Salta al contenuto principale

صائدة المذنبات

ستصبح مركبة الفضاء الأوروبية روزيتا أول مركبة فضائية تُصاحب مُذنَّبًا حول الشمس وتضع مركبة هابطة على نواة نشطة.

رحلة صيد المُذنَّب الخطيرة

ليس غريبًا أن يتأخر شخص تنتظره ١٥ دقيقة، حتى وإن كان لقاؤكما — كما هو الحال ها هنا — على شرفِهِ، لكن في عالم المهام الفضائية العالي الدقة، فإن ١٥ دقيقة تعادل زمنًا طويلًا.

إنه يوم ٢٠ يناير عام ٢٠١٤، أجلس في حجرة كبيرة داخل مركز عمليات المهام في ألمانيا، التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، في انتظار إشارة من مركبة روزيتا (وكلمة روزيتا تعني بالعربية «حجر رشيد») الفضائية. وهي الإشارة التي ستخبرنا أن المركبة — صائدة المذنبات — قد استيقظت بعد أكثر من عامين ونصف من الصمت قضتها في سُباتٍ. أجلس بجوار مات تايلور — أحد العلماء المشاركين في المشروع، والذي يعمل بوكالة الفضاء الأوروبية — ورغم ذلك تدور معظم محادثاتنا عبر الإنترنت (مات: «لقد بلغ التوتر الحد الأقصى.» أنا: «بل تجاوز هذا الحد.»)

ومع استمرار الانتظار، لم يعد يسعنا سوى التفكير في أسوأ الاحتمالات، كما يفكر الأبوان في انتظار رجوع ابنهما من أول جولة وحده بالسيارة بعد حصوله على رخصة القيادة. إن روزيتا عبارة عن نظام في غاية التعقيد، ويحوي الكثير من الأجزاء التي قد تتعرض للخلل …

ست عشرة دقيقة. الصمت المُفعَم بالتوتر يزداد مع دقات الساعة.

سبع عشرة دقيقة.

ثماني عشرة دقيقة … وعندها وكزني مات مشيرًا إلى الشاشة ثم همس: «أعتقد أن تلك هي الإشارة المنتظَرة». لم يتعدَّ الأمر نبضة ضئيلة، غريبة، تتجاوز الضوضاء بالكاد. من الناحية الإحصائية، لا يوجد سبب يدفعني لتصديق أنها حقيقية، لكن «حدس الفلكي» داخلي سرعان ما أنبأني بأنه على حق. رغم ذلك لم تظهر النبضة إلا في بيانات محطة أرضية واحدة، ثم اختفت. يبدو أن حدسي كان خاطئًا.

لكن بعد لحظة عادت النبضة للظهور في نفس البقعة، ورغم كونها ما زالت تقريبًا في مستوى الضوضاء، فإنها مستمرة. ثم تظهر نبضة مماثلة في البيانات الصادرة من محطة أرضية ثانية، ثم تزداد النبضتان قوة. عندئذ تأكدنا من أنها الإشارة المنتظرة، وفي اللحظة التالية رأينا تأثير الحدث على وجه مراقب الرحلة الأول؛ فقد هبَّ واقفًا واتسعت عيناه ثم ابتسم، وأخيرًا لوَّح بقبضته المضمومة في الهواء.

دبَّ الحماس في الغرفة من حولي مع تحوُّل النبضة إلى إشارة لا يمكن إنكارها. لقد استيقظت روزيتا وألقتْ لتَوِّها التحية على العالم.

على عكس مهام مراقبة المذنبات السابقة — التي لم تتعدَّ جميعها لقاءات عابرة نسبيًّا — فإن مهمة المركبة روزيتا التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية ستحظى بعلاقة طويلة الأمد مع «كرة الثلج القذرة» (الوصف الدارج للمذنبات) التي ستتبعها. ستتقابل روزيتا مع المذنب ٦٧بي/تشروموف-جراشيمنكو (نطلق عليه اختصارًا «سي-جي» تجنُّبًا للمعاناة اللانهائية التي يسببها نطق الاسم) في أغسطس ٢٠١٤، وسترافق المذنب لفترة تزيد على عام بينما يُحلِّق حول الشمس.

