تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مدى فعالية الإتفاقيات الدولية في مجال التعاون الجنائي الدولي

يمكن القول إن النظام الذي أقامته المجموعة الدولية من أجل إحكام الرقابة على المخدرات قد حقق نتائج إيجابية لا يمكن إنكارها، وذلك إذا ما نظرنا إلى الأوضاع التي عرفها العالم في العهود التي سبقت صدور الإتفاقيات المذكورة. فقد إستطاع هذا النظام أن يشدد الرقابة على التجارة الدولية غير المشروعة للمخدرات، ولولا وجوده لكان الوضع مختلفا تماما على ماهو عليه اليوم. كما ساهمت الاتفاقيات الدولية في تطوير سياسات وطنية فعالة لتقليص الطلب, وذلك بحث الدول على القيام بعمل وقائي فاعل، وإتخاذ إجراءات ملموسة في مجال علاج المدمنين وإعادة تأهليهم. وتمكنت أيضا هذه الاتفاقيات من إدخال أنماط موحدة عن السياسات الوقائية والقعمية التي مكنت من تحقيق نوع من الإنسجام في التشريعات الوطنية وبناء تعاون قضائي دولي حقيقي. ورغم الجوانب الإيجابية المذكورة أعلاه والتي يعترف بها الجميع, ينبغي الإشارة إلى أن هذا النظام يبقى دون الحد المطلوب, والعيب ليس فيه, بل يكمن في عدم إحترامه من لدن عدد من الدول التي وقعتها في السنوات الأولى لصدورها.

         enlightened ومن مظاهر عدم احترام المنظمات الدولية, نشير إلى أن عددا لا يستهان به من الدول لا تلتزم بواجباتها نحو الهيئات الأممية. ومن هذه الواجبات ضرورة تقديم تقرير سنوي للهيئة الدولية لمراقبة المخدرات (OICS) عن تطور ظاهرة المخدرات في كل منها ليتسنى للهيئة المذكورة إعداد تقييم دولي سنوي يعكس حقيقة الظاهرة في العالم، وذلك بالإستناد إلى معطيات دقيقة وكاملة. فهناك العديد من الدول التي لا تفي بهذا الإلتزام، أو ترسل تقاريرها بعد الآجال المحددة، أو ترسلها غير كاملة من حيث المعلومات المطلوبة.

وبدون إصدار أي حكم على مواقف هذه الدول فيما يخص تعاملها مع المنظمات الدولية, وهل هو مبني على سوء نية أو لنقص الإمكانيات, فإن عددا كبيرا من الدول لا تحترم بنود الاتفاقيات التي تلزمها بإستعمال المخدرات في المجالين الطبي والعلمي فقط. هذا من جهة, ومن جهة أخرى, لا تسلط أي عقاب ردعي على الأطراف التي تقوم بإستخدام المواد المخدرة لأغراض غير طبية أو تفرط في إستعمالها.

          والدليل على ما تقدم, أن زراعة المخدرات والاتجار غير المشروع بها تبقى منتشرة بشكل واسع في مختلف مناطق العالم، كأفغانستان والمغرب وبوليفيا على سبيل المثال. في الوقت الذي تشهد صناعة المؤثرات العقلية من نوع الأمفيتامين والإكستازي رواجا مذهلا بالخصوص في أوربا. ولا يمكن إيجاد أي مبرر لهذا الوضع إلا في تهاون الدول المعنية، أو بالأحرى في تواطؤ بعضها مع شبكات المهربين.

• وأمام هذا الوضع, لا يوفر النظام الأممي لرقابة المخدرات الأليات القانونية الكفيلة بوضع حد للتصرفات المخالفة للتشريع الدولي من قبل بعض الدول، ولم يحصل إلى حد الآن إجماع لأعضاء الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، حول الإجراءات الرادعة والفاعلة التي ينبغي تطبيقها ضد أي دولة لا تمتثل للقانون الدولي. ولعل ذلك يعود إلى طبيعة التشريع الدولي في مختلف المجالات. 

وخلاصة القول, نعتقد أن الإتفاقيات الدولية بالرغم من محاسنها وآثارها الإيجابية, فإنه يتبين بوضوح أنها لاتزال في حاجة للمراجعة والتحسين من أجل إضفاء صرامة أكثر على صلاحيات المنظمات الأممية المكلفة بمراقبة المخدرات، حتى يتسنى لها أن تقوم بمهامها على أحسن وجه, في فرض احترام القانون الدولي على كل دول العالم بدون إستثناء.

وإذا لم تتمكن المجموعة الدولية من إيجاد الطرق والوسائل الضرورية لإحكام الرقابة الدولية على كل أنواع المخدرات, إنطلاقا من الزراعة والصناعة والتجارة والإستهلاك غير المشروع, فإن الخطة التي تبنتها الجمعية العامة غير العادية للأمم المتحدة في دورتها العشرين سنة 1998 والهادفة إلى القضاء النهائي أو على الأقل تقليص الإنتاج والتجارة غير المشروعة للمخدرات, ستبقى حبرا على ورق.

 

 

10 مايو, 2017 03:52:37 مساء
0