Перейти к основному содержанию

عقاقير تعديل الذاكرة قد تعيد كتابة الماضي

«هل تذكر يوم ١١ سبتمبر ٢٠٠١، عندما سمعت لأول مرة عن أنباء الهجمات على مركز التجارة العالمي؟ هل تذكر أين كنت عندما رأيت تلك الصور؟ والآن عُدْ بذاكرتك إلى يوم ١٠ سبتمبر، اليوم الذي يسبق الأحداث مباشرة، هل تذكر ذلك اليوم؟ هل تذكر أيَّ شيء عنه؟»

يستخدم روجر بتمان — الطبيب النفسي بكلية طب هارفرد — صيغةً محدَّثة من السؤال الشهير: أين كنت عندما اغتيل الرئيس كينيدي؟ من أجل إبراز نقطة هامة، فبينما لا يسع سوى القليل منا تذكر يوم عاديٍّ منذ أربع سنوات، تظل أحداث ١١ سبتمبر محفورة في عقول الكثير منا على نحو لا يمكن محوه. يوضح بتمان أن الدماغ يتعامل مع ذكريات الأحداث الصادمة أو تلك المشحونة بالمشاعر على نحو يختلف عن الأحداث العادية؛ إذ تُطبع تلك الأحداث بصورة أعمق داخل عقولنا وتظل عالقة بالذاكرة لفترة أطول.

يوجد سبب وجيه يبرر حدوث ذلك؛ فمن منظور تطوري، يحقق تعليق أهمية خاصة على الأحداث المشحونة بالعواطف ميزة؛ لأنه يمكِّننا من الاستجابة على نحو أفضل في المرة القادمة، لكن في بعض الأحيان لا تأتي تلك الميزة دون مقابل، فثلث من يمرون مباشرة بحدث صادم يصابون باضطراب ما بعد الصدمة.

وسواء نتج اضطراب ما بعد الصدمة عن هجمة إرهابية أو كارثة طبيعية، عن جريمة عنيفة أو حادث سيارة، فقد تجتاح المصابين به نوبات استرجاع لمشاهد مروعة، وقد يعانون كذلك من خوف تعجيزي كردِّ فعل لما يذكرهم بصدمتهم. وقد يتسبب اضطراب ما بعد الصدمة في درجة من الوهن، حتى إنه يمنع المصابين به من عيش حياة طبيعية، وربما يدوم طيلة حياتهم.

إنَّ لجميع علاجات اضطراب ما بعد الصدمة المتاحة عيوبَها، لكن في السنوات القليلة الأخيرة تسبب نهج علاجي جديد في إحداث حراك لم يقتصر على هذا المجال فحسب؛ إذ تدفع تطورات بارزة في فهمنا لطريقة تكوين الدماغ للذكريات واستعادتها علماءَ الأعصاب إلى اختبار عقاقير تستطيع حجب أو مسح الذكريات الصعبة على النفس على المستوى الجزيئي. وبالنسبة لمن يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة المزمن، يعدُّ ذلك طوق نجاة محتملًا لم يجرؤ على الحلم به سوى قليلين، وتشير النتائج الأولية إلى معدل نجاح يفوق العلاجات المتوفرة بكثير. يعلق بتمان على ذلك قائلًا: «إنه يمثل أحد أكثر الاكتشافات إثارة في تاريخ علم النفس الفسيولوجي.»

محو الإحساس بالذنب

لا يشعر الجميع بالارتياح التامِّ حيال فكرة تطوير عقاقير لتعديل الذكريات غير المرغوب فيها. فالذكريات تشكل جزءًا كبيرًا مما تعنيه كلمة إنسان؛ فما الذي سيعنيه استئصال بعضٍ منها على نحو انتقائي؟ لن يرحب كثيرون بفكرة إعطاء الجنود عقارًا يجعل ذكرى قتل شخص ما أقل إزعاجًا من ذكرى تنظيف أحذيتهم. وعلاوة على ذلك، إذا كان من الممكن استهداف الذكريات المخيفة مباشرة على هذا النحو، فماذا عن الأنواع الأخرى من الذكريات العاطفية؟ فربما يصبح من الممكن تطوير عقاقير تعدل ذكرياتنا بصورة تجميلية مزيلةً آثار الشعور بالخزي أو الذنب أو الحزن.

