Перейти к основному содержанию

الأرق ... أخطار ومضاعفات

تشير كثير من البحوث العلمية إلى أن الضوء المنبعث من شاشات العرض سواء للأجهزة الذكية، أو التلفزيونات وخصوصا أثناء الليل، يمكن أن يحد من قدرة البدن والعقل على الاسترخاء المطلوب قبل الخلود للنوم، نتيجة تثبيط إفراز «الميلاتونين» المحفز على النعاس والمساعد على النوم.
فإلى أي مدى ساهمت التقنية الحديثة في إصابتنا بـ«الأرق الإلكتروني» ومن ثم الحرمان المزمن من النوم؟ وما هي الآثار والمضاعفات التي تترتب عليها؟ وما علاقة الأرق والحرمان من النوم بالسمنة (بوابة أمراض العصر) وبالأمراض الصدرية، بشكل خاص، كالربو الشعبي؟
أجاب على هذه التساؤلات وسواها الدكتور أيمن بدر كريّم استشاري أمراض الصدر واضطرابات النّوم بمدينة الملك عبد العزيز الطبية بالشؤون الصحية بالحرس الوطني بجدة رئيس نادي جدة لطب النوم، فأوضح أن تقنية الاتصال والمعلومات بمختلف أنواعها قد أوصلت بعض الناس حد الإدمان السلوكي، فخاصية الاتصال الدائم بالإنترنت جعلت من السهل تصفحها حتى على فراش النوم مقابل التعرض لآثارها السلبية، كالاستيقاظ المتأخر، والشعور بالخمول عند الصباح، نتيجة للتأرق والتململ أثناء الليل.
وهذا ما حدا ببعض الخبراء في «مجلة النوم والنمط الحيوي» إلى التحذير من أن التعرض المفرط لهذه الوسائل قبل الخلود للنوم، يؤدي إلى زيادة أعداد الشاكين من الأرق المزمن والحرمان من عدد ساعات النوم المطلوبة أثناء الليل، فضلا عن بعض الدراسات التي ربطت بين قلة إفراز هرمون «الميلاتونين» وأمراض السمنة وارتفاع الضغط وداء السكري، وحتى السرطان.
وينصح خبراء اضطرابات النوم، بترشيد استخدام هذه الوسائل، ويؤكدون على الاهتمام «بساعة خفض الطاقة» قبل الخلود للنوم، واللجوء إلى أجواء نفسية وذهنية، أو تصفح كتاب خفيف، أو ممارسة تمارين الاسترخاء، أو التمتع بحمّام دافئ وعطورات الأروما، وتجنب التدخين والكافيين، فهي أمور تساعد على الهدوء وخفض مستوى التوتر، والاسترخاء والنوم الهادئ.


الحرمان من النوم


أوضح الدكتور أيمن كريّم أن الحرمان المزمن من النوم يُعد واحدا من أهم الاضطرابات السلوكية الاجتماعية في المجتمعات الحديثة، وأكثرها انتشارا، حيث يعاني قريبا من (37 في المائة) من سكان الولايات المتحدة الأميركية من الحرمان «الإرادي» المزمن من النوم، فلا ينامون إلا ما يقرب من 6 ساعات ونصف فقط في الليلة الواحدة.
ويلاحظ انتشار هذه المشكلة الاجتماعية في المجتمعات العربية، نتيجة تأخر أوقات النوم وثقافة السهر، والارتباطات الاجتماعية المختلفة، التي تبدأ عادة في ساعة متأخرة من الليل، وانتشار القنوات الفضائية، والإنترنت، وأسواق التبضع على مدى 24 ساعة، وعدم انتظام ساعات النوم والاستيقاظ حتى عند صغار السن، الذين يحتاجون إلى ساعات نوم أطول لاكتمال النمو البدني والنفسي.
وأضاف أن الدراسات الأولية على أثر الحرمان الحاد والمزمن من النّوم تعود لأكثر من عقدين، بدأت بدراسات على الحيوانات، منها دراسة للدكتور «إيفيرسون» أجريت على الفئران وانتهت بموت جميع الفئران، الذين حرموا عمدا من النوم تماما وبشكل حاد، بعد عدة أيام وذلك بسبب مضاعفات خطيرة ظهرت على شكل هزال شديد، وتقرّحات في الجلد، واختلال في عملية التمثيل الغذائي، تطورت إلى تسمم بكتيري بالدم، نتيجة انهيار نظام المناعة. ثم تلتها دراسات طبية على الإنسان، حرم في إحداها من النوم حرمانا قهريا مستمرا لمعدل 5 إلى 10 أيام فقط، نظرا لنوبات النوم القهري التي انتابت الأشخاص تحت التجربة، بعد أعراض الهلوسة، واضطراب الأعصاب، وسوء التركيز.
إن الإنسان البالغ يحتاج إلى معدل (7 - 8) ساعات من النوم في اليوم والليلة حتى يستطيع القيام بجميع وظائفه الحيوية على أكمل وجه. ويزيد هذا العدد إلى (16) ساعة بالنسبة للأطفال الرضع، ويقل إلى نحو (5 - 6) ساعات بالنسبة لكبار السن (فوق 65 عاما).
وينقسم الحرمان من النوم إلى قسمين رئيسيين، الأول هو الحرمان الكُلّي (الحاد) من النوم (Acute Total Sleep Loss) والثاني هو الحرمان الجزئي والمزمن من النوم (Chronic Partial Sleep Deprivation). ولا يحتاج الإنسان إلى عدد ساعات نوم كافية فقط، ولكن يحتاج أيضا أن يمر بمراحل النوم المختلفة، كالنوم العميق والنوم الحالم، بنسب معينة وصحيّة أثناء نومه.


