بناء الجملة في (السيرة النبوية) لابن هشام
إن اللغة كائن اجتماعي ينمو بنمو عقل الإنسان، ويتطور بتطور أفكاره؛ لأنها نتاج العقل البشري، وتعبير عن مستوى أفكاره.
ومن المعروف أن التقعيد النحوي اقتصر على حقبة معينة إلى منتصف القرن الثاني الهجري في الحواضر، سمي بـ(عصر الاحتجاج)، ومنتصف القرن الرابع الهجري في البوادي، واقتصر التقعيد أيضاً على مستوى معين من مستويات اللغة وهو الفصحى، في حين أنه ابتعد عن كثير من المؤثرات اللغوية التي لحقت اللغة الفصحى كتنقلات القبائل واحتكاك بعضها ببعض، وتطور الثقافة عامة في عصورها الأولى.
ونتيجة للقطيعة بين مرحلة التقعيد و هذا التطور اللغوي نزعت الدراسة النحوية إلى التصويب أو التخطئة، جاعلة تلك المرحلة اللغوية التي حُدِّدَت للاستشهاد مثالاً أعلى يحتذى به، ويلزم النَّسْجُ على منواله.
ولذلك أُهِمل التطور النحوي، وأيُّ تراكيب كانت تأتي على صور لم تُعْهَد في مرحلة الاحتجاج عُدَّت خارجة عن إطار الصواب اللغوي، فأخذ النحاة يحاكمون التعبيرات والتراكيب الجديدة في ضوء ما جمع في تلك المرحلة، وإن كانت الحقبة الزمنية بين تلك المرحلة وعصر التدوين كافية لحدوث تطور لغوي مهما ضؤل شأنه.
فابتعدت الدراسات النحوية عن متابعة التطور اللغوي، وجنحت إلى مسائل فرعية ليس لها علاقة بواقع اللغة، كالعلل ومسائل الخلاف، والمسائل التي فرضها النشاط الفكري والمعرفي من منطق وغيره، واقتصرت تلك الدراسات على أخذ اللغة من كتب النحاة.