قد يبدو اضطراب ما بعد الصدمة مرضًا حديثًا للغاية، لكن وصف هذه الحالة المرضية يرجع إلى عصر مصر القديمة. وقبل عهد غير بعيد، شُخِّص الجنود العائدون من الحرب العالمية الأولى بالإصابة ﺑ «صدمة القصف»، لكن الجمعية الأمريكية للطب النفسي لم تُضف اضطراب ما بعد الصدمة إلى قائمتها الخاصة بالاضطرابات العقلية المعروفة إلا عام ١٩٨٠.

تتوفر العديد من العلاجات لاضطراب ما بعد الصدمة، لكن معدلات نجاحها تتفاوت تفاوتًا كبيرًا؛ فأكثر من نصف المرضى يشعرون ببعض التحسن، لكن لا يحقق الشفاء التام سوى القليل بينما لا تجدي جميع أنواع العلاج نفعًا مع نسبة كبيرة من المرضى. لهذا السبب أحدثت فكرة تعديل الذكريات هذه الضجة. لكن كيف يمكن استهداف الذكريات المخيفة المرتبطة باضطراب ما بعد الصدمة دون محو الذكريات الأخرى كذلك؟ تكْمُن الإجابة في الطريقة الخاصة التي يعالج بها الدماغ التجارب المشحونة عاطفيًّا.

تدخل المحفزات الصادرة عن أعضاء الحس باستمرار إلى الدماغ وتحتشد في المهاد البصري، وهو بمثابة مركز تبادل معلومات خاص بالحواس. ومن هناك تُرسل المعلومات سريعًا عبر مسار سريع إلى منطقة تشبه في تكوينها حبة اللوز داخل الجزء الأمامي من الدماغ والمعروفة باللوزة الدماغية بهدف إجراء تقييم أولي «للطبيعة العاطفية» للمحفزات. إذا تعرفت اللوزة الدماغية على مكون يحتمل كونه مُهددًا — مثل صرير فرامل صادر عن مركبة ضخمة أو شكل ملتوٍ على الأرض يُحتمل أن يكون ثعبانًا — فإنها تثير استجابات التوتر لدى الجسم: ألا وهي دفقة نمطية من هرموني الأدرينالين والنورأدرينالين تدفعه إما إلى «القتال أو الهرب».

يعلق بتمان على هذا قائلًا: «إنها استجابة سريعة وسهلة؛ إذ تثير اللوزة الدماغية استجابة خوف سريعة كي تتيح للجسم المبادرة بالهروب.» وبالتزامن مع هذه الاستجابة «السريعة والسهلة» تأخذ مسارات أخرى الإشارات من المهاد البصري إلى مناطق أكثر تعقيدًا بالدماغ من أجل إجراء تحليل أكثر تمحيصًا لتقرير ما إذا كانت هذه المحفزات تمثل تهديدًا أم لا. فيقول بتمان: «إذا اتضح على سبيل المثال أن الشكل الملتوي فوق العشب لا يعدو كونه جزءًا من خرطوم مياه، فإن قشرة الفص الجبهي تكبح رد فعل اللوزة الدماغية.»

لكن إذا اتضح أن المحفزات تمثل تهديدًا حقيقيًّا، فإن هرموني الأدرينالين والنورأدرينالين يثيران تتابعًا من ردود الفعل في اللوزة الدماغية، والتي تعطي بعد ذلك تعليمات إلى الحصين — مركز الذاكرة بالدماغ — لمعالجة ذكرى تلك المحفزات الباعثة على الخوف بأسلوب خاص، فتطبعها في الذهن على نحو أعمق من المعتاد. يقول كريس بروين، إخصائي اضطراب ما بعد الصدمة لدى عيادة التوتر الناجم عن الصدمات في لندن: «إن هذا الدعم للذكرى الناجمة عن التوتر عبارة عن آلية تطورت من أجل البقاء، فثمة شيء يمثل تهديدًا جدِّيًّا يجب تذكُّره، ومن ثم فإنك في المستقبل تكون مستعدًّا برد فعل سريع.»

