Перейти к основному содержанию

وهم الوباء الفتاك

كانت السنوات القليلة الأخيرة حقبة رائعة لمن لديهم شغف بالأوبئة البشعة؛ إذ وصل كتاب ريتشارد بريستون «المنطقة الحارة» — الذي يدور حول فيروس إيبولا المخيف — إلى قائمة الكتب الأكثر مبيعًا حتى قبل تفشِّي فيروس إيبولا في زائير (الكونغو الديمقراطية حاليًّا) في أوائل هذا العام. أما الصحف فقد قضت وقتًا حافلًا في استعراض كل أنواع الأوبئة؛ بدءًا من إيبولا، ومرورًا بالبكتيريا آكلة اللحم، وانتهاءً بالعضويات المقاومة للعقاقير. ومؤخرًا قدَّمت الكاتبة العلمية لوري جاريت تلخيصًا وافيًا للهلاك المنتظر في كتابها المشئوم «الوباء القادم»، بينما أسرعَ كاتبُ الخيال العلمي مايكل كرايتون — رائد هذا المجال رغم اختلاف البعض — بإعادة إصدار روايته «سلالة أندروميدا» التي حققت نجاحًا ساحقًا عام ١٩٦٩، والتي تدور حول ميكروب من الفضاء الخارجي.

يتمحور الخوف الذي يذكِّي حالة الهلع بين العامة من تلك الأمراض الجديدة والناشئة والمزعومة حول شبح مرض ما شديد العدوى يتسبب في انتشار وباء جديد. ولطالما استحضر أولئك المستغلون لتلك المخاوف السيناريوهات التي تحكي عن مسافر يستقل طائرة من بقعة مجهولة من بقاع العالم ليصل إلى إحدى دول الغرب مطلِقًا العنان لميكروب جديد مميت. ففي كتاب «المنطقة الحارة» على سبيل المثال يطلق بريستون تحذيرًا مفاده: «إن فيروسًا من فيروسات المناطق الحارة التي تستوطن الغابات المطيرة يقبع على متن كل رحلة طيران تستغرق أربعًا وعشرين ساعة من كل مدينة على وجه البسيطة.» في حين كتبت جاريت عن البشر المصابين بالعدوى قائلةً: «إنهم يتحركون سريعًا في شتى أنحاء الكوكب.» مع الارتفاع الهائل لأعداد المسافرين جوًّا.

لكن على الرغم مما يبدو عليه فيروس إيبولا أو البكتيريا العقدية من الفئة «أ» من دموية وبشاعة تَأسِر الاهتمام؛ فإن الواقع الممل يقضي بوجود حواجز بيئية واجتماعية جذرية تجعل مثل هذه السيناريوهات الكارثية مستبعدة للغاية؛ فعلى سبيل المثال لا تنتشر الأمراض التي تنتقل عن طريق البعوض مثل الملاريا بدرجة كبيرة في الولايات المتحدة على الرغم من ملاءمة المناخ لذلك؛ نظرًا لانتشار استخدام واقيات النوافذ السلكية. كذلك لا تنتشر الكوليرا بسهولة في الدول المتقدمة؛ نظرًا لارتفاع مستوى مرافق الصرف الصحي.

من الواضح أن مسئولي الصحة العامة يزعجهم ما يحيط بتلك الأمراض «الجديدة» من شعور بالرعب، لكن في عصر ميزانيات البحث المحدودة، لا يسعهم سوى اعتبار ذلك دعاية جيدة جدًّا. ففي الوقت الذي يستنكر فيه عالم الفيروسات فريدريك ميرفي — عميد كلية الطب البيطري في جامعة كاليفورنيا بمدينة ديفيز والخبير المتخصص في فيروس إيبولا — هذه المبالغات، فهو يدعو الباحثين إلى استغلال «حماس» العامة الذي لا يمكن إنكاره حول قضية الأمراض المعدية بهدف الحشد لزيادة التمويل البحثي.

