تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

جابر بن حيان.. رائد الكيمياء المبدد خرافات العقل

لبث الإنسان حقبة من الزمن يتأمل الكون حوله من أرض وسماء وصخور ومياه وهواء، عاجزاً عن إدراك حقيقة المواد التي تشكلت منها بيئته، وربما أخذ يُلقي بقطع الصخر الصغيرة في النار مشاهداً تغيرات الألوان الناتجة عن ذلك، أو وقف فاغراً فاه أمام ظواهر طبيعية يراها عند امتزاج المواد أو احتكاكها، فراح يفسرها بأوهامه وخرافاته التي لم تشفِ غليله وشغفه بالمعرفة.

أحدث العالِم المسلم جابر بن حيان ثورة حقيقية في علوم الكيمياء وتفسيرات الظواهر، منقذاً عقل البشرية من السبات والحيرة والتيه إزاء مشاهداته ومعايشته لما يعتمل من حوله. ففي بدايات التاريخ، ومع نشأة الفلسفة، كان العقل البشري قد لجأ إلى الرأي المجرَّد من التجربة العملية لتفسير كل الظواهر الطبيعية، ومعرفة حقيقة المواد الصلبة والسائلة والغازية.

وهكذا، ظلت الكيمياء، قبل ابن حيان، نوعاً من الصناعة يتناقله الناس بلا تجربة أو مشاهدة، واختلطت ببعض الحِرَف البدائية القديمة، وأحاطت بها بعض الخرافات، حتى ظهر جابر بن حيان بن عبد الله الكوفي، أبو الكيمياء، فاستوعب ما قدَّمه السابقون، وأنشأ منهجاً علمياً جديداً يعتمد على الرصد والملاحظة والاستقراء والاستنتاج للحصول على البيانات المعرفية، عُرف فيما بعد بـ«المنهج التجريبي»، وكان له أثر واضح في تقدُّم العلوم، وانتقل بكل عناصره وتفصيلاته وتطبيقاته إلى علماء أوروبا، ليُحدث النهضة العلمية التي أنتجت الاختراعات والاكتشافات.

وُلد جابر بن حيان عام 101هـ، على أشهر الروايات، وهو من أهل الكوفة، وأصله من خراسان، وكان والده يعمل عطاراً، فحرص على تعليم ابنه كل ما يتصل بعلم العطارة والنباتات والأعشاب والدواء وصناعته، فأصبحت لدى الفتى دراية واسعة بالمعارف الطبية والفلسفية والطبيعية، ما أهَّله لولوج عالَم الكيمياء في سن الصبا.

ابتكارات ومهارات

ويُنسب إلى جابر العديد من الإسهامات العلمية التي أسست علم الكيمياء، وغيرها التي أثرت شتى العلوم، وبلغ مجموع مؤلفاته نحو 3000 مخطوطة تُرجم بعضها إلى اللاتينية، وجمع كثيراً منها بول كراوس في كتاب «مختار رسائل جابر بن حيان»، ومن ابتكاراته أنه حضَّر حامض الكبريتيك، واستطاع تقطيره من الشبَّة، وسماه زيت الزاج، وأوجد طريقة فصل الذهب عن الفضة بواسطة الحامض، وهي الطريقة نفسها التي ما زالت تُستخدم حتى الآن لتقدير عيارات الذهب في السبائك الذهبية، ونجح في وضع أول طريقة للتقطير في العالم.

تجنٍّ

لكنَّ هذه التركة العلمية التي خلَّفها جابر، وجعلته مستحقاً الريادة في هذا العلم، هي ذاتها التي أثارت الشكوك في ضخامتها وفي شخصيته أيضاً، حتى أنكر بعض الكتَّاب وجوده، ورأى فريق أنه شخصية حقيقية غير أن ما صنَّفه أقل بكثير مما نُسب إليه، وردَّ ابن النديم في «الفهرست» على تلك الدعاوى، مُثبتاً أن الرجل له حقيقة، وأن مؤلفاته أعظم مما هو شائع ومشهور.

ومهما يكن من أمر، فإن جابر بن حيان يبقى، بشهادة علماء الغرب، أولَ من علَّم الكيمياء، وأكبر دليل على ذلك أن كثيراً من المصطلحات التي وضعها ما زالت مستعملة في مختلف اللغات الأوروبية.

18 يونيو, 2017 12:57:55 مساء
0