وعلى مرِّ الشهور القليلة التالية، قد يتسبب أي محفز يشبه تلك المحفزات التي تعرض لها الفرد أثناء الصدمة الأصلية — حتى المحفزات غير المؤذية — في إثارة استجابة توتر مبالغ فيها في اللوزة الدماغية. بعد فترة يدرك معظم الأشخاص أن تلك المحفزات ليست تهديدًا، ومن ثم تخلق أدمغتهم ممرات عصبية جديدة تبطل الممرات القديمة رغم أنها لا تمحوها. يطلق على هذه العملية اسم الانطفاء. لكن لدى بعض الناس — ما يصل إلى ٣٠٪ من أولئك الذين تعرضوا مباشرة للقصف على سبيل المثال — لا تنجح هذه الآلية، وبالتالي تفشل قشرة الفص الجبهي بانتظام في كبح جماح اللوزة الدماغية مما ينتج عنه الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.

يبحث بتمان وغيره من الباحثين في الآونة الأخيرة طرقًا للتدخل مباشرة في تكوين الذكريات كوسيلة لمكافحة هذا الاضطراب. ويرجع أصل الفكرة إلى تسعينيات القرن العشرين عندما اكتشف الباحثون الذين أجروا تجاربهم على الفئران أنه من الممكن تخفيف التأثير المعزز للخوف على تكوين الذكريات باستخدام «حاصرات مستقبلات بِيتا»، وهو نوع من العقاقير المستخدمة على نطاق واسع للتحكم في ضغط الدم. تتحد «حاصرات مستقبلات بيتا» مع المستقبلات الموجودة على سطح الخلية، والتي تتحد عادةً مع هرموني الأدرينالين والنورأدرينالين، وبالتالي تعطل تأثيراتهما البيولوجية، ومن ضمنها التأثير على تكوين الذكريات.

عام ٢٠٠١ اختبر بتمان هذه الفكرة على البشر؛ إذ وضع نظامًا تنبيهيًّا لدى غرفة الطوارئ في مستشفى ماساتشوستس العام، بحيث يعرض على الأفراد الذين ينقلون إلى المستشفى عقب حادث صادم كحوادث السير أو الاغتصاب خيار المشاركة في التجربة، وأعطي من وافقوا على المشاركة إما قرصًا من «حاصرات مستقبلات بيتا» من نوع بروبرانولول أو دواءً وهميًّا.

بعد ذلك طلب بتمان من المشاركين وصف الحدث الصادم الذي تعرضوا إليه، وسجل قصصهم على شريط تسجيل صوتي، وعقب مرور ثلاثة أشهر طلب منهم تخيُّل الحادث أثناء الاستماع إلى التسجيل بينما أخذ يراقب معدل ضربات قلبهم وغيرها من التفاعلات الفيسيولوجية. في المجموعة التي تناولت الدواء الوهمي، أظهر ٤٣٪ من المشاركين أعراضًا تدل على التوتر مثل زيادة معدل ضربات القلب ونسبة العرق. وعلى النقيض تمامًا، لم يُظهر أي ممن تلقوا البروبرانولول أعراض توتر مفرط (دورية بايولوجيكال سايكايتري، المجلد ٥١، صفحة ١٨٩).

ورغم كونها دراسة صغيرة — إذ لم يكمل الدراسة سوى ٢٢ شخصًا — فإن نتائجها أثارت قدرًا كبيرًا من الاهتمام، يوضح بتمان ذلك قائلًا: «كانت المرة الأولى التي أمكن فيها منع الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة عبر تناول عقار.»

لا تزال الفرصة سانحة

علاوة على ذلك، قد تستطيع حاصرات بيتا تحقيق ما هو أكثر من مجرد منع الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، فربما يمكنها معالجة هذه الحالة المرضية بعد ظهورها، بل قد تتمكن من علاجها بعد عقود من الإصابة بها. ففي بضع السنوات الماضية اكتشف علماء الأعصاب أن الذكريات تتمتع بطبيعة أكثر مرونة مما كنا نتخيل في السابق (مجلة نيو ساينتيست، ٣ مايو ٢٠٠٣، صفحة ٢٦). فعندما أجرى الباحثون بجامعة ماكجيل في مونتريال بكندا تجارب على الفئران التي جرى تكييفها على الخوف من صوت معين غير مؤذٍ، اكتشفوا أنه في كل مرة يسمع فيها الفئران هذا الصوت فإن ذكرى الخوف لديها تصبح غير مستقرة من جديد لمدة قصيرة مما يتيح تغييرها. يشير ذلك إلى أن الذكريات التي تبدو محفورة في الذهن منذ زمن طويل يمكن تطويعها إذا جرى استعادتها في ظل ظروف انفعالية، فيقول بتمان: «يتيح هذا فرصة ثانية مهمة.»