وسائل دعائية بارعة

أطلقت مراكز الولايات المتحدة لمكافحة الأمراض حملة ضخمة للإعلان عن مشكلة الأمراض «الجديدة والناشئة»، ووزَّعت ملفات دعائية معدَّة ببراعة تحذِّر من أن خطر الأمراض المعدية لن ينتهي قريبًا. وفي أوائل هذا العام بدأت هذه المراكز كذلك في نشر دورية جديدة تُدْعَى «إيميرجنج إنفكشس ديزيزز». تضمَّنت إحدى نشرات هذه المراكز تحذيرًا من أن «منظومة الصحة العامة في الدولة غير مستعدة لمواجهة مشاكل الأمراض الناشئة في عالم سريع التغير.» وهو نفس حال أنظمة الرعاية الصحية لدى العديد من الدول الأخرى على حد قول روث بيركلمان، نائب مدير المركز الوطني لمكافحة الأمراض المعدية التابع لمراكز مكافحة الأمراض. تزعم بيركلمان أنه عندما ضرب وباء الإيبولا زائير هذا العام أُرسلت العينات أولًا إلى بلجيكا، لكن هيئات الصحة العامة هناك لم تعد تملك الخبرة اللازمة لتحليلها.

يدافع خبراء الأمراض المعدية بشدة عن أن نجاح اللقاحات والمضادات الحيوية في حد ذاته في الماضي أدى إلى حالة من الرضا بالوضع الراهن اليوم. كذلك فإنهم يشكُون مُرَّ الشكوى من أن من يطلِق عليهم ميرفي «جماعات الحفاظ على الصحة» — بتأكيدهم على العوامل التي ترتبط بنمط الحياة مثل التدخين والنظام الغذائي غير الصحي (وهما من الأسباب الرئيسية للوفاة في الدول المتقدمة حاليًّا) — قد ساهموا في تضليل «المسئولين عن تحديد ميزانيات البحث عبر إقناعهم بأن في وسعهم توفير الكثير من المال» بتقليص التمويل الخاص بمكافحة الأمراض المعدية.

لكن هل يصمد حقًّا الزعم بتهديد موجات الأوبئة المعدية الجديدة للعالم أمام محاولات التدقيق؟ ما من شك في أن التطورات التكنولوجية قد أدت إلى إحداث تغييرات في أنواع الأمراض التي تواجهها جموع البشر، لا سيما في العالم المتقدم. غير أن ثمة العديد من الأدلة كذلك التي تشير إلى عدم التكافؤ بين حجم التهديد ودرجة القلق التي يبديها الخبراء، ناهيك عن حالة الهلع لدى العامة. وعلاوة على ذلك، قد يشجع جزء من هذا القلق والهلع على البحث في الاتجاه الخاطئ عن مسببات عدوى جديدة؛ ففي القرن الحادي والعشرين ربما يأتي الخطر الأكبر من ساندويتشات الهامبرجر الملوثة، لا من أعماق الغابات المطيرة.

لكن في البداية نورد بعض الحقائق المربكة حول أمراض العصر الحاضر «الجديدة والناشئة»، أولًا الكثير منها على الأرجح ليس جديدًا على الإطلاق؛ فمن بين أمثلة الأمراض المعدية الناشئة التي يوردها المسئولون عادةً تفشِّي مرض الكوليرا في بيرو عام ١٩٩١، في أول ظهور للمرض بنصف الكرة الغربي منذ ٧٥ عامًا، وتلوث مصدر المياه المحلي في مدينة ميلواكي بطفيل خَفِيَّة الأَبْواغ، الذي تسبَّب في مرض ٤٠٠ ألف شخص عام ١٩٩٣، إلى جانب حادث حديث العهد شهدته ٤٠ ولاية من الولايات المتحدة حيث مرض ١٠٠ ألف شخص تقريبًا جرَّاء تلوث الأيس كريم ببكتيريا السالمونيلا. لكن عددًا كبيرًا من مسببات الأمراض تلك يصحبها تاريخ موثَّق من البؤس البشري يرجع لمئات أو حتى آلاف السنين. وكثير من الأمراض الأخرى «الجديدة والناشئة» ترتبط على الأرجح بسلالة قديمة نفس هذا القِدَم، لكنها لم تجذب انتباه العلماء سوى مؤخرًا. وقد ذكر عالم الفيروسات بيرنارد لو جينو — الأستاذ بمعهد باستور — أن معظم تلك الأمراض هي قطعًا «فيروسات كانت على الأرجح ستمرُّ قبل عشر سنوات دون ملاحظة أو يخلط بينها وبين أنواع أخرى معروفة.» فعلى سبيل المثال لم يملك الباحثون الأدوات البيولوجية اللازمة للتعرف على مسببات للعدوى مثل فيروس هانتا — وهو عدوى تنفسية حادة تنتشر من خلال فئران الأيل في غرب الولايات المتحدة — سوى مؤخرًا.

