تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

لماذا يجب ان نشارك تجاربنا مع أحد؟

 

يشاركنا ديفيد رونقارد خبرته معنا

منذ سنه كنت احضر مؤتمر في الهونولولو وفي احدى الصباحات على شاطئ ويكيكي اختبرت أجمل شروق للشمس، لوحدي.

 كان مشهدا مذهلا، ولكن جعلني أشعر بالفزع. كيف يكون ذلك؟ كيف يمكن للوحدة ان تحول حدث جميل كهذا الى الاكتئاب؟

كلما تعمقنا في الحياة كلما عرفنا المزيد والمزيد عن أنفسنا، هذه الأفكار تأتي الينا في اوج لحظات السعادة في حياتنا كأسهم

ناريه تخترق مجال سعادتنا في الوقت الذي نحاول فيه التأقلم مع مطبات الحياة بأنواعها.

هناك أشياء معينه تحدث معنا تجبرنا على التساؤل والإجابة عن من نحن. ولكن هذا المفهوم لا وجود له في الفجوات في العلاقات

نحن كبشر نفهم أنفسنا جزئيا من خلال تمييز كيف نحن متشابهين ومختلفين عن الآخرين في نفس الوقت. شروق الشمس الحزين جعلني أدرك حاجتي العميقة ل شخص بجانبي لأشارك معه تجاربي، ولكن أيضا جعلني أدرك باننا لسنا جميعا هكذا. بعض الناس يبدون بخير بشكل مثالي لوحدهم، في حين أن البعض الآخر يحتاج الى الشريك   ليتقاسم اللحظات الجميلة معه، أو ربما حتى من اجل التمتع بهذه الشراكة. هل هذا مجرد اختلاف في صفات الشخصية بين الناس، أم أنه تصرف أفضل من الآخر؟  قد يبدو من النظرة الأولى أن عدم القدرة على أن يكون المرء راضيا عن تجاربه، هو تماما عائق وجودي.

تشير بحوث نفسية أقيمت مؤخرا أن التجارب المشتركة تتضخم من عدة نواحي -سواء كانت تجارب جيدة أو سيئة. على سبيل المثال، فأن سألنا اشخاص تشاركوا تذوق قطعة من الشوكولاتة سيتم التوسع في وصف حلاوة او مرارة هذه القطعة على العكس ان سألنا شخص تذوق القطعة لوحده فقط سيكون الوصف بكلمه واحدة حلوة أو مرة. ولكن مثل هذه البحوث ضيقة النطاق وتخفف الاختلافات في أنواع التجارب وكذلك الفروق الفردية في حجم التضخيم. هل يمكن لهذه الفروق أن تكون كبيرة بما يكفي لتكون مرضية؟  هل هناك خطب ما بي؟

الفكرة، بأننا نحن كأصناف مخلوقات اجتماعيه بطبيعتها لن تفاجئ أي شخص. أي، إذا عدنا إلى الوراء للحظة ووضعنا نظرنا على الأنثروبولوجيا (علم الانسان المختص بسلوكه وتصرفاته)، يمكننا أن نراقب يوميا زملائنا البشر الذين يحدقون في أجهزة التلفزيون الخاصة بهم لساعات مسحورين (تم جذبهم) من قبل البشر الآخرين المتفاعلين اجتماعيا. هذه الظاهرة الغريبة هي بالتأكيد متأصلة في رغبتنا الخاصة للتفاعل والشعور بالانتماء. وبالتأكيد فأن ربط الانعزال الاجتماعي مع عقوبة الإعدام ليس مجرد صدفة.

ولكن ليس التوق إلى الشمولية هو الذي أفكر به في المقام الأول، وإنما طابع التجارب المشتركة مقابل الانفرادية. هل تجاربي ليست جيدة بما فيه الكفاية من؟ ولكن ليس التوق إلى الشمولية التي أفكر بها في المقام الأول، وإنما طابع التجارب المشتركة مقابل الانفرادي. هل تجاربي ليست جيدة بما فيه الكفاية من تلقاء نفسها؟

لقد كتبت سابقا في مجلة الفلسفة الآن ('الملحد في فوكسهول'، 'الحزب بدون لي') وهو أن معنى الحياة، كما أراها، يقيم مع تجاربنا المشتركة.

أحبائنا هم أساس العاطفة لدينا. فضلا عن كونهم الشركاء في رحلة الحياة. وبمعنى ما، فإن الحياة التي عشناها بالكامل جزء منها عشناه من خلال الآخرين.

لقد جادلت الكثيرين بأن هذا هو ما نتركه إذا رفضنا نداء القوة العليا بإعطاء المعنى لحياتنا. ولكن ربما أكون مبالغا في قضيتي إذا كانت هناك مجموعة واسعة من التصرفات النفسية نحو التجارب المشتركة.