مضاعفات الحرمان من النوم


يقول الدكتور أيمن كريّم إن من أهم مضاعفات الحرمان المزمن من النوم السليم: تعكّر المزاج، وقلة التركيز، وسوء الذاكرة قصيرة الأمد، وصعوبة إعطاء الآراء السديدة، إضافة إلى زيادة النّعاس والنوم القهري أثناء النهار. وتعرض لبعض أهم هذه المضاعفات ذات الأثر الصحي والاجتماعي، ومنها:
* زيادة الوزن. أشارت عدة دراسات إلى ارتباط الحرمان من النوم بفرط الوزن لدى الأطفال والكبار، ففي دراسة نشرت في مجلة «النوم» الطبية، أجراها فريق طبي من جامعة وارووك البريطانية، وتم تحليل نتائج 45 دراسة علمية أجريت مابين 1996 - 2007 على الأطفال والبالغين، بغرض تحديد العلاقة ما بين قلة عدد ساعات النوم وزيادة الوزن. وصل عدد الأفراد المشمولين بالدراسة إلى أكثر من 600 ألف مابين نساء ورجال تراوحت أعمارهم ما بين 2 إلى 102 سنة. وخلصت هذه الدراسة التحليلية إلى أن نسبة الإصابة بالبدانة عند الأطفال في سن النمو والذين ينامون أقل من 10 ساعات في الليلة قد تصل إلى (89 في المائة) مقارنة بمن ينامون أكثر من 10 ساعات في اليوم، وأن البالغين الذين ينامون 5 ساعات أو أقل في الليلة يزيد احتمال إصابتهم بالبدانة إلى (55 في المائة) مقارنة بالبالغين الذين ينامون أكثر من 5 ساعات في اليوم.
ومن الملاحظات المؤدية إلى هذه النتيجة، اختلال عمل هرمونات الشبع والجوع، وهرمون الكورتيزول، واضطرابات التمثيل الغذائي، وحقيقة أن المحروم من النوم لساعات طويلة، يجد وقتا أكثر وشهية أكبر لتناول مزيد من السعرات الحرارية وتخزينها على هيئة شحوم.

  •  ارتفاع نسبة الأرق المزمن لدى مرضى الربو الشُّعبي. أظهرت دراسة حديثة طُبّقت على عينة من أفراد المجتمع الأميركي، ارتفاع نسبة الإصابة بالأرق المزمن والشعور بالخمول والنعاس أثناء النهار، لدى المرضى الذين يصعب لديهم التحكّم في أعراض الربو الشعبي. ففي عددها الصادر في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2017، نشرت المجلة الطبية للكلية الأميركية لأطباء الصدر (CHEST) دراسة لتحديد نسبة المعاناة من أعراض الأرق المزمن لدى مرضى الربو، وأثر تلك الأعراض على جودة الحياة، حيث تبيّن انتشار الأرق المزمن لدى (714) من مرضى الربو الشُّعبي وصلت إلى (37 في المائة) حسب مؤشر شدة الأرق (Insomnia Severity Index)، إضافة إلى ارتفاع نسبة الإصابة بأعراض الاكتئاب والتوتّر مقارنة بغيرهم، كما ارتفع احتمال عدم التحكّم الجيد في أعراض الربو الشعبي لدى هؤلاء المرضى تحديدا إلى (2.4) ضعف، ومنها أعراض السُّعال المُزمن وضيق التنفّس وصفير الصدر.


