Перейти к основному содержанию
شاعرتان مصريتان تتأملان فضاءات الأمومة في ديوان مشترك

في كتاب واحد تبدأ الشاعرة المصرية سارة عابدين (المقيمة في القاهرة) حواراً لا ينتهي مع الشاعرة المصرية مروة أبو ضيف (المقيمة في كندا). يُقدّم ديوان «وبيننا حديقة» (دار روافد-2017) شكلاً جديداً للصوت الشعري، والحق أنه قديم راسخ في الثقافة العربية تجلّى في مبارزات الشعراء واستعراضهم للحيل البلاغية وسرعة نظم القافية. لكنّ الجدة هذه المرة تأتي من التعامل النسوي مع التفاعل الشعري، من خلال حوار عميق ينبش طبقات الحزن المتراكمة ويزيل عنها الغبار لتغدو جديدة، فتستحيل القصيدة فكرة، والشعر أصلاً فكرة.

حوار لا يغفل بقية أفراد الأسرة الأمومية، فيبدأ الديوان باقتباس من قصيدة آنا سوير البولندية التي ترجمتها الشاعرة ايمان مرسال في كتيّبها «كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها». تزرع الشاعرتان- سارة ومروة- حديقة مملوءة بأشباح الأمومة وآلامها وأفراحها وأوجاعها. لكنّ الديوان ليس عن الأمومة إنما عن الذات التي تجد نفسها في ورطة الأمومة، ورطة كاملة لا يشبهها سوى الوضع الذي اختاره الفنان رودان لعمله الرائع «المفكر». ففي وضعية المفكر تظهر ورطة الوجود الانساني بأكمله. ورطة الأمومة لا مخرج منها إلا بها. لا سبيل إلى المغادرة ولا سبيل للعودةٍ إلى الذات السابقة. هي ورطة تدفع سارة عابدين ومروة أبو ضيف إلى نبش تلك الفجوة بين ذات سابقة وذات حاضرة. ولا يبدو أن الفكرة جديدة على أي من الشاعرتين، بحيث أكدت سارة عابدين في ديوانها السابق أنها تعيش «على حافتين معاً» واعترفت مروة أبو ضيف أيضاً «دائماً كنت بين بين».

تطرح مروة سؤالاً يصيب الموضوع كله في مقتل: «ولكن ما هي الأمومة يا سارة؟ / لكزة في الروح، لتفيق من نوبة تأمل طويلة/ أم صفعة على الوجه بعد سنوات من اللامبالاة والطمأنينة الزائفة؟». في عمل شعري كهذا لا بد من أن يكون السؤال المحوري هو عن طبيعة الأصوات الشعرية، ما إذا كانت مختلفة ومتمايزة أم متطابقة؟ في محاولة الإجابة يظهر ثقل الصوت الشعري وعمقه، فإذا كانت الورطة هي ذاتها إلا أن التفاعل معها وجدانياً مختلفة.

أمّا طرح الأسئلة فهو موقف في ذاته. وتتملص سارة «لماذا تكثرين الأسئلة؟/ الأسئلة ترهقني/ لا مكان في عقلي/ لأبحث فيه عن إجابات». لكنّ الحقيقة تقدم كل الأجوبة، وكأنّ أسئلة مروة هي المعول الذي يزيل طبقات الصمت ويُحوِّل المسكوت عنه إلى منطوق واضح كالشمس، فتبدو سارة في قلب التجربة. ترتكز جملتها الشعرية على مفردات اليومي الأمومي، تطير بسرعة وتتمرّغ في خفّة غير محتملة للوجود، فتكتب لمروة وكأنّ ذاكرتها «تنساب مثل شال حريري على جسد أملس»، أما مروة التي تراوغ الخفة، وتقف على الحافة تراقب ذاتها داخل التجربة لأنّ «العتمة أمينة يا سارة/ لا تخون صاحبها ولا تشي به أبداً».

في تأملات الخفة والثقل، تطرح مروة اشكالية الذات المنقسمة، المغتربة أحياناً عن ذاتها، أو حتى التي لم تعد قادرة على التعرف الى اللحظة الراهنة: «تذكرين نفسك طفلة/... ماذا تبقّى الآن؟».

بالطبع تبقى الذاكرة حيّة وهو ما يساهم في هذا الشعور بالاغتراب، الأمومة المغتربة عن ذاتها، «نساء حائرات بثديين من الأمومة/ وكثير من الخوف والقسوة»، فتجيبها سارة بوصف دقيق للموقف: «مشاعرنا تشبه حبّات بازيلاء تتقافز في الأناء من فرط حرارة الحب/ ثم تتجمد فجأة عندما تصطدم ببرودة المشاعر». إنها الصدمة الثانية التي تأتي بعد صدمة الفطام من الأم، تتحول الابنة التي فشلت في «تمارين الفتاة المؤدبة» إلى أم عالقة بين الماضي والحاضر. وفي حين تحاول سارة المراوغة والهروب من المواجهة تدفعها مروة إلى الدخول في ثقل التجربة حتى تعلن خوفها وهلعها، «أنا أخشى عليهن من الحياة يا مروة». لكنها لا تســتسلم بل تسعى إلى نقل الخفّة لبناتها لكي «يرمين الذاكرة الثقيلة/ ويصبحن مثل مظلات ملونة تظلل سماء الكون». إنها مكاشــفة شعرية عن معنى الأم، وهو مـعنى نابع من التجربة ذاتها من دون أن ينتج عنها تصورات نظرية. مروة أبو ضيف وســـارة عابدين هما صوتان آتيان من أمكنة مختلفة، جمعت بينهما هواجس الأمومة شعرياً.

11 июн, 2017 09:34:18 AM
0