كثيرًا ما يربط من لديهم شغف بتلك الأوبئة «الجديدة» هذه المشكلة بقضية إزالة الغابات وغيرها من الأضرار البيئية؛ إذ كان العنوان الفرعي لكتاب جاريت «أمراض حديثة النشأة في عالم فقد التوازن». لكن هذا الزعم يردد نغمة مشئومة بعينها؛ ألا وهي انتقام الطبيعة من البشر، وهي نغمة لا ترتكز إلا على القليل من قواعد المنطق. فمعظم الأمراض التي يعتبرها البعض نتاجًا لاختلال التوازن البيئي هي في الحقيقة بعيدة كلَّ البعد عن هذا التصنيف، فضلًا عن توطُّن العديد من الأمراض الرهيبة منذ آلاف السنين لدى شعوب من المفترض أنها تعيش «في تناغم» مع الطبيعة.

ديدان متوازنة

من أهم الأمثلة على ذلك ديدان غينيا أو داءُ التُّنَينات. ينتقل المرض عبر شُرب مياه ملوثة تحتوي على قشريات بالغة الصغر تشكِّل عائلًا وسيطًا ليرقات الدودة المسببة للعدوى. وخلال عام، تنمو الديدان داخل جسد المصاب حتى يصل طولها إلى متر تقريبًا، ثم تهاجر ببطء إلى سطح الجلد وتبدأ في الخروج على نحو بطيء ومؤلم، وعندما تلمس الدودة البالغة الماء تقذف باليرقات لتكتمل دورة حياتها. يستوطن هذا المرض الهند وأفريقيا والشرق الأوسط منذ أن بدأ البشر العيش بتلك المناطق. ومن وجهة النظر البيئية، يتمتع هذا الطفيل ﺑ «توازن» مثالي مع عائله.

بلا شك زاد النشاط البشري من انتشار بعض الأمراض؛ فعلى سبيل المثال شجَّع تحويل غابات السافانا إلى حقول لزراعة الحبوب في الأرجنتين بعد الحرب العالمية الثانية على حدوث تحول في نوع القوارض السائد؛ مما أدى بدوره إلى انتشار فيروس الحمى النزفية الأرجنتينية. ومؤخرًا، زاد تفشِّي داء لايم في شرق الولايات المتحدة كنتيجة مباشرة لإعادة زراعة الغابات على أراضٍ كانت زراعية في يوم ما. فمع الغابات زادت أعداد الأيل زيادة رهيبة، وهي العائل الذي يحمل قرادة الأيل المسببة لداء لايم.

الانتقام الوهمي

لا شك في أن البشر معرضون جراء أنشطتهم إلى عدد متزايد من الأمراض أو ناقلاتها. لكن فكرة إعداد الطبيعة لأمراض جديدة أشد فتكًا من أي وقت مضى بهدف الانتقام هي وَهْمٌ ليس إلا.

وعلاوة على ذلك يفتقر عدد كبير من الإحصائيات التي تُطرح بغية دعم ظاهرة الأمراض المعدية الناشئة افتقارًا غريبًا للسياق؛ إذ إن ظهور فيروسات الإيبولا والدِّنج والملاريا المقاومة للعقاقير، بل وحتى الإيدز، لم يغيِّر من حقيقة فوز البشر المستمر في معركة مكافحة الأمراض المعدية على مستوى العالم. ففي العالم المتقدم تراجعت الأمراض المعدية على قائمة المسببات الرئيسية للوفاة منذ زمن طويل، وفي إنجلترا وويلز، انخفض معدَّل الوفاة الناتج عن الأمراض المعدية بنسبة ٩٥٪ من عام ١٨٩٠ إلى ١٩٩٠، وانخفض كذلك بنسبة مشابهة في تشيلي من عام ١٩٣٠ إلى ١٩٨٧. وفي عام ١٩٠٢ كانت أسباب الوفاة الثلاثة الرئيسية في الولايات المتحدة هي الالتهاب الرئوي، والدرن، والإسهال. لكن مع حلول عام ١٩٩٤ احتلَّت مكانها أمراض القلب، والسرطان، والسكتة الدماغية. وإجمالًا تسبَّبت الأمراض الطفيلية والمعدية في ١٫٢٪ من الوفيات في العالم المتقدم عام ١٩٩٣، وهو آخر عام تتوافر فيه الأرقام.

