Ana içeriğe atla
الديموغرافيا أقوى من أن يسيطر عليها السياسة

يعالج بول مورلاند في كتابه "المد البشري" وداريل بريكر وجون ايبتسون في كتابهما "كوكب فارغ" أثر الديموغرافيا في السياسة، ويصلون كلهم إلى نتيجة مفادها أنها قوة جبارة، وليست قَدَرًا.
 
من المؤشرات التي يُعرف بها طابع حكومة ما الاستماع إلى ما يقوله القادة السياسيون عن معدلات الولادة في البلد. يميل حكام سلطويون، مثل رجب طيب إردوغان وفلاديمير بوتين، إلى الشكوى منها، داعين النساء إلى إنجاب المزيد من الأطفال، أو التقليل من إنجابهم. 

وكان حكام دكتاتوريون، مثل جوزيف ستالين ونيكولاي تشاوشيسكو، يعتقدون أنهم في الحقيقة يستطيعون أن يغيّروا معدلات الولادة. أما التسليم بها على مضض أو الصمت تجاهها، فهو من سمات الديمقراطية الليبرالية.
 
كتابان جديدان
في الواقع، لا تستطيع الحكومات أن تفعل الكثير لتغيير آراء مواطنيها بشأن عدد الأطفال الذين يجب إنجابهم. فحتى سياسة الطفل الواحد لكل عائلة، التي اتبعتها الصين منذ عام 1979، لم تفعل سوى التسريع في هبوط معدل الولادة، الذي كان سيحدث في كل الأحوال.

يعالج كتابان جديدان التغير السكاني بوصفه قوة لا تُقاوَم يمكن أن تغير مجرى التاريخ رغم أنف السياسيين. يشير الكتابان إلى أن التغير السكاني أخذ يفقد زخمه.

كثيرون سمعوا بتوماس مالثوس، القس الإنكليزي، الذي توقع في القرن الثامن عشر نمو سكان العالم بوتيرة أسرع من إنتاج الغذاء، مؤديًا إلى كارثة. 

وفي حين أن العالم الديموغرافي الأميركي وارن تومسون أقل شهرة من مالثوس، فإن مآل نظريته التي طرحها في عام 1929 كان أفضل من توقعات مالثوس؛ إذ لاحظ تومسون أن البلد بمعدل ولادة مرتفع يرتفع فيه معدل الوفيات. ومع تحسن الزراعة والعناية الصحية، ينخفض معدل الوفيات، ويبقى معدل الولادة مرتفعًا بعض الوقت، ثم يبدأ هو أيضًا بالهبوط. وللبلدان التي مرت بهذا الانتقال الديموغرافي معدلات ولادة عالية ومعدلات وفيات أقل مما كانت في البداية، ولديها بالنتيجة سكان أكثر عددًا.
 
قلق مشروع
خلال هذه الرحلة، تكتسب البلدان ثم تفقد مواطن قوة ومواطن ضعف، بسبب تغير حجم السكان وشكلهم. والبلد الذي ما زال في المرحلة الثانية، بمعدل ولادة مرتفع ومعدل وفيات منخفض، يكون بلدًا شابًا وسريع النمو. وعندما يهبط معدل الولادة أيضًا يدخل البلد مرحلة مثلى. فهو إذ يكون أطفاله أقل نسبيًا من السكان البالغين، لكن بلا عدد كبير من المتقاعدين الذين تتعيّن العناية بهم، يصبح بلدًا من العاملين القادرين. ثم يمضي نحو الشيخوخة.

تلاحظ مجلة "إكونوميست" أن كتاب بول مورلاند "المد البشري: كيف شكّل السكان العالم الحديث" The Human Tide: How Population Shaped the Modern World (المكون من 352 صفحة، منشورات بابليك أفيرز، 28 دولارًا) يتناول في الغالب كيف حدثت هذه العملية في أوروبا وآسيا. 

وكانت بريطانيا الأولى
ففي أواخر القرن السادس عشر، كان سكان إنكلترا أربعة ملايين نسمة، نصف سكان إسبانيا، ومن هنا الرعب من غزو الثانية. وتضاعف عدد سكان إنكلترا بحلول أوائل القرن التاسع عشر، ثم أخذ يرتفع بمعدلات جنونية. وبحلول عام 1901، لم يبلغ عدد سكان إنكلترا 30 مليون نسمة فحسب، بل جذبت الكثير من السكان في أميركا الشمالية وأستراليا وأفريقيا. وبسطت إنكلترا هيمنتها لأسباب منها الكثرة الخالصة.

حدث الانفجار السكاني في ألمانيا واليابان بعد عقود، متسببًا في قلق مشروع لدى البلدان الأخرى من أن هذين البلدين أيضًا سيقدمان على التهام شعوب وأقاليم أخرى. 