ضغط الدم

  •  ارتفاع ضغط الدم. برزت نتائج دراسة أميركية حديثة نُشرت نتائجها في مجلة أرشيف الأمراض الباطنية (Archives of InternalMedicine)، أظهرت ارتباط الحرمان المزمن من النوم، بالإصابة بارتفاع ضغط الدم. فخلال خمس سنوات من متابعة نمط النوم لدى 587 من الأفراد البالغين، أصبح جلياً إصابة أفراد العينة الذين قل نومهم عن 7 - 8 ساعات يوميا بارتفاع ضغط الدم بنسبة أكبر من غيرهم. وبعد خمس سنوات، تبين أن نقص ساعة واحدة من معدل ساعات النوم المطلوبة (8 ساعات يوميا)، تزيد من خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم بنسبة (37 في المائة)، بغض النظر عن وجود عوامل الخطر الأخرى التي تساعد على الإصابة بارتفاع ضغط الدم، كفرط الوزن والشخير أو انقطاع التنفس أثناء النوم. واللافت للنظر أن معدل عدد ساعات النوم ضمن أفراد العينة لم يتجاوز الست ساعات، في إشارة إلى حرمان معظمهم من النوم السليم.
  •  زيادة نسبة حوادث القيادة. أكد د. كريّم أن من أخطر مضاعفات الحرمان من النوم - بقسميه الحاد والمزمن - زيادة نسبة حوادث السيارات. وأثبت مسح حديث في المجتمع الأميركي تنامي ظاهرة النعاس أثناء القيادة للعاملين في مجال النقل، بما فيهم الطيارون، جراء ساعات العمل الممتدة، واضطرارهم للقيادة خلال أوقات غير ملائمة من الليل والنهار. فنتيجة الإرهاق والنعاس، اعترف نحو (20 في المائة) من الطيارين بارتكابهم أخطاء خطيرة أثناء الطيران تبعا لاختلال أوقات النوم والاستيقاظ وحرمان (50 في المائة) منهم من النوم السليم، واختلال عمل الساعة الحيوية التي تتحكم في تنظيم ساعات النوم والاستيقاظ.

الخرف والوفاة

  •  الإصابة بالخرَف. هناك دلائل جديدة تشير إلى ارتفاع خطر الإصابة بمرض ألزهايمر للخرف، فقد أظهر بحث أجرته جامعة واشنطن في ولاية ميسوري الأميركية، ارتباط الحرمان المزمن من النوم السليم بتراكم مادة «الأميلويد» في أنسجة المخ. ومعروف أن «ألزهايمر» يعد أحد الأمراض العصبية الذهنية المزمنة، التي تصيب كبار العمر نتيجة ضمور المخ، وتراكم طبقات بروتين الأمايلويد بصورة غير طبيعية، مما يحد من قدرة المخ على القيام بوظائفه الذهنية الضرورية للحياة. وقد وجد الباحثون دليلا على تراكم هذه الرقائق البروتينية السامة بصورة أكبر وأسرع، لدى تعرض فئران التجارب إلى السهر القسري والحرمان من النوم السليم.
  •  ارتباط الوفاة بالحرمان من النوم الجيد. يقول د. كريّم أنه من خلال دراسة قام بها الباحثون في جامعة «وسكونسن» الأميركية، على عينة من 2242 شخصا، تم تحليل بياناتهم المتعلقة بأعراض الأرق المزمن، تبين أن احتمال وفاة الأشخاص الذين عانوا من أرق بداية النوم، وكثرة التململ أثنائه، أو صعوبة العودة إلى النوم بعد الاستيقاظ، إضافة إلى الاستيقاظ في وقت مبكر غير اعتيادي، قد ارتفع بمعدل 3 أضعاف مقارنة بغيرهم من الأشخاص غير المصابين بهذه الأعراض المزعجة الموت.

الوقاية والعلاج


يؤكد د. كريّم أن التخلص من الآثار الخطيرة للحرمان الحاد أو المزمن من النوم غير ممكن إلا بالنّوم السليم وأخذ القسط الكافي من راحة البدن أثناء ساعات الليل، فتجنب التدخين، والتقليل من تناول المنبهات ومشروبات الطاقة، وتجنب أسباب السهر والتوتر بالليل، كتجنب الانشغال بالهاتف النقال، وشبكات التواصل الاجتماعي، وانتظام ساعات النوم والاستيقاظ حتى أثناء الإجازات، واعتبار النوم واحدا من أهم الأولويات في خضم حياتنا الاجتماعية، والتي يجب احترام مواعيده بصفة يومية، يعد من أهم أسباب النوم الصحي والسليم.
إن من الضروري الاهتمام باضطرابات النوم المتعلقة بعمال الورديات (المناوبات)، وأخذ جميع الاحتياطات السلوكية المساعدة على نيلهم قسطهم من النوم أثناء أوقات راحتهم في ساعات النهار، كتجنبهم التعرض لضوء الشمس المباشر، وعدم تناول المنبهات قبل نهاية نوباتهم الليلية، وخلودهم للنوم في جو بعيد عن الضوضاء، إضافة إلى أخذهم قسطا من النوم أثناء مناوبتهم الليلية.


أما من يعاني من الأرق المزمن أو عدم القدرة على ضبط مواعيد النوم والاستيقاظ، أو من أعراض الشخير وغيرها من اضطرابات التنفس أو الحركة أثناء النوم، أو من زيادة الخمول والنعاس المفرط أثناء النهار، فمن الضروري له زيارة طبيب اضطرابات النوم، في أقرب فرصة لعرض المشكلة وطلب النصيحة والعلاج المناسبين.

06 мар, 2018 02:36:35 PM
0