في غضون ذلك، سنراقب — عن كثب — حياة المذنب؛ إذ سنشاهد تسبُّب الحرارة الشمسية المتزايدة في تبخُّر الثلوج (مثل الماء وثاني أكسيد الكربون) من النواة مع اقتراب المذنب من الشمس، وسنرى كذلك كيف يمكن أن تكوِّن تلك الغازات المُتَسرِّبة تيارات نفاثة باهتة — مثل تيارات البخار المتدفقة من نبع مياه ساخن — مُحمَّلة بالغبار، وكيف يكوِّن المذنب ذيلًا وذؤابة، وكيف تتفاعل تلك الأجزاء مع النواة، وأخيرًا سنراقب هدوء النشاط مجددًا بعدما يجتاز المذنب الشمس ويعود إلى القطاع الشديد البرودة في مداره.

وإلى جانب هذه المهام الريادية التي ستقوم بها روزيتا، فإنها تحمل معها أيضًا مركبة فضائية أصغر ستهبط على المذنب، وستجري بعض الدراسات بالموقع عن سطحه. ستعمل هذه المركبة الهابطة لأيام — وربما أسابيع — عدة قبل أن ترتفع حرارة المذنب على نحو مفرط، أو يتكدس الغبار على ألواحها الشمسية لدرجة تمنعها من العمل مجددًا.

إن السبات الطويل والمغامرة القادمة، المتمثلة في التحكم في مركبة فضاء، في البيئة الخطرة والملوثة التي تحيط بمذنب نشط، ليسا سوى بعض من مخاطر المهمة، لكن المخاطرة هي غالبًا أمر لا بد منه عند إجراء أبحاث متطورة؛ إذ لو كان موضوع البحث سهلًا وآمنًا؛ لكان قد أُنجز من قبل. ستواجه روزيتا تلك المخاطر من أجل ملاحظة سلوك المذنب في الوقت الفعلي، وعلى مستوًى من التفصيل لا يمكن رصده من التليسكوبات الأرضية، أو حتى الفضائية مثل تليسكوب هابل.

مُختَبَران

من أجل الوصول إلى هذا المستوى التفصيلي من الدراسة، نحتاج إلى مختبر متطور. وبما أننا لا نستطيع إحضار مذنب إلى المُختبَر؛ فسوف نُرسل المُختبَر إلى المذنب. في الواقع سنرسل مُختبَرين إلى المذنب؛ إذ يوجد ١١ جهازًا على المركبة المدارية، و١٠ على المركبة الهابطة (راجع الصورتين التوضيحيتين)، من بينها أجهزة تدرس جسيمات الغبار، وأخرى تمتص الغاز وتستخلص عينات منه مباشرة، وأخرى تدرس البلازما (الأيونات والإلكترونات) حول المذنب وتفاعلها مع الرياح الشمسية. كذلك توجد أجهزة تلتقط صورًا، وأخرى لقياس الأطياف، إلى جانب الأجهزة التي ترصد نطاقًا واسعًا من الأطوال الموجية، بدءًا من الموجات فوق البنفسجية إلى الموجات المرئية إلى الموجات الفائقة الصِّغَر، وحتى الموجات اللاسلكية. أحبُّ أن أُطلق على هذه المجموعة المتنوعة من الاختبارات اسم «سي إس آي روزيتا» (على اسم المسلسل البوليسي الأمريكي الشهير). وبما أننا نحتاج إلى فحص جميع الأدلة، لا إلى اكتشاف ما حدث فحسب، بل متى وأين وكيف حدث كذلك؛ فإن كل جهاز سيدرس أدلة مختلفة كي يستطيع العلماء جمع أجزاء الصورة كاملة.

