الرواية الإماراتية أفاقت من سباتها
يركز الأديب عبدالله النعيمي في كتاباته، على العلاقات بين الرجل والمرأة. وتحمل قصص إبداعاته الكثير من الدروس المفيدة لجيل الشباب، كما أنه يبدو في ما يبدعه باحثاً دائماً لا يتوقف، عن ترسيخ ونشر قيم الخير والحق والجمال في المجتمعات.
ولدى عبدالله النعيمي إصدارات عديدة تتميز كل واحدة بنكهة مختلفة وتلقى رواجاً بين الشباب ويتهافت القراء على شراء كتبه فور صدورها، حيث تنفد من دور البيع سريعاً. ويرجع ذلك لوصول أفكاره بطريقة سهلة وممتعة، إضافة إلى استمتاع القراء بالمواضيع التي يتناولها في كتبه.
وهو يحكي في حواره مع «بيان الكتب»، عن توجهه وخياراته الإبداعية، وما يقتدي به من رؤى وأهداف. كما يسرد الكثير من القضايا والجوانب بشأن كتابه الأخير «الكوميدينو»، الذي لاقى كبير الإقبال، ونفدت نسخه سريعاً خلال معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته المنقضية. ويشدد الكاتب على أن الرواية الإماراتية باتت الآن في أحسن أحوالها، وتخطت مرحلة السبات التي عاشتها طوال سنوات مضت.
ما محور الحبكة في كتابك الجديد «الكوميدينو».. وما سبب اختيارك هذا العنوان؟
فكرة الكتاب أستطيع أن أقول إنها من بنات أفكار القراء الكرام، الذين طالبوني طيلة السنوات الخمس الأخيرة، بأن أصدر كتاباً يتضمن أفكاري الخاصة ذات العلاقة بمواضيع الحب، والعلاقة التي تربط الرجل بالمرأة، وقضايا أخرى عديدة تثير الكثير من الجدل عند مناقشتها بصوتٍ مسموع.
وجاءت هذه المطالبات في مناسبات عديدة، مثل: الندوات والأمسيات والمؤتمرات وحفلات التوقيع ومعارض الكتب.. والحوارات التي أثيرها من حين لآخر في مواقع التواصل الاجتماعي. أما لماذا «الكوميدينو»: «الطاولة الصغيرة التي توضع بجانب السرير»؟ فهذا لأنه يجب أن يبقى قريباً من القارئ، فوق الكوميدينو المجاور لسريره، يقبس منه درساً أو درسين قبل أن ينام.
الهامش الأكبر
تتميز كتاباتك بتناول العلاقة بين الرجل والمرأة، ونجدك غالباً تميل للوقوف بجانب وتنصفها المرأة، وكأنك تتحدث عن حالها.
نعم، فالكاتب الناجح هو الذي لديه قضية تستحوذ على هامش كبير من التفكير، والعلاقة المتأزمة ما بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا العربية عموماً تستحوذ فعلاً على هامش كبير من تفكيري.
مراحل الفقد
تتحدث في إبداعك الأخير عن مراحل الفقد الخمس. كيف توصّفها؟ وما أسبابها الأساسية؟
هي مراحل صعبة يمر بها الزوجان المُتحابان بعد وقوع الطلاق البائن، وانتهاء كل شيء. تبدأ بمرحلة الإنكار، وتنتهي بمرحلة التأقلم وتقبل الواقع.. مروراً بمراحل التعبير عن الغضب والبكاء الداخلي والاكتئاب، وهي أخطر مراحل الفقد.
ما تقييمك للرواية في الإمارات؟
الرواية الإماراتية بدأت بشكل جيد في السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الفائت، ورأينا أعمالاً قوية مثل رواية «شاهندة» لمعالي راشد عبدالله النعيمي «وزير الخارجية سابقاً في الإمارات»، و«الاعتراف» للأديب علي أبو الريش.
ولكنها بعد ذلك دخلت في غيبوبة طويلة بسبب انكفاء الوسط الثقافي على نفسه، وانعزاله عن المحيط العام، فأصبح الروائي الإماراتي يكتب لنفسه وللدائرة المحيطة به فقط، وهذا أثر بشكل سلبي جداً على الرواية الإماراتية وأفقدها القدرة على التطور والانتشار والتأثير.
إلا أنه في السنوات الخمس الأخيرة تغيرت حالها، فرأينا زيادة كبيرة في دور النشر والإصدارات، وخرجت الأعمال الإماراتية من إطارها المحلي الذي ظلت أسيرة له قرابة 40 عاماً، وبدأت في تلمس طريقها إلى الخارج، وبمرور الوقت سيحدث فرز أدبي عام، يُميز الجيد من الرديء.
أصدرت عدة روايات وكتب، ما الأنجح والأكثر مبيعاً من بينها؟
كل عمل حقق نجاحاً من نوع خاص، فرواية «اسبريسو» حققت انتشاراً واسعاً، وصنعت لي اسماً في السوق. ورواية «البانسيون» قدمت من خلالها أفكاري كباحث في قضايا المرأة.
أما روايتي الثالثة «قمر الرياض» فحصلت من خلالها على موضع قدم في السوق السعودية الكبيرة.. وهو هدف مهم جداً يسعى الكثير من الكتاب لتحقيقه.. أما كتابي الأخير «الكوميدينو» فهو التحدي الأكبر لي في مسيرتي الكتابية، والمبيعات العالية التي يحققها حالياً تحفزني لإصدار جزء ثانٍ منه، قد يرى النور في معرض الشارقة الدولي للكتاب بدورته المقبلة.