ويجري بتمان هذا العام تجربة تتضمن أكثر من ٢٠ شخصًا ممن يعانون من حالة راسخة من اضطراب ما بعد الصدمة، والذين تلقوا إما عقار البروبرانولول أو دواءً وهميًّا. وقد سجل في هذه التجربة كذلك وصف كل فرد للحادث المحفز، ثم جعل المشاركين يستمعون إلى هذه التسجيلات بعد ثلاثة أشهر بينما كان يقيس استجاباتهم الفسيولوجية، ويخطط بتمان لإعلان النتائج أثناء العام الجديد.

كذلك يخطط فريق آخر من الباحثين يضم مارجريت ألتيمس من جامعة كورنيل بمدينة نيويورك، وجوزيف لودو من جامعة نيويورك دراسة علاج البروبرانولول عبر السماح للمصابين باضطراب ما بعد الصدمة بتعاطي العقار بأنفسهم أثناء استرجاع مشاهد الحدث الذي أصابهم بالصدمة، عندما تصبح الذكرى أيضًا غير مستقرة.

تركز تلك التجارب على المصابين باضطراب ما بعد الصدمة أو المعرضين لخطر الإصابة به، لكن — بحسب بتمان — فإن أي ذكرى عاطفية قوية — بدءًا من الفوز باليانصيب إلى موت شخص عزيز — من الممكن تخفيف حدتها عبر نفس العملية: «إن الذكريات العاطفية مطبوعة في الذهن بصورة مبالغ فيها، ويستطيع عقار بروبرانولول اختزال تلك الذكريات إلى مستوى الذكريات العادية غير المشحونة عاطفيًّا.»

وبالطبع يعني ذلك أنه إذا تذكر المريض مصادفةً ذكرى مختلفة مشحونة عاطفيًّا — قد تكون ذكرى ذات قيمة كبيرة له — أثناء خضوعه للعلاج من اضطراب ما بعد الصدمة، فقد تتلاشى تلك الذكرى كذلك في خلفية ذكرياته. يقرُّ بتمان بأن ذلك عامل مخاطرة حقيقية رغم أنه لم يدرسه بعد.

في غضون ذلك، بدأ باحثون آخرون في دراسة الصلة بين الكورتيزول — هرمون يرتبط بالاستجابة للتوتر — واضطراب ما بعد الصدمة. كان أول من لاحظ الصلة بين الكورتيزول واضطراب ما بعد الصدمة هو جوستاف شيلينج، طبيب بالعناية المركزة في مستشفى جامعة لودفيج ماكسيميليان في مدينة ميونخ بألمانيا. يعالج شيلينج الكثير من المصابين بالصدمة الإنتانية، وهي حالة مرضية قد تصبح مميتة، تنتج عن رد فعل مبالغ فيه للجهاز المناعي. غالبًا ما يعاني المصابون بهذه الحالة من إجهاد وألم قاسٍ، ومن الشائع بينهم الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.

أحد العلاجات المستخدمة مع الصدمة الإنتانية هو الهيدروكورتيزون، وهو عبارة عن نوع اصطناعي من الكورتيزول ومثبط قوي للمناعة. لاحظ شيلنج أن اضطراب ما بعد الصدمة يبدو أقل شيوعًا لدى من تلقوا علاجًا بالهيدروكورتيزون؛ لذا أعاد تحليل البيانات الخاصة بتجربة صغيرة للمقارنة بين دواء وهمي ودواء حقيقي أجرتها المستشفى التي يعمل بها لتحديد فعالية الهيدروكورتيزون في معالجة الصدمة الإنتانية. وقد وجد أن سبعة من أصل ١١ فردًا (٦٤٪) في المجموعة التي تلقت الدواء الوهمي أصيبوا باضطراب ما بعد الصدمة، مقارنة بتسعة فحسب من أصل ٢٠ فردًا (٤٥٪) في المجموعة التي تلقت الهيدروكورتيزون.