يُدعى الجهاز الذي أعمل عليه «أليس»، وهو عبارة عن مقياس طيف الأشعة فوق البنفسجية، يشرف عليه الباحث الرئيسي ألان ستيرن (معهد الجنوب الغربي للأبحاث). إن أليس هو أولُ مقياسِ طيفٍ من هذا النوع يزور مذنبًا، وواحد من ثلاثة أجهزة ساهمت بها وكالة ناسا لدعم هذه المهمة ذات القيادة الأوروبية. بمساعدة أليس سنتمكن من رصد سطح المذنب وغاز الذؤابة لمعرفة النسب التقريبية لعناصر وجزيئات محددة. فعلى سبيل المثال، أحد أهداف أليس العلمية هو تحديد مدى وفرة الغازات النبيلة (مثل: الهيليوم والنيون والأرجون) والهيدروجين الجزيئي في الغاز الصادر من النواة؛ إذ يعتمد كلٌّ مِن احتباس الغازات النبيلة داخل ثلج المذنب وإطلاقها على درجة الحرارة؛ لذا بناءً على الكميات النسبية التي ستقاس من تلك الغازات وتوقيت قياسها، يمكننا استنتاج درجة البرودة في البقعة التي شهدت تكوُّن المذنب في المجموعة الشمسية وتاريخ دورات سي-جي السابقة حول الشمس.

وسوف نتمكن كذلك من تحديد كيف تتغير درجة الحرارة داخل النواة مع مرور الوقت؛ إذ تتسامى أنواع مختلفة من الثلوج في درجات حرارة مختلفة؛ ومن ثَمَّ فقد تكشف التغييرات في نسب المركبات المنبعثة عن درجة الحرارة الداخلية.

أجهزة المركبة المدارية روزيتا

وكالة الفضاء الأوروبية/إيه تي جي ميديالاب.

وكالة الفضاء الأوروبية/إيه تي جي ميديالاب.

مقياس طيف الأشعة فوق البنفسجية (أليس)

يُحلَّل الغازات في ذؤابة المذنب وذيله، ويقيس الخواص السطحية للأشعة فوق البنفسجية.

جهاز اختبار سبر نواة المذنب عبر بث موجات اللاسلكي (كونسيرت)

يستخدم موجات الراديو لاستكشاف باطن المذنب.

جهاز تحليل كتلة الأيونات الثانوية للمذنب (كوزيما)

يتولى التحليل الكيميائي لذرات الغبار، بما في ذلك تكوينها وإن كانت عضوية أو غير عضوية.

جهاز تحليل تصادم الذرات ومجمع الغبار (جيادا)

يقيس عدد وكتلة وقوة دفع وتوزيع سرعة ذرات الغبار القادمة من النواة ومن اتجاهات أخرى (منعكسة عبر ضغط الإشعاع الشمسي).

نظام تحليل الغبار بالتصوير المجهري (ميداس)

يوفر معلومات حول تعداد وحجم وكمية وشكل ذرات الغبار.

جهاز الموجات الفائقة الصغر الخاص بالمركبة المدارية روزيتا (ميرو)

يحدد مدى وفرة الغازات الرئيسية، ومعدل إفلات الغاز عبر السطح، ودرجة حرارة باطن النواة.

نظام التصوير عن بُعد البصري والطيفي، وبالأشعة تحت الحمراء (أوزيريس)

عبارة عن كاميرات واسعة الزاوية وكاميرات ضيقة الزاوية.

مقياس الطيف الخاص بالمركبة المدارية روزيتا لتحليل الأيوناتوالتحليل المحايد (روزينا)

يتولى مهمة التحليل الكيميائي لغلاف المذنب الجوي (تكوينه، سرعات جزيئاته، وتفاعلاته).

مجموعة أجهزة البلازما الخاصة بالمركبة روزيتا (آر بي سي)

وهي عبارة عن خمسة مستشعرات تتولى فحص الخواص الفيزيائية للنواة وهيكل الذؤابة الداخلي، ومراقبة النشاط، ودراسة تفاعل المذنب مع الرياح الشمسية.

