Salta al contenuto principale

البوزجاني... مؤسس التكامل والتفاضل في حساب المثلثات

لم تكتسب جهود العالم المسلم أبي الوفاء محمد بن محمد بن يحي البوزجاني، المتوفى سنة 388هـ، قيمتها العلمية من ضخامتها وتنوعها وأسبقيتها فحسب، بل نالت اهتمام الدارسين لكونها مهَّدت لاكتشاف الهندسة التحليلية وأسَّست علم التفاضل والتكامل وطوَّرت العلوم الرياضية، إذ استطاع صاحبها أن يضيف إلى بحوث الخوارزمي إضافات مهمة، منها أنه حل المعادلة ذات الدرجة الرابعة، ووضع النسبة المثلثية (ظل)، واستعملها في حل المسائل، وأدخل القاطع والقاطع تمام، ووضع الجداول الرياضية للماس، وأوجد طريقة جديدة تمتاز بالدقة لحساب جدول الجيب، كما ابتكر طرائق لاستعمال الآلات الهندسية في رسم الأشكال والدوائر المستوية والكروية، مطوراً فن الرسم الهندسي الذي أرسى أصوله وقواعده.

ينتمي البوزجاني إلى مدينة بوزجان في خراسان، التي كان مولده فيها عام 328هـ، حيث تعلَّم الحساب في صغره على أيدي اثنين من أقاربه، هما أبو عمرو المغازلي وأبو عبد الله محمد بن عنبة، وعندما بلغ العشرين من عمره رحل إلى بغداد، وهناك درس علوم الرياضيات والفلك، وانضم إلى نخبة من العلماء اختارهم شرف الدولة بن عضد الدولة للعمل في المرصد الفلكي الذي أنشأه، وكان يتميز بقدرة على النقد، أهَّلته للاطلاع على مؤلفات السابقين والاستفادة منها بوعي، فلم يكن يطمئن إلى فكرة إلا بعدما يُعمل فكره فيها ويقتنع بأدلتها، ولعل أبرز شاهد على ذلك شروحه النقدية لمؤلفات أبرخس وديوفانتوس وغيرهما.

ويرى صلاح الدين الصفدي في كتابه «الوافي بالوفيات» أن أبا الوفاء البوزجاني كان له استخراجات غريبة في الهندسة والحساب لم يُسبق إليها، ويعترف علماء عرب كالبيروني والطوسي وآخرون أوروبيون منهم دي فو وجورج سارتون بأنهم استفادوا من بحوث البوزجاني ووجدوا فيها أمارات عبقريته، كما تُثبت التركة العظيمة التي خلَّفها أنه كان عالماً يمتلك ثروة علمية هائلة، إذ ألَّف في مجالات شتى، ومكَّنته موسوعيته من الجمع بين العلوم على نحو يمكن معه الابتكار والتجديد، ويشكّل كتابه «فيما يحتاج إليه العمال والكتَّاب من صناعة الحساب»، الذي توجد منه مخطوطة في مكتبة تستر بيتي بأيرلندا، أحد أهم مؤلفاته، ويشتمل على سبع منازل وكل منزلة سبعة أبواب.

وفي العصر الحديث، أُطلق اسم البوزجاني على فوهة بركانية على سطح القمر، تقديراً له على ما قدَّم للبشرية من إسهامات خالدة، وربما اعتذاراً له عما ناله من تقصير في حقه، بعدما ثبت يقيناً أنه أول من اكتشف الخلل الثالث في حركة القمر، إلى جانب ما توصل إليه من حسابات فلكية وصفها سمير عرابي في كتابه «سلسلة علماء العرب والمسلمين» بأنها بلغت درجة عالية من الدقة جعلتها موضع استشهاد لمن جاؤوا بعده في مناقشاتهم الفلكية، كما أن كتابه «المجسطي» يُعدُّ موسوعة شاملة في هذا المجال، إضافة إلى «الكامل» الذي يبحث خلال ثلاثة مقالات في حركات الكواكب والتغيرات التي تعتريها.

24 Giu, 2017 02:04:00 AM
0