Перейти к основному содержанию
الكتاب .. بأصغر عملة عراقية ولا أحد يشتري!

لا توجد مفاجأة في شارع المتنبي الذي يسميه العراقيون (شارع الثقافة) غير ان الناظر ستصدمه اسعار الكتب البخسة جدا ، والتي هي بأصغر فئة من العمل المحلية (250 دينار / 200 سنت) وتتصاعد الى (الف دينار / 800 سنت)، مع وجود اعداد هائلة من الكتب التي تباع بهذه الاسعار ابتداء من اول شارع الرشيد (قرب ساحة الميدان) نزولا في الشارع ذاته دخولا الى شارع المتنبي، حيث كل تلك المسافات معبدة بالكتب سواء التي تنتشر على الارض او التي على مناضد او على عربات خشبية، وان لم تصدق عيناك ارقام الاسعار المكتوبة على قطع صغيرة من الكارتون المقوى فأصوات الباعة تعزز لك ذلك من خلال مناداتهم (الكتاب بربع دينار) يقصدون (ربع الالف دينار) او (الكتاب بألف) وما بينهما الـ (500 دينار) ، وحين تعاين الكتب وتتأملها تجدها سليمة 100 % وبعضها مجلدات وتشمل كل المجالات الادبية والعلمية والثقافية ولكن الملفت للنظر ان الكتب الدينية هي العلامة الفارقة، ولا يمكن مقارنة تكلفة طبع الكتاب بسعر بيعه الحالي ابدا فهناك بون شاسع طبعا ، فيما هناك كتب اسعارها غالية ،وخاصة عند اصحاب المكتبات الكبيرة في شارع المتنبي ، وتأتي التساؤلات طائرة على اجنحة الدهشة والاستغراب : لماذا؟ !!


اعود من بداية امتداد الكتب لأنظر ومن ثم اسأل لمعرفة ما يحدث في سوق الكتب ، اقف عند بائع شاب : لمذا الكتاب بـ (بربع دينار كما تقول) ، مع ابتسامة ارتسمت على شفتيه قال مازحا :حتى نشجع على القراءة !!، ثم اردف : الصحيح ان اخي الكبير ،قبل شهر، اشترى كمية كبيرة من الكتب بسعر جيد ،عرضناها بسعر (الف دينار) فلم نبع الكثير .


طلب مني احد الباعة في الشارع ان اراقب الذي يغادرون الشارع وان انظر عدد الذين يحملون كتبا ، ثم اردف قائلا : نسبتهم قليلة جدا ،وربما لو سألتهم لوجدت اغلبهم لا يقرأون من اجل القراءة بل لاسباب اخرى ، صرت احدق بالمارين ذهابا وايابا بفعل الفضول ، يسترعي انتباهي العدد الكبير من الناس الذي يقفون عند باعة الكتب الرخيصة ، اراهم يقلبون ومن ثم يمضون ، لا ادري اذا ما كانت عناوين الكتب لا تعجبهم ام ان مسألة (الكتاب بربع) هي التي تستوقفهم ، قررت اسأل اول من غادر الربة بعد ان قلب محتوياتها ، قال : اعتقد ان الكتاب بربع هي من استوقفتني وحين فتشت لم اجد الكتاب الذي يعجبني!!
سألت الصحافي علي صحن عبد العزيز، عما يحدث في الشارع من هذا التدني في الاسعار ، فقال اولا : شارع المتنبي ....شارع الهموم والوجع الثقافي ، واضاف: ما يحزنني فيها هو سعر الكتاب ب(250)دينار للقصة أو الرواية وبقية الكتب الأخرى ،لابد لنا أن نعترف مدى الأشهر التي بذلها مؤلفو هذه الكتب ،ومن سهر الليالي وتعب وتجميع المصادر حتى يكون مصيره بهذا المنظر المؤسف والحزين .