وفي العالم النامي — حيث تظل الأمراض المعدية هي سبب الوفاة الرئيسي وهي مسئولة عن ٤١٫٥٪ من إجمالي الوفيات — فإن ما يقتل الملايين من الأشخاص هي الأمراض القديمة. فالأمراض التي يمكن الوقاية منها بسهولة مثل الحصبة، والسعال الديكي، والالتهاب الكبدي الوبائي بي، والإسهال لدى الأطفال تحت سن الخامسة لا تزال تتسبب في وفاة ما يصل إلى ٥ ملايين فرد تقريبًا سنويًّا. تشهد تلك المناطق تقدمًا سريعًا في مواجهة تلك الأمراض، غالبًا عبر إجراءات بسيطة ومباشرة تمامًا مثل برامج التحصين. فعلى سبيل المثال انخفضت حالات شلل الأطفال من ٦٣٠ ألف حالة عام ١٩٨٠ إلى ١١٦ ألف حالة عام ١٩٩٠، وعلى الأرجح سيختفي هذا المرض عن قريب.

وعلى العكس من ذلك، أدى تفشِّي فيروس إيبولا إلى حصد أرواح ٣١٥ فردًا، وهو عدد أقل ٣٠٠٠ مرة من عدد من يَلقَوْن حتفهم سنويًّا جراء الحصبة، وأقل ٢٠ ألف مرة من عدد وفيات السرطان. وإلى الآن تسبَّب تفشِّي فيروس هانتا في الولايات المتحدة إلى إصابة ١١٣ فردًا، توفي منهم ٥٩. وعلى الرغم من كون الرقم مقلقًا، فإنه لا يحتلُّ مكانًا في أي إحصاء لأسباب الوفاة الرئيسية، بل إن ضعف هذا العدد يُقتل في الولايات المتحدة سنويًّا جراء حوادث الاصطدام بين السيارات وبالحيوانات أو بالعربات التي تجرُّها الحيوانات.

نادرًا ما تتناول مراكز مكافحة الأمراض أيًّا من هذه المعلومات في المواد المطبوعة التي تصدرها على نحو رسمي عن الأمراض الجديدة والناشئة، وكجزء من حملتها أعدَّت هذه المراكز مجموعة من شرائح العرض عن «أخطار الأمراض الجديدة والناشئة» ترسلها حاليًّا إلى «الزملاء» في جميع أرجاء الولايات المتحدة مرفقة بخطاب تقديم يشجِّعهم على استخدامها «من أجل نشر الوعي بهذه المشكلة في منطقتك وتشجيع الدعم لإعادة بناء البنية التحتية المنهارة في مجال الوقاية من الأمراض.» ومن بين عدد كبير من شرائح العرض المثيرة للقلق تلك التي توضِّح أسباب الوفاة التسعة الرئيسية للرجال الذين تتراوح أعمارهم بين ٢٥ و٤٤ عامًا في الولايات المتحدة الأمريكية من عام ١٩٨٢ إلى ١٩٩٢، وقد أوضحت الانتشار الكبير لفيروس نقص المناعة المكتسب وتخطِّيه لكافة مسببات الوفاة الأخرى. لكن تلك المجموعة السكانية هي الأكثر تضررًا بفيروس نقص المناعة المكتسب، ولن يتسبب رسم بياني مماثل يعرض أسباب الوفاة الرئيسية لدى إجمالي السكان في إثارة هذا الذعر الشديد، إلا أن تلك البيانات لا تتوافر في أي من منشورات مراكز مكافحة الأمراض حول الأمراض الجديدة والناشئة. وعند مطالبة المراكز بهذه المعلومات، زعم المسئولون في هذه المراكز أن هذه البيانات لا يُعتمد عليها ولا تُظهر الحقيقة.

