياتاً منها ويتغنى بها عام 1943، ما يطرح تساؤلات عدة عن عدم خروجها إلى العلن باكراً.

مصير إديث توما المتمردة على التقاليد يلفت بخروجه عن المألوف، في حقبة لم يكن للمرأة، لأسباب اجتماعية، الدور الطليعي الذي لعبته لاحقاً ولاتزال. ويرى أدباء كان من بينهم الشاعر رينيه شار، إن بقاءها في الظل، لو استمر، كان ليعتبر ظلماً مؤكداً.

لا بد أن نذكر هنا، للإضاءة على ما واجهته في مسيرتها الصعبة، أنها أصيبت بمرض السل العظمي، وهي في الثانية والعشرين، فقاومته على رغم إعاقة أصابتها لتصبح «الأديبة العرجاء». لكن صلابة إرادتها وقدرتها الفريدة على الاستمرار، ساعدتاها في تخطي محنتها بالانفتاح والواقعية الواعية. وهكذا فعلت حتى وفاتها.

تعود إديث توما إلى الواجهة اليوم مع إعادة طبع روايتها Le jeu d’echecs التي قد تعني للوهلة الأولى «لعبة الشطرنج». لكن العنوان يعني في ترجمة حرفية، «لعبة الخسائر»، أو «مجموعة الإحباطات»، وهذا ما قصدته الأديبة، في تصرف بارع بالكلام والمعنى، وهو أيضاً الجو الفعلي للرواية، حيث الحب هو الخاسر الأكبر، مهما تعددت المحاولات. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الأديبة التي كانت توصف بـ «شقيقة الظل» للكاتبة سيمون دو بوفوار، والتي انخرطت فعلاً في المقاومة ضمن فصائل الحزب الشيوعي الفرنسي، استقت معظم رواياتها من هذه الأجواء، التي كرست لها حياتها الأدبية. والإشارة هنا إلى دوبوفوار له دلالاته لما عرفت به صديقة سارتر من دفاع شرس عن قضايا كانت تعتبر من شبه المحرمات، وهو ما برعت فيه أيضاً توما. فنتاجها الأدبي، إلى ذلك، يعتبر في غالبيته، مجموعة سير ذاتية تاريخية، مستقاة من تلك الحقبة، حيث لـ «الروائي» مكان في الدرجة الثانية فقط، وحيث تظهر الكاتبة الملتزمة القضية النسائية بوضوح إلى حد التماهي.

وسط هذا الجو المشحون، مِثلياً وشغفياً ونضالياً، تقف «لعبة الإحباطات»، حيث للكاتبة وجود شبه دائم، وللحب الهارب أبداً حضور طاغٍ. «بحثت عن الحب بإصرار ما انفك يفاجئني، ولكن أيضاً بعقلانية كانت تحول دون عثوري عليه. ليست أساسية هنا تفاصيل هذه اللقاءات الملتبسة والمنقوصة، إذ كنت أعي جيداً أنه الحب، وأني أبحث عنه عبر رجل، وأن هذا الرجل ليس من سيضعني على الطريق الذي ينتهي بالوصول إليه... وإلا كان يفترض به أن يعرض نفسه وينفتح، إلى مدى أبعد إمكاناته. هذا الهدف أكبر من طاقته، وكان بإمكاني من دون السقوط، بلوغه خلفه. لكني كنت أقع دائماً لأتجاور مع ما يشبه الفشل المحبط، والدناءة والرضى الذاتي... ثم أتابع طريقي مرة أخرى».

01 Ago, 2018 09:27:53 AM
0