نظام الفحص العلمي باستخدام موجات الراديو (آر إس آي)

يقيس كتلة النواة وكثافاتها، ويحدد مدار المذنب، ويدرس الذؤابة الداخلية.

مقياس الطيف للتصوير المرئي والتصوير الحراري بالأشعة تحت الحمراء (فيرتيس)

يحدد طبيعة الأجسام الصلبة ودرجات الحرارة على سطح النواة، ويتعرف على غازات المذنب، ويصف الظروف الفيزيائية الخاصة بالذؤابة.

التقطت الكاميرا الضيقة الزاوية التابعة لنظام أوزيريس في المركبة روزيتا هذه الصورة للمذنب سي-جي (المحاط بدائرة) يوم ٣٠ أبريل من مسافة تبعد أكثر من ٢ مليون كيلومتر. تكشف فترة ظهور المذنب — التي استمرت ١٢ دقيقة — عن ذؤابة غبارية متنامية، بينما يتألَّق التجمع الكروي إم ١٠٧ ناحية اليسار. (وكالة الفضاء الأوروبية/روزيتا/فريق أوزيريس في معهد ماكس بلانك لأبحاث المجموعة الشمسية/جامعة بادوا/معهد الفيزياء الفلكية في مارسيليا/معهد الأندلس للفيزياء الفلكية/إس إس أو/المعهد الوطني لتقنيات الفضاء/جامعة مدريد التقنية/قسم الفلك وفيزياء الفضاء، جامعة أوبسالا/معهد شبكات الاتصالات والحاسوب.)

التقطت الكاميرا الضيقة الزاوية التابعة لنظام أوزيريس في المركبة روزيتا هذه الصورة للمذنب سي-جي (المحاط بدائرة) يوم ٣٠ أبريل من مسافة تبعد أكثر من ٢ مليون كيلومتر. تكشف فترة ظهور المذنب — التي استمرت ١٢ دقيقة — عن ذؤابة غبارية متنامية، بينما يتألَّق التجمع الكروي إم ١٠٧ ناحية اليسار. (وكالة الفضاء الأوروبية/روزيتا/فريق أوزيريس في معهد ماكس بلانك لأبحاث المجموعة الشمسية/جامعة بادوا/معهد الفيزياء الفلكية في مارسيليا/معهد الأندلس للفيزياء الفلكية/إس إس أو/المعهد الوطني لتقنيات الفضاء/جامعة مدريد التقنية/قسم الفلك وفيزياء الفضاء، جامعة أوبسالا/معهد شبكات الاتصالات والحاسوب.)

إن روزيتا مركبة فضاء بديعة؛ فمركزها عبارة عن مكعب بطول ٢٫٥ متر (٨ أقدام) تقريبًا يحوي نظام الدفع، وأنظمة الطيران الإلكترونية، ووسائل الاتصال، وأجهزة الكمبيوتر، وجميع الأجهزة الأخرى. ربما يُشبِّهها عشاق سلسلة أفلام ومسلسلات «ستار تريك» بسفينة فضاء صغيرة من سفن جنس الكائنات الفضائية المسمى بورج، لكن العنصر البارز حقًّا في تصميم المركبة هو الألواح الشمسية الضخمة. يُعدُّ نظام الطاقة الشمسية بالمركبة أضخم نظام صُمِّم لمركبة فضائية عابرة للكواكب؛ إذ يبلغ باع جناحي المركبة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ٣٢ مترًا، بينما تصل مساحتهما الكلية إلى ٦٤ مترًا مربعًا؛ ومن ثَمَّ تتفوق على مساحة الألواح الشمسية في مركبة الفضاء جونو التي تبلغ ٦٠ مترًا مربعًا، إلا أن مدار روزيتا قادها بعيدًا جدًّا عن الشمس (إلى مدار المشتري)؛ ومن ثَمَّ تطلَّب تشغيل مركبة فضاء بذلك الحجم الضخم، وبتلك المجموعة من الأجهزة قدرًا هائلًا من الطاقة، حتى إن مخططي المهمة أدركوا أنه حتى نظام الألواح الشمسية هذا لن يستطع توليد طاقة تكفي لإبقاء المركبة في وضع نشط؛ لذا ظلت روزيتا في حالة سُبات لأمد طويل للغاية.