ورغم أن دور الكورتيزول في اضطراب ما بعد الصدمة غير مفهوم بالكامل بعد، فإن هذا الهرمون معروف بقدرته على كبح استرجاع الذكريات، ربما عبر تحويل سكر الدم بعيدًا عن الحصين وفي اتجاه العضلات كجزء من استجابة التوتر. وهي ظاهرة مألوفة لدى الممثلين، فعندما تصيبهم نوبة من رهاب المسرح تتحول ذاكرتهم إلى صفحة بيضاء.

وقد اتضح أن المصابين باضطراب ما بعد الصدمة لديهم مستويات قاعدية من الكورتيزول أقل بكثير في أدمغتهم. وبالتالي — كما يعتقد بعض الباحثين — قد تكون ذكرياتهم العاطفية أسهل في الاسترجاع، مما يترتب عليه استرجاعهم لمشاهد حية أو استعادة متكررة لبعض الذكريات. يعتقد شيلنج أن إعاقة استرجاع الذكريات أثناء الأحداث المفعمة بالتوتر مثل الصدمة الإنتانية تقي بطريقة ما من الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.

كما يجري حاليًّا دراسة الهيدروكورتيزون كعلاج للحالات المؤكدة من اضطراب ما بعد الصدمة؛ فعلى سبيل المثال، أعطى الطبيب النفسي دومينيك دي كيرفان من جامعة زيورخ بسويسرا ثلاثة من المصابين بحالة مزمنة من اضطراب ما بعد الصدمة جرعة يومية منخفضة من الكورتيزول لمدة شهر، ثم طلب منهم تقييم أي تغيير في شدة الأعراض التي تظهر عليهم. وقد ذكر جميعهم أن شدة الأعراض قلَّت بحوالي الثلث دون أي أعراض جانبية أو تغييرات في الذكريات الأخرى (دورية ذي أمريكان جورنال أوف سايكايتري، المجلد ١٦١، صفحة ١٤٨٨).

كذلك يحاول ريتشارد براينت — طبيب نفسي متخصص في اضطراب ما بعد الصدمة بجامعة نيو ساوث ويلز في مدينة سيدني، بأستراليا — استخدام منهج مختلف؛ إذ يستخدم عقار دي-سيكلوسيرين، وهو عبارة عن مضاد حيوي يُوصف عادةً لمرضى السُّلِّ. اختار براينت هذا العقار لأن أحد آثاره الجانبية هو تحفيز إفراز مركب كيميائي في الدماغ يُدعى جلوتامات، معروف بقدرته على تحسين القدرة على التعلم، ولهذا السبب يعطى هذا العقار في بعض الأحيان لمرضى ألزهايمر كمعزز للذاكرة. تتمحور فكرته حول استخدام عقار دي-سيكلوسيرين بجانب العلاج السلوكي المعرفي لمحاولة دعم عملية تلاشي الذكريات الطبيعية ومنع الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة لدى من تعرضوا مؤخرًا لأحداث صادمة. لم تكتمل هذه الدراسة بعد، لكن نتائجها تبدو حتى الآن مثيرة للإعجاب، على حد قول براينت.

لا يزال الوقت مبكرًا على تطبيق جميع تلك المناهج، لكن يبدو بالفعل أن عقاقير تعديل الذاكرة تمثل نهجًا واعدًا لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة، وربما تتحسن على نحو أكبر متى توفرت عقاقير معدة خِصِّيصَى لتعديل الذاكرة بدلًا من الاكتفاء باستغلال الأعراض الجانبية لعقاقير أخرى متوفرة. ويقول براينت: «يعتبر ذلك على الأرجح أول تقارب جدِّيٍّ بين العلاج النفسي وعلم الأعصاب؛ لذا يبدو الأمر رائعًا ومثيرًا للاهتمام.»