وتابع: على ماإذكره أيام دراستي بالاعدادية أيام الثمانينيات كان مصروفي ( 500 فلس أو دينار) لكنني لم إصرفه ،بل أشتري به جريدة الجمهورية أو مجلة الف باء،وامشي مسافة تقدر بثلاثة كيلومترات حتى أصل إلى الإعدادية ،ولم أكتف بهذا القدر بل كنت أزور صديقا لي وقتها في المكتبة الوطنية مقابل وزارة الدفاع حاليا،وأدخل بين رفوفها حتى أستنشق عبق رائحة الكتب ،لم يخل اي أسبوع من دون ما أنجز قراءة ثلاثة أو أربعة كتب ،وليس مبالغة حتى أنني اتوسدها تحت رأسي ،هكذا كان جيلنا يعنى بالثقافة والكتب والمجلات ومؤلفيها ،أما اليوم وما إشاهده ويشاهده معي ،فالكتب مبذولة وتحتاج من يتصفحها ،وانا لا أجد لذة ومتعة القراءة مالم أمسك الكتاب بين يديّ ،واترحم على مؤلفه إن كان في ذمة الله ،وأدعو له بالتوفيق على ما اهدناه من بنان عقله وأفكاره .
وختم بالقول : .. وتبقى الحسرة والألم ينتابني كلما أرى أسعار هذه الكتب وهي مرمية جريحة المشاعر للمؤلفين.

ودعته وانا اغني : الكتاب بربع دينار !!
ذهبت في طريقي بالشارع اعاين كل شيء ، يستوقفني صوت ينادي (كتاب بألف دينار ..كتاب بألف دينار) ، انظر الى الكتب الفروشة امامه اجدها مختلفة ، قديمة وحديثة ، ولكن ما هالني بعد الفحص والتأمل في هذه الاكوام من الكتب المبعثرة ان اغلبها عناوين (كتب دينية)، قلبت عددا منها ، كانت مما يباع بالسر قبل عام 2003 ومما شهدت اقبالا عليها بعد 2003،واراني اتساءل : ما الذي حدث؟ ، لكنني نظرت الى البائع وسألته ما السر ؟ قال : بألف دينار ولا احد يشتريه ، يبدو ان الناس ملت من كتب الدين !!، وعدت اسأله : كم كتابا تبيع كل يوم جمعة ؟ فضحك ثم قال : ولا كتاب ديني !!
تركته لأتجه الى رجل كبير في السن بجانبه ،يوزع كتبه على الارض والكتاب وسألته عن الاسباب وراء تدني اسعار الكتب ، فقال : اكثر اصحاب المكتبات يقومون لتصفية ما لديهم من كتب ،بعد ان وجدوا ان مخازنهم اصبحت لا تحتمل اعدادا كبيرة من الكتب ، اغلب هذه الكتب موجودة لديهم منذ اكثر من عشر سنوات يوم كان الاقبال على الكتب الدينية خاصة كبيرا ، الان حتى الكتب الاخرى ليس عليها طلب وقد اصبح شارع المتنبي متنزها ومطعما كبيرا .


واضاف: لا تصدق ان شارع المتنبي شارع ثقافة فقط ، الكثيرون ممن يدخلونه لا يقرأون ، الكتاب يباع بسعر زهيد ولا احد يشتري !.
بعد ذهاب الى رأس الشارع وعودته منه ، توقفت عند صاحب مكتبة وسألته عن سر الاسعار الهابطة للكتب ، فقال : تجري حاليا في العديد من اصحاب المكتبات او باعة الكتب المحترفين في شارع المتنبي وشارع الرشيد عمليات تصفية للكتب التي لديهم منذ سنوات وقد كانوا يعتقدون ان الطلب سيكون كبيرا عليها ذات يوم وخاصة الكتب الدينية التي اصبحت سوقها كاسدة تماما ، فاضطروا الى بيعها بأقل الاسعار للتخلص منها .


واضاف: ليس الكتب الدينية وحدها ااتي تشكو الكساد بل الكثير من العناوين المختلفة كالشعر ، والسبب قلة القراء ،فلبس هنالك القراء الذين نعتقدهم كثرون وربما اقول لك النخبة المثقفة هي وحدها التي تقتني الكتب واغلبهم من الذين تتجاوز اعمارهم الاربعين 
وتابع: حين يكون الكتاب بأصغر عملة عراقية فهذا مؤسف لان هذا المبلغ لا يساوي حتى غلاف الكتاب .

13 янв, 2019 10:29:46 AM
0