التكاثر والعدوى

في النهاية، يوجد عدد من الأسباب الجوهرية — أسباب تتعلق بعلم البيئة التطوري — التي تفنِّد بقوة سيناريو الكارثة الذي يتنبأ بظهور فجائي لميكروب خارق يجمع بين قدرات الإيبولا الفتاكة وسرعة انتقال العدوى عبر الهواء كفيروس الإنفلونزا؛ مما يترتب عليه فناء عدد ضخم من الجنس البشري. إن «هدف» الميكروب في الحياة هو التكاثر وإصابة أكبر عدد ممكن من البشر بالعدوى؛ ومن ثم فإن أي ميكروب ينتقل بسهولة عبر الهواء، لكنه يجعل ضحاياه شديدي المرض لدرجة تمنعهم من التنقل ونشر العدوى، يُعتبر ميكروبًا ضعيف التأقلم. القاعدة العامة هي أن الميكروبات الفتاكة هي الأنواع التي تنتشر عبر وسيط مثل المياه؛ مما يسمح لها بمواصلة الانتشار حتى بعد وفاة ضحيتها. وعندما تفشى فيروس الإيبولا في زائير، كان جميع المصابين ممن خالطوا أحد الضحايا مخالطةً وثيقةً، إما أحد العاملين في المستشفى أو أحد الأقرباء المقربين. من ثم تكفي بعض الاحتياطات البسيطة مثل ارتداء الملابس الواقية، والقفازات، والأقنعة، لوقف انتشار الفيروس. فأي ميكروب ينتقل عبر الهواء لا يمكن بطبيعته أن يكون على نفس القدر من الفتك مثل فيروس الإيبولا.

يدفع مسئولو الصحة العامة بأن وجود أمراض لم تكن معلومة من قبل في حد ذاته يعني أننا لا يمكننا أن نخفِّف من حذرنا، رغم الأرقام الأكيدة والمنخفضة نسبيًّا. كما أنهم يستشهدون بفيروس نقص المناعة المكتسب؛ فهو فيروس ظهر فجأة ويقتل حاليًّا مئات الآلاف من الأشخاص كلَّ عام. كذلك يزعم بعض الأشخاص مثل بيركلمان — التي تعمل بأحد مراكز مكافحة الأمراض — أن الاطمئنان إلى إمكانية التنبؤ بالأمراض المعدية الذي هيمن على الفكر العلمي في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين قد انقضى زمنه، مضيفةً: «إن دراسة مسببات الوفاة الرئيسية اليوم لا تتنبأ بالضرورة بمكان انتشار الأمراض المعدية في المستقبل، وهي حقيقة لم يبدأ الناس في إدراكها إلا مع ظهور فيروس نقص المناعة المكتسب.» يشير مسئولو الصحة العامة كذلك إلى العديد من الأمراض المعدية الأخرى التي تتزايد معدلات الإصابة بها دون تفسير واضح، مثل الالتهاب الرئوي وتسمُّم الدم في الولايات المتحدة.

ليس هذا كله سوى ذريعة للإبقاء على المختبرات التشخيصية وطاقم مدرَّب من علماء الفيروسات وعلماء الجراثيم. لكن رغم ذلك تظل الحقيقة هي أن أكبر خطر على الصحة العامة يأتي من أمراض نعرف بالفعل طريقة التعامل معها مثل الحصبة وشلل الأطفال في العالم النامي وعدوى السالمونيلا في الدول الصناعية.

تقدم عدوى السالمونيلا مثالًا توضيحيًّا جيدًا على ذلك. إن حجم شركات الصناعات الغذائية وحده اليوم يعني تزايد المخاطر المحتملة من تلوث الطعام على نحو سريع وكبير؛ فمنذ عقد من الزمان كان تفشي حالة من تسمم الطعام يعني عادةً إصابة ما لا يزيد عن عشرات قليلة من الأفراد، ممن أصيبوا بالتوعك نتيجة لتناول سلطة البطاطس في نزهة الكنيسة مثلًا. لكن اليوم قد يصل عدد المصابين إلى ١٠٠ ألف شخص في شتى أنحاء البلاد، أو حتى على مستوى العالم، نتيجة لتناول هامبرجر من دفعة إنتاج واحدة أعدها ووزعها أحد المصانع الضخمة. تأتي السالمونيلا من بين الأخطار التي سيكون التعامل معها بجدية في صالحنا جميعًا، لكنها ليست خطرًا «جديدًا» على الإطلاق.

15 дек, 2015 04:52:25 PM
0