إلا أن فهمنا المتزايد للذاكرة وطرق التلاعب بها قد يتمخض عنه نتائج عميقة الأثر تتعدى نطاق اضطراب ما بعد الصدمة. فقد تتمكن القدرة على إعاقة الذكريات الصادمة أو المتكررة من إنهاء كوابيس بعض الأفراد، لكن ماذا عن الذكريات التي تقتصر على كونها غير مرغوب فيها وليست ذكريات مرضية؟ هل يصح أن تدفعنا المواقف المهينة أو المحرجة أو المحزنة إلى ابتلاع عقار للنسيان؟ يقول ريتشارد جلين بوير الذي يعمل لدى مركز حرية الإدراك والأخلاقيات في مدينة دافيس بولاية كاليفورنيا: «يميل الناس إلى تصور العقاقير المعدلة للذاكرة باعتبارها خيالًا علميًّا، وهو اعتقاد غير صحيح؛ إذ ستصبح تلك العقاقير متاحة في غضون خمس إلى عشر سنوات وسوف تغير حياتنا كليَّةً؛ فعندما نتحدث عن تعديل ذكريات الفرد، فإننا نتحدث في الواقع عن تعديل الجزء الرئيسي لما يشكل كينونة الإنسان.»

على الرغم من ذلك يؤمن بوير بأنه ينبغي أن يتمتع الأفراد بحق التحكم في ذكرياتهم الخاصة، فيقول: «لن أزعم أنه يجب منع أحد الناجين من الهولوكوست من محو الذكريات المؤلمة، فقط كي يستطيع المجتمع «الانتفاع» من تجاربه ليس إلا.» لكنه يشير كذلك إلى بعض المشكلات المحتملة، فماذا لو تناول المجرمون عقارًا يمحو الذاكرة كي لا يستطيعوا تذكر جرائمهم واقتنعوا أنهم لم يرتكبوها قط؟ وهل يصح أن يُسمح للأفراد بإعادة كتابة ذكريات الآخرين؟

ثمة خبراء آخرون لا يشعرون بارتياح مماثل حيال هذه الفكرة؛ فيقول إيريك كاندل، الباحث المتخصص في مجال الذاكرة بجامعة كولومبيا في مدينة نيويورك والفائز بجائزة نوبل: «قطعًا لن أرغب في إعادة كتابة الماضي. إن الشخص الذي مرَّ بتجربة ما ويشعر بالذنب حيالها تزعجه هذه الذكريات لسبب معين. إن الكوابيس تجعل منه شخصًا أفضل لأنه سيدرك تداعيات أفعاله، فيدرك أن إيذاء الآخرين يُولِّد شعورًا بالذنب. وأنا أعتقد أن تلك العقاقير من شأنها أن تجعلنا أشخاصًا أسوأ.»

ويضيف كاندل: «لم يعد هناك شك في أن التكنولوجيا التي تستطيع تنفيذ هذا النوع من محو الذاكرة ستصبح متوفرة. ويجب علينا الآن تحديد ما إذا كانت مقبولة من الناحية الأخلاقية أم لا.»

علاج اضطراب ما بعد الصدمة

العلاج السلوكي المعرفي

هو نوع من العلاج النفسي يحاول تعليم الأفراد كيفية التعرف على الأفكار المزعجة وتغييرها. ويُشجع المرضى على مناقشة الحادث المخيف مع معالجيهم بهدف تعلم كيفية الاستجابة لهذه الذكريات بصورة طبيعية أكثر. وهو أسلوب علاجي توصي به منظمة الصحة العالمية.

إزالة الحساسية بحركة العين وإعادة المعالجة

علاج مثير للجدل طُوِّر في الولايات المتحدة عام ١٩٨٩. ويتضمن جعل المريض يفكر في الحادث الصادم الذي تعرض له بينما يراقب حركة شيء ما كأصبع المعالج أو قلم. إلا أن طريقة عمل هذا العلاج أو مدى نجاحه لا تزال غير واضحة.

استخلاص المعلومات

قد يكون هذا العلاج أكثر إثارة للجدل. وهو عبارة عن جلسة تُجرى مرة واحدة مع معالج — عادة ما تكون وسط مجموعة — بعد بضعة أيام من الحادث الصادم. استُخدم هذا العلاج على نطاق واسع لكن الدراسات الحديثة تشير إلى احتمال كونه يرفع في الحقيقة من خطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، وقد انتقدت منظمة الصحة العالمية مؤخرًا هذا الأسلوب العلاجي انتقادًا شديدًا.

العقاقير

قد تساعد العقاقير المضادة للقلق مثل الباروكسيتين — أحد عقاقير مجموعة بروزاك — على تقليل بعض الأعراض مثل الذعر أو الاكتئاب لكنها أقل فعالية حيال أعراض أخرى مثل الذكريات المتكررة والكوابيس.

25 дек, 2015 08:39:04 PM
0