Перейти к основному содержанию
مجد الدين خمش يتأمل «سوسيولوجية المدن في الحضارة العربية الإسلامية..»

يتضح من الأدلة التاريخية والسوسيولوجية التي يعتمد عليها الكتاب أن العديد من المدن الإسلامية أدّت عند إنشائها، أو إعادة إنشائها دور قلاعٍ شامخة لنشر الإيمان والحضارة، مثل الكوفة (وهي أول مدينة عربية تُنشأ خارج الجزيرة العربية وذلك في العام 17 للهجرة)، والبصرة، والفسطاط، ودمشق، وبغداد، وتونس، وقرطبة، وغرناطة، وغيرها كثير. وكانت تستقبل المؤمنين الجدد مثلما استقبلت المدينة المنوّرة المهاجرين من مكة المكرّمة بزعامة الرسول الكريم، علية الصلاة والسلام. كما أدّت هذه المدن دوراً ملحوظاً في نشر الإسلام في آسيا وأفريقيا، إضافة إلى وظائفها الحضارية الأخرى في تطوير التجارة، والصناعة والزراعة، والعلوم والتقنيات بأنواعها، وكذلك الفكر والفلسفة. لكن هذا الدور الحضاري المبجّل للمدن الإسلامية بدأ بالتراجع لأسباب سياسية واقتصادية– كما توثّق تحليلات الكتاب- وذلك بعد تراجع قوة السلطة السياسية نتيجة المنازعات والصدامات الداخلية المتكررة، وبعد أن تحوّلت طرق التجارة العالمية إلى البحار وفقد العرب سيطرتهم على التجارة العالمية التي كانت تمرّ في بلادهم.

 

ويتضح من تحليلات الكتاب أيضاً أن الحضارات الشرقية: الإسلامية، والصينية والهندية، والأفريقية وحتى نهايات القرن الثالث عشر الميلادي كانت على نفس الدرجة من التطور مقارنة بالحضارات الأوروبية، بل إن بعضها كان أكثر تطوراً من الحضارة الأوروبية ذاتها في الفترة من 1000 – 1400م. فقد تم وصف النشاط الاقتصادي في المدن الإسلامية بعد العام 800م بأنه كان نشاطاً رأسمالياً متقدما يقوم على عقلانية الإجراءات لتحقيق الأرباح، ويعكس فهماً عميقاً للسوق ومتطلباته، وحاجات الناس في مناطق الإسلام المختلفة، خصوصاً في المدن الإسلامية. وكان لسلسلة الاختراعات الإسلامية التطبيقية الدور الكبير في تسهيل ذلك. فقد أتاح اختراع المسلمين للسفينة ذات الشراع المثلث الشكل، والتطويرات اللاحقة عليه الإبحار لمسافات بعيدة، لا سيما في المحيط الهندي، كما ساهم تطوير الاستطرلاب المرتبط بالتطورات الكبيرة في علم الفلك والرياضيات في تطوير الملاحة التجارية والعسكرية أيضاً. ويبين جون هوبسن في كتابه (الجذور الشرقية للحضارة الغربية) أيضاً أن صناعة الورق التي بدأت في نهايات القرن السادس للهجرة/ القرن الثاني عشر الميلادي أسهمت في تطوير العلم والتأليف، وساهمت فيما بعد في نشوء الطباعة في أوروبا التي ساهمت بدور ملموس في إحداث النهضة الأوروبية الحديثة. وشهدت هذه المرحلة تنافساً شديداً بين الحضارتين العربية الإسلامية والحضارة الغربية في مجالات تطوير الأسلحة النارية، وتقنيات الملاحة البحرية، والعلوم بمختلف أنواعها بعد أن قام الأوروبيون بنقل الكثير من المعارف، والتطبيقات التقنية، والكتب العلمية العربية من الأندلس (إسبانيا) إلى بلادهم. كما كان الأوروبيون قبل ذلك قد أرسلوا البعثات إلى الأندلس لتعلم العلوم الطبية، وعلوم الفلك، والكيمياء، وتصنيع التقنيات المادية والعسكرية حيث عادت هذه البعثات إلى الممالك الأوروبية ونشرت العلوم والتقنيات العربية فيها، لا سيّما في المجالات الطبية والعسكرية. وشكّل ذلك عاملاً أساسياً في نهضة أوروبا علمياً وعسكرياً وصناعياً والتي توّجت فيما بعد بالثورة الصناعية الأولى في بريطانيا في بدايات القرن الثامن عشر.

 

وتبذل الحكومات العربية والإسلامية حالياً – كما يتضح من تحليلات الكتاب- جهوداً متواصلة لتنمية المدينة، والمجتمع بشكل عام لزيادة الانتاجية، وتيسير الخدمات، وتحسين مستوى الدخل والمعيشة للدولة وللمواطنين بجميع فئاتهم، وخلفياتهم الاجتماعية، والدينية، والاقتصادية باللجوء إلى منهجيات التنمية الشاملة، والحكومة الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي، والتخطيط الحضري المناسبة بحيث يتم المحافظة على عناصر منتقاة من الهّوية التقليدية الأصيلة للمدن العربية الإسلامية القديمة ، وضمان مستوىً مناسباً من الخدمات العامة والرفاهية للمواطنين، وضبط عنان قوى السوق المعوّلم في صياغتها لبيئة المدينة وأسواقها وأحيائها السكنية ، والعلاقات الاجتماعية داخلها، ومعمارها الهندسي المميّز.

 

ويقع الكتاب الذي صدر حديثاً عن دار الصايل للنشر والتوزيع في عمان في 288 صفحة من القطع المتوسط، ويتضمن الفصول الستة التالية: المدن في الحضارة العربية الإسلامية، تعريفها وخططها، والتحوّلات الحضرية في العالم العربي الإسلامي، والتنظيم الاجتماعي للمدينة العربية الإسلامية، وتأثير المدن العربية الإسلامية في النهضة الأوروبية الحديثة، وتحديث المدن العربية الإسلامية على النمط الأوروبي، وخاتمة الكتاب.

 

 

 

 

المصدر: الدستور

 

23 сен, 2021 10:38:26 AM
0