وعلاوةً على ذلك، تعجُّ المركبة الهابطة في حد ذاتها — والتي تُدعى فيلة (على اسم جزيرة فيلة في نيل مصر) — بأجهزة مكدسة في حيز يُعادل مساحة غسالة الملابس، يبلغ كل جانب منها المتر تقريبًا. وقد شارك ما يزيد على ستة بلاد في تجهيز هذه المركبة ومجموعة أجهزتها. وعلى الرغم من أن كتلتها تصل إلى ١٠٠ كيلوجرام تقريبًا، فإن وزنها الفعلي على المذنب لن يزيد تقريبًا عن وزن ورقة على سطح الأرض؛ ومن ثَمَّ جُهِّزت أقدام المركبة بمجموعة من البَراغي المُستخدمة في تسلُّق الأسطح الجليدية، والرماح التي ستنطلق لتثبيت المركبة على سطح المذنب فور ملامسته. ستنشغل أجهزتها لعدة أيام في إجراء الاختبارات المعملية عبر حفر سطح المذنب، واستخلاص العينات، واختبار الخصائص الفيزيائية للسطح، وتحليل الغازات القريبة.

يحتل أحد الأجهزة مكانًا على كلٍّ من المركبة المدارية والمركبة الهابطة، وهو يدعى جهاز اختبار سبر نواة المذنب عبر بثِّ موجات اللاسلكي (والذي يطلق عليه اختصارًا كونسيرت). عندما تصبح المركبة المدارية والمركبة الهابطة على جانبين متقابلين من المذنب، سيُرسِل جهاز كونسيرت الموجود على المركبة المدارية إشارات لا سلكية لنظيره الموجود على المركبة الهابطة. وعبر تحليل الإشارة المرتدة وكيفية انعكاس موجات اللاسلكي وتشتُّتها أثناء ارتحالها عبر المذنب، سيتمكن العلماء من دراسة باطن نواة سي-جي.

الأجهزة على المركبة الهابطة فيلة

وكالة الفضاء الأوروبية/إيه تي جي ميديالاب.

وكالة الفضاء الأوروبية/إيه تي جي ميديالاب.

مقياس طيف الأشعة السينية لجسيمات ألفا (إيه بي إكس إس)

يدرس تكوين السطح عبر اكتشاف نوى الهليوم والأشعة السينية.

محلل المذنب المرئي المزود بالأشعة تحت الحمراء (سيفا)

يلتقط صورًا بانورامية للسطح بواسطة ست كاميرات مجهرية، ويدرس مقياس الطيف تكوين وبنية ووضاءة عينات السطح.

جهاز سبر نواة المذنب عبر بث موجات اللاسلكي (كونسيرت)

يفحص الهيكل الداخلي للنواة.

جهاز تجميع عينات المذنب واختبار التركيب (كوزاك)

محلل غاز يحدد طبيعة الجزيئات العضوية المعقدة.

بطليموس

محلل غاز يقيس نسب النظائر للعناصر الخفيفة.

مستشعرات متعددة الأغراض لعلوم السطح والباطن (موبوس)

تقيس كثافة السطح والخصائص الحرارية والميكانيكية باستخدام مستشعرات على مرتكز المركبة الهابطة ومسبارها وسطحها الخارجي.

نظام التصوير الخاص بالمركبة الهابطة روزيتا (روليس)

وهو عبارة عن كاميرا مزودة بجهاز اقتران الشحنات ستلتقط صورًا عالية الدقة أثناء عملية الهبوط، بجانب تسجيل مشاهد بانورامية مجسمة لنماذج من المناطق.

مرقاب البلازما ومقياس المغناطيسية بالمركبة الهابطة التابعة لروزيتا (روماب)

وهو عبارة عن مرقاب بلازما ومقياس مغناطيسية يرصد المجال المغناطيسي المحلي وتفاعل المذنب مع الرياح الشمسية.

