«ريغان..رحلة أميركية».. سيرة ومقارنات
كأن السير الذاتية التي تناولت حياته لم ترهقها التفاصيل، ولم تتوقف عند كل المفاصل، أو كأن الثراء الذي تختزنه حياة واحدة أوسع من أن تحيط به سيرة أو اثنتان أو عشر. تلك هي الحال مع سيرة الرئيس الأميركي الأربعين رونالد ريغان الذي يطل في عمل جديد للصحافي وكاتب سير المشاهير بوب سبيتز.. «ريغان: رحلة أميركية».
وتشكل السير الذاتية السياسية ميداناً مختلفاً بالكامل عن عالم الترفيه الذي احترف سبيتز قصّ حكايات أبطاله، بدءاً بفرقة البيتلز وجوليا تشايلد وبوب ديلان. ومع أن تناول حياة ريغان في 800 صفحة يشكل موضع قلق، لأنه عادةً ما تذوب سيره الذاتية كلما اقتربت من حرارة فورة مبيعات الكتب، إلا أن شخصية ريغان تشكل المثال الأبرز في القرن العشرين للمزج بين السياسة والترفيه.
وتشكل قصة ريغان، ذاك الصبي الذي ولد في بلدة صغيرة في الغرب الأوسط الأميركي، ونجم هوليوود المضمون من الفئة الثانية، وحاكم كاليفورنيا، والرئيس الأربعين للولايات المتحدة، مادة للقراءة الدرامية في أي إطار لكنها كانت تعتبر مناسبة للإدراج في الإطار الأسطوري.
يعرف كل من قرأ لسبيتز أن يتوقع مدى روعته في رسم الشخصيات، وإن قصة ريغان قد منحته مساحة توزيع أدوار ممتدة من الشخصيات على نحو أوسع وأكثر حيوية من أكثر من أي مرحلة أخرى في التاريخ الأميركي.
ما كان يمكن لكتاب السيرة الذاتية الريغانية الضخم من أن يكون أفضل توقيتاً، إذ يحل صدوره عشية انتخابات نصف الولاية مورداً يقدم إجابات أولية لإشكاليتين مقلقتين أصبحتا اليوم في حكم الحتميتين، وتتناول الأولى مسألة التشابه بين سيد البيت الأبيض الحالي وريغان، الذي لم يكن متأخراً كثيراً عن الرئيسين لينكولن وروزفلت في مجمّع الرموز الجمهورية التاريخية، وتتمحور الثانية حول ما إذا كان ريغان الذي عمد، من ضمن أمور كثيرة أخرى على التوقيع على القانون الاتحادي للإصلاح والرقابة على الهجرة للعام 1986 الذي شرع وجود نحو 4 ملايين مهاجر من أن يرشحه الحزب الجمهوري اليوم لولاية أخرى؟
ويملك كل من ريغان وترامب في الواقع بعض الأمور المشتركة، حيث انطلقا إلى حياة الشهرة من باب الترفيه، وكانا في السبعينيات أو بالكاد من العمر حين أديا القسم الرئاسي. وفي حين تولى ريغان منصب حاكم كاليفورنيا لولايتين، فلم يكن الرجلان يلمان إلا قليلاً بشؤون السياسة الخارجية وحتى القومية. ولم يكن أي منهما يأبه كثيراً بالتفاصيل.
ومع أن كتاب «ريغان: رحلة أميركية» يغطي قصة البطل بالكامل بأحداثها ومراحلها، فإن نقطة الارتكاز الطبيعية ماثلة بقوة على امتداد 200 صفحة مكرسة لفترة الرئاسة. وكما هي الحال مع كل السير الذاتية التي تناولت دونالد ريغان، لم يفلح سبيتز تماماً في تفادي إصدار الأحكام، مع أنه يمكن القول إنه اجترح معجزةً في تجنّبها في كثير من المواضع قدر المستطاع.
وهكذا تبلور الكتاب متميزاً في إظهار إنسانية ثلاثية الأبعاد تعكس شخصية البطل الأساسي، علماً أنه حين يتعلق الأمر بجردة الحساب الخاصة بريغان، يتبدّى سبيتز شبه مقتضب.
ويورد في أحد المقاطع على سبيل المثال، قام ريغان كرئيس للبلاد «بإعادة بناء الجيش الأميركي، والتصدي للتضخم، وتعيين امرأة للمرة الأولى في المحكمة العليا، واقتطاع الضرائب الشخصية من 70% إلى 28%، وتشجيع التجارة الحرة، والحرص على خلق 16 مليون وظيفة جديدة، وأخيراً التوصل إلى اتفاق حول التسلح النووي مع الاتحاد السوفييتي وإناء الحرب الباردة عملياً».
وفي المحصلة، يكتمل كتاب سبيتز المعتمد بجزئية منه على كتب سابقة حول ريغان، كما على عدد من المقابلات التي أجراها المؤلف مع معاصرين للرئيس الأربعين، إضافة لكنز من الوثائق والملفات المتعلقة بالحقبة الريغانية، ليملأ فراغات كثيرة التفاصيل، ويحلّ بلا شك مؤشراً مهماً تقاس بناءً عليه السياسات والقيادة السياسية الراهنة في أميركا.