في الواقع، هناك مجموعة واسعة من التجارب التي يجدها الناس قيمة والتي تعطي معنى لحياتهم. المشي السريع من خلال غابة ساحرة، وابتسامة على وجه صديقك، والفخر في يوم التخرج الخاص بك. ومن الواضح أن جميع التجارب القيمة لا بد من تقاسمها، على الرغم من أن الكثيرين يتقاسمونها بطبيعتهم. ولكن بغض النظر عن ما نقدره، يتم تضخيم التجربة إذا تمت مشاركتها، وإن كان ذلك بشدة مختلفة.  فمثلا، تقاسم الخبرات يجعلها أكثر أهمية، وأكثر وضوحا.

ومع ذلك، فإن تقاسم الخبرة ليس فقط حول التضخيم او التوسع في الوصف. العديد من اللحظات القيمة خاصة وعلى وجه التحديد لأنها هي الخبرات المشتركة.  مثلا اللحظة التي تربط نفسك فيها بموعد مع ابنك في تجديد قارب قديم أو قضاء بعض الوقت الممتع مع صديق. هذه التجارب تكتسب أهميتها عن طريق المشاركة. وهذا يأتي بنا الى ذكر انه ليس كافيا للمشاركة ان تكون مجرد مشاركة مع أي شخص لجعلها شيء مهم، فتجديد قارب مع زميل هو مجرد وظيفة. قضاء الوقت مع من حولك، هم مجرد اشخاص. ولكن الذين نشاركهم في تجربة ما مهما كانت فهو شيء مهم لمعناه في قلوبنا.

إذا ما هو العظيم جدا حول التجارب المشتركة؟ بالإضافة إلى كونها بعض من اللحظات التي لا تنسى، وأيضا تضخيم تجاربنا، مشاركه التجارب لها الفضيلة بانها تستمر بالمشاركة. وكشيء مؤكد، المشاركة تسمح للتجارب بأن تعاد بشكل أكثر وضوحا من خلال التذكر المتبادل وقول الحكايات. وبالنسبة لشخص مثلي، الذي لا يتذكر الا القليل فإنه سيكون مفيدا لي.

السؤال هنا، إذا كان لدي التجربة ولكن لم يكن هناك أحد لأتقاسمها معه، هل ستحتسب ك تجربة؟

عندما يتم استذكار حدث ما   مع مرور الوقت فأن الحدث الذي كون جماعي ويستذكر يكون مختلف عما أذا كان الحدث او التجربة فردية. قد يكون طعم الشوكولاتة المرة أكثر مرارة عند المشاركة، ولكن الانطباع الدائم هو أحلى من خلال وجود شخص اخر شارك اللحظة معك. ولأن مثل هذه التجربة المشتركة لا ينبغي النظر إليها فقط من حيث اللحظات المحددة في الوقت المناسب، بل يمكن النظر إليها أيضا على نطاق أوسع. جنبا إلى جنب مع القلة مختارة (أو شخص خاص) الذين يرافقوننا من خلال الحياة، وهناك شعور أكثر مما إذا كنت وحدك تشهد على وجودك. فمن خلال مشاركة تجاربنا مع الاخرين فهناك الذين على دراية تامة ب رحلتنا في هذه الحياة.

هذا البعد الزمني للتجارب المشتركة له أيضا فضيلة كونه أحد الطرق القليلة التي يمكن أن تصبح خالدة. لأن التجربة المشتركة لا تنتمي إلينا وحدها، فهي تبقى على قيد الحياة حتى بعد رحيلنا. من خلال العيش في ذكريات أولئك الذين نتركهم وراءنا، رغم اننا لا نحصل على عقد جديد للحياة، ولكن بمعنى معين، ومفهوم اخر فهو كتمديد لذكرانا.

إذا ...هل هناك خطب بي أو بك انت؟ ؟ ومن الواضح أن الاعتماد على الآخرين لزيادة خبراتنا وجعلها أكثر وضوحا يجعلنا ضعيفين نفسيا. وهنا نصل الى إن حالتنا الذهنية ليست في نطاق سيطرتنا وحدنا، بل هي متوقفة على أن تكون مصحوبة مع شركاء.

هناك طرق لتخفيف هذا الضعف. على سبيل المثال، تقنيات التأمل يمكن أن تسمح لنا لإيجاد الرضا بأنفسنا. العثور على راحة البال في العزلة يمكن أن تساعدنا بأن نكون أقل عرضة لحالات التوتر والقلق الدائم. ولكن هذا العزاء الانفرادي بالتأكيد لا يمكن أن يكون في حد ذاته الشيء الذي سيجلب المعنى والقيمة لحياتنا.

إذا كان لحياتنا معنى فهو معنى وجودنا، ولكن ليس بالضرورة كجزر معزولة من الارتياح الذاتي. بدلا من ذلك، يمكن ان نلتفت الى اصحابنا، لدينا لحظات لا تنسى، رائعة ومأساوية، نتقاسمها. وإذا كانت الحاجة إلى تبادل الخبرات تجعلنا ضعفاء، فقد تكون أيضا معنى الحياة.

 

© الدكتور ديفيد روني غارد 2017

 

ديفيد روني غارد حاصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من كلية لندن للاقتصاد، وهو باحث ومعلم في المسؤولية الاجتماعية للشركات في ستوكهولم.

28 مارس, 2017 07:54:05 صباحا
0