جهاز العينات والتوزيع (إس دي ٢)

يحفر السطح لمسافة تزيد على ٢٠ سنتيمترًا، ويجمع العينات ويُرسلها إلى أفران تُجري الفحص الميكروسكوبي.

اختبارات المراقبة الصوتية والزلزالية والكهربائية على السطح (سيسيمي)

عبارة عن ثلاثة أجهزة تقيس خواص السطح الكهربائية، وكيفية انتقال الصوت عبره، والغبار المتساقط على السطح.

علاقة طويلة الأمد

أحد الدروس التي تتعلمها أثناء العمل على مركبة الفضاء روزيتا هو الصبر، الذي لن تحتاجه أثناء انتظار إشارة انتهاء حالة السُّبات فحسب (رغم أن كل دقيقة بدت وكأنها سَنَة)؛ إذ استغرق المشروع ما يزيد على عقد من الزمان، منذ أن حاز على موافقة وكالة الفضاء الأوروبية عام ١٩٩٣ حتى أُطلق عام ٢٠٠٤، ثم قضت المركبة عشر سنوات أخرى في رحلتها بينما ننتظر وصولها إلى هدفها الرئيسي — المذنب سي-جي — في شهر أغسطس الحالي. تضمن المشروع فترات انتظار طويلة تفصلها فترات من النشاط المحموم، كحين تأجَّل الإطلاق بسبب تعطُّل صاروخ الإطلاق آريان قبيل بضعة أشهر فحسب من موعد إطلاق روزيتا، وأدى التأخير الناتج عن تقصي الوضع إلى منع روزيتا من الانطلاق في موعدها من أجل اللحاق بهدفها الأصلي: المذنب ٤٦بي/ويرتانين؛ ومن ثَمَّ اضطُرَّت الفرق العلمية والإدارية بالمشروع إلى التحرك سريعًا لإيجاد هدف ومسار جديد، بجانب اختيار مجموعة مختلفة من الكويكبات التي ستُحلِّق المركبةُ بجوارها لأغراض علمية.

إن التخطيط المسبق لمهمةٍ تَدرُس مذنبًا أمرٌ يتَّسم بالتعقيد؛ فالهدف يتغير باستمرار وبطرق غير متوقعة مع تغيُّر المسافة التي تفصله عن الشمس؛ ومن ثَمَّ تُعتبر كل لحظة تمرُّ بها المهمة لحظةً فريدةً من نوعها. نحن لا نعرف مسبقًا متى وأين ستظهر التيارات فجأةً على النواة، أو حتى مكان البقعة التي ستهبط عليها المركبة الهابطة. وعلاوةً على ذلك، نحن لا نعرف تحديدًا مدى قوة النشاط وقت وصول روزيتا؛ لذا ينبغي أن يستعد مخططو المهمة ومشغلو الأجهزة لسيناريوهات متعددة. كذلك لا بد من مناقشة كل هذا التخطيط في حضور الفرق الكثيرة المختصة بالأجهزة — إذ تتعارض تفضيلات بعضها — بجانب فرق عمليات المهمة وفرق آليات التحليق المسئولة عن تحليق المركبة وسلامتها.

الصاروخ الناقل آريان ٥ جي+ الأول ينتظر على منصة الإطلاق في مركز جويانا الفضائي — قاعدة إطلاق المركبات الفضائية الأوروبية — بينما يحيط به أربعة أبراج إضاءة بارتفاع ١٠٠ متر. أُطلقت روزيتا من هنا عام ٢٠٠٤، وهي الآن على وشك الالتقاء بالمذنب الذي تستهدفه. (وكالة الفضاء الأوروبية/تصوير: ستيفان كورفايا.)

