Ana içeriğe atla
الرواية العربية في ميزان النقد المعاصر

يدخل القارئ إلى كتاب «مقالات في الرواية العربية» (دار منشورات المتوسط- ميلانو) من دون تمهيد، يوضح منطلقَ جمعِ ما يحويه من «مقالات»، لجهة الرابط بينها، وتحليل مضامينها والنتائج التي انتهت إليها، وما كان ذلك يقتضي أكثر مِن مقدمة وخاتمة، يتولاهما محرر مِن المجموعة نفسها التي كتبَت «تلك المقالات» (محمد برادة، صلاح فضل، خيري دومة، ووائل فاروق) أو محرر مِن خارجها. ولا يبدو ما جاء على ظهر غلاف الكتاب كافياً في هذا الصدد، إذ لم يتجاوز فقرتين، من دون توقيع، وكان من المهم ذكر اسم من كتبهما، حتى ولو كان من محرري دار النشر، وهذا حق أصيل للقارئ. وجاء في تلك الخلاصة أنه: «في بدايات القرن الماضي عندما كان أينشتاين ينجز بحوثه الفيزيائية وخرج بنظرية النسبيةْ، تلك النظرية التي زعزعت مفاهيم كانت راسخة كمفهوم الزمان المطلق والمكان المطلق والحركة المطلقة، في الوقت نفسه تقريباً، كان جيمس جويس ينجز روايته «عوليس» التي أسست تقنية «تيار الوعي»، تلك التقنية التي خلخلت مفاهيم كانت راسخة داخل السرد الروائي وهي الزمان المطلق والمكان المطلق والحدث المطلق... هل كان ذلك من قبيل المصادفة؟». وفيه أيضاً «إن الخلفية التي يبني بها الأدب عالمه وطبيعة الأداء الجمالي له، هما ما يجب أن يشغل دارس الأدب، ولكن هل ينفصل تحديدنا لهذه الكيفية ورؤيتنا لذلك الأداء الجمالي عن اللحظة التي نعيشها بكل شروطها المتراكبة؟ وهل تدفع شروط الحياة والمعرفة الإنسانية– في لحظة معينة- النشاط الإبداعي الإنساني بمختلف أشكاله (علمي وأدبي وفلسفي) إلى إنتاج وعي عام في هذه اللحظة، وعي ينتج بطرق وكيفيات مختلفة، لكنه يظل متواشجاً مترابطاً؟ هل يمكن أن يقود هذا التواشج إلى حقيقة هذا العمل أو ذاك؟ هذه الأسئلة– وغيرها- هي ما يسعى هذا الكتاب للإجابة عليها، بحيث تحاول الدراسات المختلفة التي يضمها أن تحفظ للرواية جسدها الاجتماعي والإنساني النابض بالحياة من دون أن تنفصل عن أسئلة النقد الجمالية أو تتخلى عن المشاركة في الإجابة عن أسئلة المعرفة في اللحظة الراهنة».


ويمكن القول إن ما يضمه الكتاب هو أعمق من مجرد مقالات، خصوصاً، في الجزءين الخاصين بالناقدين خيري دومة ووائل فاروق. يبدأ الكتاب بمقال للناقد والروائي المغربي محمد برادة تحت عنوان «موسم الهجرة إلى الشمال: تدشين الرواية الشاملة»، كُتِبَ بتاريخ 17- 8- 2009، ولا توجد إشارة إلى أنه نُشِر في دورية ما قبل أن يحتويه هذا الكتاب. يذهب برادة في البداية إلى أنه قبل أن تنشر تلك الرواية في العام 1966، كان النمط السائد في الكتابة أقرب ما يكون إلى طريقة الصنع «الواقعية» متمثلة في توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويحيى حقي وآخرين، كانوا منشغلين باستكشاف الملامح الجديدة لمجتمع يعيش تحولات بنيوية وقيمية، نتيجة الاستعمار وردود الفعل التحررية المتطلعة إلى الاستقلال. ويخلص برادة إلى أن تلك الرواية «استطاعت أن تدشن نموذجاً للرواية الشاملة التي تعطي للشكل والسرد أهمية جوهرية، وتلتقط مِن خصوصية تجربة الأفراد والمجتمع مشاهد وأحداثاً، تجعلها موصولة الأسباب بالأفق الإنساني الذي يتجلى عبر التخييل والأسطورة وصراع العواطف والأهواء والأفكار».

حمل مقال صلاح فضل عنوان «التمثيل الجمالي للحياة في عشر روايات عربية»، ويستهله بإشارة إلى ظروف كتابته: «دعتني مجلة «العربي» الغرّاءة في كانون الثاني (يناير) 2008 إلى كتابة مقال نقدي في إطار احتفالها بعيدها الذهبي عن أبرز عشر روايات عربية في النصف الثاني من القرن العشرين، فوضعتني في مأزق حرج بهذا التحديد...». وجاءت «موسم الهجرة إلى الشمال» ضمن تلك الروايات العشر، «بوصفها نموذجاً للاغتراب الخارجي»، ورواية «بقايا صور» لحنا مينا، «بوصفها نموذجاً للاغتراب الداخلي. وإضافة إلى هاتين الروايتين تناول مقال فضل «الأرض» لعبدالرحمن الشرقاوي والثلاثية لنجيب محفوظ، «باعتبارهما نموذجين لعوالم القرية والمدينة»، و «البحث عن وليد مسعود» لجبرا إبراهيم جبرا، و «شرق المتوسط» لعبدالرحمن منيف، «باعتبارهما نموذجين لنقد بنية المجتمع العربي»، و «التجليات» لجمال الغيطاني و «صخور السماء» لإدوار الخراط، وهما «نموذجان للبحث عن الذات المبدعة». وحول «النفي في الزمان والمكان»، قدَم فضل روايتي «السحرة» لإبراهيم الكوني و «الحب في المنفى» لبهاء طاهر.