متى يكتب عبدالله النعيمي؟ وأين يفضل الكتابة؟ وهل تختار أن تكتب لشريحة معينة؟
لدي مقاه معينة اعتدت على الكتابة فيها وتربطني بالعاملين فيها علاقة صداقة ومودة. وألقى منهم أجمل صور التعاون والدعم. بعضهم يقدم لي أكواب قهوة مجانية، والبعض الآخر يحجز لي طاولتي المفضلة دون طلب، ومنهم من يحتفل معي بكل كتاب أنجزه.
أجواء المقاهي بالنسبة لي مثالية جداً للكتابة، فهي مُفعمة بالحياة.. وفي أحيان كثيرة أتفاجأ بأحد قرائي يدنو مني ليُلقي علي التحية ويتجاذب معي أطراف الحديث. إنها تفاصيل جميلة، لا يعرف سحرها إلا من يعيشها.
وأنا أكتب للجميع، وأركز بشكل خاص على الشباب من الجنسين، لأن المستقبل يرتكز عليهم.
«الكوميدينو»..دروس تمهد دروب نجاحنا
يقدم الكاتب عبدالله النعيمي في كتابه «الكوميدينو..دروس في الحب والحياة»، إرشادات وقصصاً تشرح أجدى طرق التعايش الخلاق بين المرأة والرجل.
وعن سبب إصدار الكتاب يقول: في جلسة حوار جمعتني بمجموعة من الأديبات والأدباء في دولة عربية شقيقة، احتد الحوار بيننا حول قضايا اجتماعية وإنسانية وفكرية وعاطفية شائكة، مثل: دور المرأة في المجتمع، والثقافة الذكورية، وإيجابيات وسلبيات الاختلاط بين الجنسين، وخروج المرأة للعمل، وماهية الحب الحقيقي، وغيرها من القضايا التي لا يخلو مجتمع عربي منها.
ونقرأ في الكتاب الكثير من المواقف والقصص المؤثرة التي يحاول معها الكاتب أن ينصف المرأة ويخرجها من متاهات الانتقاص من دورها وقيمتها.
ويتحدث الكاتب عن أهم وأبرز المواقف التي انبنت عليها فكرة كتابه ودفعته ليكتب عن هذا الموضوع : بينما تعالت الأصوات وتداخلت، لذت أنا بالصمت المطبق، وفي نهاية الجلسة عاد كل منا إلى غرفته في مقر إقامة الوفود، وقبل أن تستسلم أجفاني للنوم، جاءتني مكالمة غير متوقعة من إحدى المشاركات في الجلسة.
وكانت أكبر سناً وأكثرنا خبرة وتجربة، وكان مما قالته: «لفت انتباهي صمتك يا صديقي الصغير برغم نظراتك الملأى بالكلام، اكتب يا عبدالله، فالصامتون المنصتون هم أقدر الناس على تقديم الأجوبة، اكتب، وعبر عن أفكار جيلك، واجعل قلمك يبوح بدالاً من لسانك، فما يبوح به القلم أكثر خلوداً في الذاكرة مما تبوح به الألسنة، ولو كان بوحاً صامتاً لا يسمع له صوت».
كتاب ليس للرفوف
ويتابع المؤلف: قلت لها، لكن الناس انصرفوا عن القراءة. ردت: لا تكتب كتاباً لرفوف المكتبات، اكتبه للكوميدينو.
سألتها دهشاً: ماذا تقصدين ؟ أجابت: اكتب كتاباً صديقاً للإنسان، يضعه على الكوميدينو المجاور لسريره، وقبل أن ينام، يقلب بعض صفحاته.
ضعف كامن
يسرد لنا الكاتب في أحد فصول الكتاب، والذي يحمل عنوان «المشاعر غير المحسومة»، عن معاناة امرأة، والتي هي جزء من معاناة إنسانية عامة لم تنقطع على مر التاريخ، تنجم عن الضعف الكامن في أعماق نفوسنا، الضعف الذي يجعلنا في حالة عجز عن حسم مشاعرنا تجاه أشخاص تسللوا إلى قلوبنا على حين غفلة، فلم نفتح لهم الأبواب كاملة، ولم نوصدها تماماً في وجوههم.
نحن نسير معهم في طريق شديد العتمة، يلفه الضباب من كل جانب، ولا نعلم الى أين يفضي بنا: إلى قمة شاهقة، أم هاوية شديدة الانحدار؟ نحن نمضي برفقة الطارئ الجديد بأنانية مفرطة، تجعلنا لا نفكر إلا في أنفسنا، وندير ظهورنا لأي شيء آخر، ولولا هذه الأنانية، لما تشكل الضباب من الأساس.
«طي الكتمان»
ويشير عبدالله النعيمي، بأسلوب رشيق وممتع، إلى أن ما يحدث في النهاية يتوقف على موعد تحررنا من الأنانية، وكلما تأخر توقيت هذا التحرر جاءت النهاية أكثر سواداً ومأساوية.
ومما يأتي في مقطع من ضمن المقاطع المتنوعة في الكتاب: «احتفظت بعلاقتها معه طي الكتمان، مدة ليست بالقصيرة، إذ إن خروج هذه العلاقة إلى العلن أمر محفوف بالمخاطر، فنظرة أبنائها الخمسة لها قد تتأثر إن عرفوا بأن ثمة طارئاً جديداً في حياة أمهم العصامية الناجحة، التي تكفلت برعايتهم طوال السنين الماضية بكفاءة منقطعة النظير، هذا بالنسبة لها كونها أرملة شابة».