نأمل في أن يظل مستوى نشاط سي-جي منخفضًا عندما تصل روزيتا؛ كي تستطيع المركبة الاقتراب من المذنب ووضع خرائط تفصيلية له، ثم تحديد بقعة هبوط وإنزال المركبة فيلة بسلام. سيزداد نشاط المذنب زيادة ملموسة عند اقترابه من الحضيض الشمسي في أغسطس ٢٠١٥. وعند تلك النقطة، ستقذف النواة كمية من جزيئات المياه تتراوح بين ٤ × ٢٦١٠ (في حالة انخفاض النشاط) و١ × ٢٨١٠ (في حالة ارتفاع النشاط) في الثانية، وهو ما يعادل ٣٠ إلى ٨٠ جالونًا من المياه في الثانية. على سبيل المقارنة، عندما حاولت فرق الأجهزة تحديد نشاط المياه وأول أكسيد الكربون لأول مرة في يوليو ٢٠١٤ (عندما كانت المركبة الفضائية ما زالت تبعد أكثر من ١٠ آلاف كيلومتر من المذنب)، كانت معدلات الإنتاج التي توقَّعوها تقل بنسبة تتراوح بين ١٠٠ و١٠٠٠٠ مرة؛ وكان الأمر يشبه محاولة تحديد معدل تبخُّر كمية ضئيلة جدًّا من المياه في الثانية في مكان ما على الناحية الأخرى من الأرض (مع افتراض أن الأرض ذاتها لا تعوق السبيل).

إن ميزة روزيتا تتركز في أنها ستتيح لنا مراقبة هذا النشاط وقياسه على مدى المسار الذي يسلكه مدار المذنب؛ إذ ستقضي المهمة مقدارًا غير مسبوق من الزمن بالقرب من المذنب سي-جي، وستدرس كيف يبدأ نشاطه، وحجم المساحة النشطة في سطحه، أو إن كان هذا النشاط يرجع في الأساس إلى تيارات منفصلة، وكيفية تفاعل النواة مع «المنطقة التصادمية» (وهي الجزء الداخلي من ذؤابة المذنب حيث ترتفع كثافة الغاز إلى الحد الذي يسمح بحدوث تصادمات بين الذرات والجزيئات)، وكيفية تكوُّن ذلك كله وتحفيزه للنواة والذيل.

يصور هذا الرسم التوضيحي المركبة الهابطة فيلة أثناء عملها على المذنب ٦٧بي/تشروموف-جراشيمنكو. فور هبوط المركبة على سطح المذنب في نوفمبر ٢٠١٤، ستطلق حَرْبة لتثبيت نفسها وتجنُّبِ الإفلات من جاذبية المذنب الضعيفة للغاية. تُقدَّر الفترة الزمنية المستهدفة في مهمة فيلة بأسبوع واحد على الأقل، لكن العمليات على سطح المذنب قد تستمر لأشهر عديدة. (وكالة الفضاء الأوروبية/ميديالاب.)

إن تلك الميزة تشكل كذلك مكمن صعوبة المهمة: تصميم مركبة فضائية وأجهزة تستطيع البقاء طويلًا في بيئة ملوثة تحوي مياهًا وغازًا وغبارًا، وقد تحوي كذلك كرات ثلجية وحصًى. الأمر لا يقتصر على وجوب الحفاظ على سلامة الأجهزة، بل إن هجوم الركام يجعل من التحليق مهمة صعبة. يتمتع المذنب بجاذبية ضعيفة للغاية، لدرجة أن الضغط الخارجي للغاز والغبار على المركبة الفضائية — لا سيما قبالة المساحة السطحية الضخمة للألواح الشمسية — سرعان ما سيجعل الاستمرار في الدوران حول المذنب مستحيلًا. وبناءً على مستوى نشاط المذنب سي-جي، قد لا يتاح لمركبة الفضاء روزيتا سوى بضعة أشهر تدور فيها حوله على مسافات تقل عن ٥٠ كيلومترًا؛ ومن ثَمَّ سيكون من الأفضل وصف الجزء الباقي من المهمة بأنه «مرافقة» روزيتا للمذنب، عبر التحليق جيئةً وذهابًا على مسافات أبعد من ٧٠ كيلومترًا، إلى جانب بعض رحلات التحليق القريبة والمنخفضة على مسافة ١٠ كيلومترات تقريبًا. قد تمتد ذؤابة المذنب نحو مئات الآلاف من الكيلومترات؛ ومن ثَمَّ ينبغي أن تظل مركبة الفضاء داخل الذؤابة حتى عند تجنبها الاقتراب من النواة. لكن — كما يحدث في أي رقصة — ستُضطر روزيتا إلى التأقلُم مع شريكها باستمرار كي تتمكن من قضاء أشهر عديدة ترقص التانجو بنجاح مع المذنب سي-جي.