اكتسب البلدان سلاحًا ماضيًا بسكان في عنفوان الشباب وقت كانت الحرب تعتمد على الزجّ بأعداد كبيرة من الشباب ضد العدو. وكانت أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين حقبة سمتها خوف كل بلد من نمو سكان البلد الآخر بمعدلات أعلى من نمو سكانه.
 
أرصدة اقتصادية
لم يكن هذا صحيحًا تمامًا وقتذاك، وهو ليس صحيحًا في العالم الحديث، بصواريخه المجنحة وتجارته العابرة للحدود وقواه الناعمة. 
لكن المؤلف مورلاند يرى أن الديموغرافيا ما زالت تحدد شكل الحوادث. ويكتب أن الشرق الأوسط يفتقر إلى الاستقرار لأسباب عدة، منها ارتفاع نسبة الشباب بين سكانه. لم تعد اليابان الأولى في العالم، لأن سكانها أقل عددًا الآن مما كان في أيام عزها. ويمكن أن تثير الديموغرافيا توترًا داخل البلدان، حين يبدو أن حجم جماعة قومية أو إثنية ينمو أسرع من المكونات الأخرى. وبحسب المؤلف، يوغسلافيا السابقة، حيث تراجع معدل ولادة الصرب أمام مسلمي البوسنة أو ألبان كوسوفو، "مثال على التأثير المزعزع للاستقرار بسبب الإنتقال السكاني غير المتوازن".

في المرحلة الأخيرة لهذا الانتقال ينخفض معدل الولادة إلى أقل من معدل الوفيات. ويؤدي هذا إلى هبوط عدد السكان وشيخوختهم ما لم تفتح هذه البلدان أبوابها لأعداد كبيرة من المهاجرين.

يرى داريل بريكر وجون إيبتسون في كتابهما "كوكب فارغ: صدمة تراجع عدد السكان في العالم" Empty Planet: The Shock of Global Population Decline (المكون من 304 صفحات، منشورات كراون، 26 دولارًا) أن هذا هو مصير العالم كله. فعندما تصبح البلدان أغنى وأكثر تمدنًا ويزداد عدد البنات في المدارس، لا يعود الأطفال أرصدة اقتصادية، ويبدأ السكان بالإنجاب، ليس بسبب الحاجة أو بضغط من شيوخ القرية، وإنما لأنهم يتمتعون بتربية الأطفال. ويمكن إشباع هذه الرغبة بطفل أو طفلين.  
 
حالة استثنائية
يتوقع المؤلفان أن تكون الحالة الطبيعية في أوروبا أقل من 2.1 طفل لكل امرأة. وهما يسمّيان النمو السكاني بعد الحرب حالة استثنائية، ويتوقعان أن تنتقل حتى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التي تتسم بكثرة أطفالها إلى إنجاب طفل أو طفلين لكل امرأة، بأسرع مما يدعو إليه خبراء الأمم المتحدة الديموغرافيون. 

ربما يكون المؤلفان على صواب. فالانتقال السكاني يتسارع على ما يبدو، ومرت به آسيا وأميركا اللاتينية أسرع من أوروبا. ومن الجائز أن يكون العالم متجهًا نحو نهاية الديموغرافيا.

ترى مجلة "إكونوميست" أن حدوث ذلك يخفف الضغط على موارد الأرض، لكن السكان المنخفضة أعدادهم والمتزايدة معدلات الشيخوخة بينهم تكون إدارتهم صعبة؛ إذ تتعيّن إعادة تخطيط المدن وخفض المعاشات التقاعدية. لكن كثيرين في البلدان الغنية لا يريدون الاكتفاء بطفل أو طفلين، بل إن 41 في المئة من الأميركيين يعتقدون أن الرقم الأمثل هو ثلاثة أطفال أو أكثر.

مع مرور بلدان أكثر بمرحلة الانتقال السكاني، يتبدى شيء آخر؛ إذ يمكن التعاطي بهذا القدر أو ذاك من الحكمة مع تحديات التغير السكاني ومطباته. وإذا كان ارتفاع نسبة الشباب لعنة في العالم العربي، فإنه نعمة في الصين، على حد تعبير مجلة "إكونوميست"، مشيرة إلى أن البلدان تستطيع التكيّف مع شيخوخة السكان باستقبال المزيد من المهاجرين، وتمكين الأم من عمل مدفوع الأجر أو تدفن رأسها في الرمل. فالديموغرافيا قوة جبارة وليست قَدَرًا.
 
 
هذا التقرير عن "إكونوميست". 

22 Oca, 2019 08:26:36 AM
0