واختتم مقاله بالقول: «فليسمح لي قارئ هذه الخلاصة المركزة عن الروايات العشر التي أُعدها زبدة الإبداع العربي في السنوات الخمسين الماضية، أن أضيف إليها عشرة أسماء أخرى لمبدعين عرب، يتداركون ثقوبها، لأجعلهم «العشر الثواني»، وهم: الطاهر وطار وواسيني الأعرج من الجزائر، ومحمد شكري من المغرب، وإلياس خوري من لبنان، وأحمد إبراهيم الفقيه من ليبيا، وسحر خليفة من فلسطين، وصنع الله إبراهيم وخيري شلبي ومحمد البساطي من مصر، وفؤاد التكرلي من العراق، وإسماعيل فهد إسماعيل من الكويت... فكل من هؤلاء جدير بأن يخلد في ذاكرة الرواية العربية».

أما خيري دومة، فحملت دراسته عنوان «هموم المعيشة كما تُصورُها الروايةُ التاريخية: العصر المملوكي نموذجاً»، وفيها يؤكد أنه «ليس من أهداف الرواية التاريخية عموماً أن تستعيد الماضي بشخصياته ولغته وأزيائه، وإنما هدفها الأساسي- كما يقول لوكاش- أن تنطلق من الحاضر، وأن تصور السياق الكلي للحياة الاجتماعية، سواء كانت حاضرة أم ماضية، في شكل قصصي سردي». غير أن الرواية، يضيف دومة، «لا يمكن مع ذلك أن تكون وثيقة من وثائق المؤرخ، يمكن الاعتداد بها، حتى في حالة الرواية الواقعية». ويستطرد: «ربما يمكن لثلاثية نجيب محفوظ مثلاً، أن تكون في المستقبل –إلى مدى محدود وباحترازات معينة- وثيقة من وثائق تاريخ القاهرة في النصف الأول من القرن العشرين، وكذلك يمكن روايات صنع الله إبراهيم ويوسف القعيد وبهاء طاهر أن تصبح وثيقة من وثائق تاريخ مصر في النصف الثاني من القرن العشرين، تماماً كما أن كتب المقريزي وابن تغري بردي وابن إياس، أولئك الذين عاشوا فترات من العصر المملوكين وكانوا مؤرخين أصليين. ومع ذلك تظل هناك –حتى في هذه الحالة- مسافة، لا يمكن ردمها بين ما حدث في الواقع وما نقلته اللغة والنصوص المكتوبة».

وشغلت دراسة وائل فاروق الحيز الأكبر من الكتاب وجاءت بعنوان «ما بعد الحداثة: من ضيق الوجود إلى اتساع الكينونة»، وفي أحد مواضعها يذهب إلى أن «الرواية العربية شهدت تحولات كثيرة، على رغم عمرها القصير الذي لا يبلغ قرناً من الزمن، ومنذ العقد الأخير على الأقل، وربما للمرة الأولى في تاريخه، يتطور السرد العربي، في شكل مواز للتطورات التي تحكم هذا النوع النثري في أنحاء العالم كلها. فمن الرواية الجديدة، التي تتميز بتدمير الافتراضات السردية التقليدية، إلى آخر تجارب ما بعد الحداثة، استطاع الأدب النثري العربي، لا أن يسير جنباً إلى جنب مع تطور الأدب العالمي فحسب، بل أن يقوم بمساهمة مهمة أيضاً».

ويلاحظ أن غالبية الروايات التي اعتمدت عليها دراسة وائل فاروق، هي لكتاب مصريين، ومنها: «أبناء الجبلاوي» لإبراهيم فرغلي، «إلياس» و «كتاب النحّات» لأحمد عبداللطيف، «هدوء القتلة» و «ضريح أبي» لطارق إمام، «الرجل العاري» لعادل عصمت، «الحالة صفر» لعماد فؤاد، «بيت المرايا» و «قشرة زائلة» لمحمد هاشم، «في مستوى النظر»، «مسألة وقت»، «أن ترى الآن»، و «تصريح بالغياب» لمنتصر القفاش، «جبل الزمرد» لمنصورة عز الدين، «ليلى أنطون» لنائل الطوخي، و «قانون الوراثة» لياسر عبداللطيف. واشتملت دراسة فاروق التي جاءت في 126 صفحة (الكتاب يتألف من 215 صفحة) على العناوين التالية: «ما بعد الحداثة: من ضيق الوجود إلى اتساع الكينونة»، «ما بعد حداثة عربية؟»، «الرواية الجديدة من الما بعد إلى ما وراء»، «السرد الشفاف: قراءة في أعمال منتصر القفاش».

وفي النهاية يبقى السؤال: هل أجابت الدراسات التي يحويها الكتاب على الأسئلة التي تضمّنها غلافه الخلفي؟ الجواب يتطلب مقالاً آخر.

29 Tem, 2018 10:11:24 AM
0