ما الذي نستطيع تعلُّمه من مذنب واحد؟

ينتمي المذنب سي-جي إلى مذنبات عائلة المشتري؛ مما يعني أن مداره خاضع غالبًا ﻟ «سيطرة» المشتري. يبلغ أوج المذنب ٥٫٧ وحدات فلكية، وحضيضه الشمسي ١٫٢ وحدة فلكية. تتغير الطاقة الشمسية الساقطة بمعامل يصل إلى ٢٣ مرة أثناء المدار الواحد، ويعتبر ذلك التغيُّر أثناء التسخين الشمسي هو ما يحفز نشاط المذنب.

يدور المذنب سي-جي دورة مدارية قصيرة تستغرق ست سنوات ونصفًا، بينما يدور حول محوره كل ١٢٫٤ ساعة تقريبًا. وبناءً على الملاحظات التي سُجلت من الأرض حول المنحنى الضوئي لسي-جي، أعددنا نموذجًا تقديريًّا لشكل النواة يتَّسم إلى حدٍّ ما بعدم الانتظام، ويتراوح قطره الفعلي بين ٤ و٥ كيلومترات.

تثير المذنبات اهتمام علماء الفضاء في العديد من المجالات لأنها بمثابة آثار عتيقة؛ فهي بقايا الحطام الناتج عن ميلاد المجموعة الشمسية، وقد تحتوي على بعضٍ من أكثر المواد البكر التي ترجع إلى ٤٫٥ مليارات عام مضت، عندما تكوَّنت الكواكب. وعلى الرغم من ذلك، فإن المذنبات ليست موادَّ بكرًا تمامًا؛ فأي مذنب مرَّ عدة مرات بجوار الشمس — وينطبق ذلك أيضًا على تلك المذنبات القصيرة الأجل التي تنتمي لعائلة المشتري — قد اكتسب بالفعل بعض التعديل في هيكله وتكوينه الفيزيائي نتيجة للسخونة الشمسية التي تعرَّض لها في مرات المرور السابقة؛ ومن ثَمَّ تكمن البراعة في فصل المواد الكيمائية ذات الصلة التي تنتمي إلى التكوين الأصلي عن تلك المواد التي ترجع إلى التغييرات الناتجة عن فترات التسخين السابقة. لهذا السبب لا بد من توفر أجهزة كثيرة كي نتمكن من دراسة الباطن، والسطح، والغاز، والغبار، وتحليل الدلائل التي توضح أصل المذنب منذ نشأته.

إن سي-جي ليس سوى مثال واحد، لكننا سنقارن ما سنعرفه من خلاله بما لاحظناه خلال زياراتنا الأخرى — الأقصر زمنًا — للمذنبات. ستمكننا مهمة روزيتا من «ترجمة» المذنبات، مثلما استخدم الباحثون حجر رشيد — الذي سُمِّيَ المشروع باسمه — لفك شفرة الكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة. إن ما سنتعلمه من سي-جي سيساعدنا على فهم العلاقة بين ما يحدث على نطاق صغير في النواة، وما يحدث على نطاق كبير في ذؤابة المذنب وذيله، وهما كل ما يمكننا رصده من الأرض. إن تلك المعرفة ستفتح بابًا واسعًا لفك شفرة الملاحظات التي رُصدت من الأرض لمذنبات أخرى في الماضي والحاضر والمستقبل.

21 Dic, 2015 01:39:22 PM
0