«زرّ وسط القميص» حساسية حادة وعين كاميرا ذكية اللقطات
ليس غريباً أن أقف اليوم مع صالح. صالح حمدوني الذي أعرفه رفيقاً وصديقاً منذ نعومة أظفاره، أعرفه مصوراً بارعاً، أعرفه رفيقاً جميلاً، أعرفه دائم الحضور في كل مكان فيه ثقافة، صالح المثقف، صالح الإنسان، صالح الصديق، لم يعرض عليَ يوماً شيئاً من كتاباته. كان في لقاءاتنا يتحدث عن كتابٍ قرأه، عن مكان زاره، عن أصدقاء التقى بهم، ولكنه لم يقل لي: اقرأ لي هذا النص مثلاً، على كثرة من يقولون لي اقرأ لي هذا النص من أصدقاء وأحباء. عندما أعطاني هذا الكتاب (زر وسط القميص) تذكرت مقطعا للصديق حميد قاسم من العراق يقول : يا أمي ما عدت طفلاً أعود إليك بقميص مقطَّع الأزرار، وصالح حمدوني لم يعد ذلك الطفل ذا القميص مقطوع الزر، صالح حمدوني قامة ثقافية وعرفته الآن قامة أدبية يستحق أن نحتفي به، يستحق أن أقف من أجله على هذه المنصة، ويستحق أن أكرّمه وأدعوكم لتكريمه.
في هذا الكتاب وجدت حساسية حادة وعين كاميرا ذكية اللقطات، وبوحا موجعا. في هذا الكتاب الأفكار أعلى صوتاً من الأحداث، والمصور الفوتوغرافي يحفل باللقطة ولم يعد الحدث إلا تعليقاً على هامش الصور حساسية تلامس الواقع مساً خفيفاً لتحلق فوقه وتراه عين الطائر في هذا الكتاب الصوت الداخلي الموسيقى الداخلية هي الأهم وهي الأكثر حضوراً من صوت الآخرين، الصوت الآخر عندما نريد أن نصنف الكتبة نحتار في تصنيف هذا الكتاب بين الشعر والنثر والأقصوصة، ولكنه بمجمله كتاب يعبر عن صالح حمدوني، عن انتمائه العميق للوطن ولقضية الوطن ولأمته وقضايا أمته، نلتمس في هذا الكتاب صالح حمدوني المثقف واسع الثقافة لا يظهر ثقافته، أنه يسبح تحت النص بسلاسة دون أن يظهر رأسه فوق الماء، يكتب وينقش كلماته بمهارة وكثافة شديدة، هذا التكثيف الذي يقودنا إلى أن نرى ما وراء الكلمات وأن نقرأ ما بين السطور.
لا أحد يعرف إلى أين تتجه الكتابة، هل الرواية هي ديوان المستقبل؟ من يدري؟ مع وسائل التواصل الاجتماعي تظهر الكتابة بأشكال مختلفة وعلى النقاد أن يروا إلى أين تؤول الكتابة وإلى أين تؤول الاختصارات وإلى أين يؤول ما يكتب على الفيسبوك وتويتر وانستغرام، هل الصورة هي الكلمة؟ هل حلّت الصورة مكان الكلمة؟ هذا يُفرِحك يا عزيزي صالح فأنت صاحب كاميرا وصاحب لقطة جميلة، هل ستحلّ لغة جديدة محل اللغة السائدة؟ نعم هناك مفردات صرنا لا نعرفها وصارت الإشارات والعلامات لغة نتعامل بها، هذا الكتاب نتاج مرحلة ما بين الرواية والقصة الكلاسيكية والشعر والنثر، يأتي ليشير إلى مرحلة جديدة من الكتابة لا نُجنّسها الآن، وليست مهمتي ولا مهمة من يكتب أدباً أو إبداعاً أن يُجنّسه، فهذا متروك لتاريخ الأدب وتطويره في ظل معطيات جديدة للكتب طورتها وسائل العصر من الإنترنت وغيره.
إذن اقرأوا صالح حمدوني، اقرأوا كلماته واستمتعوا بها، فقد كتب عصارة فكره وتجربته وبلغته الخاصة.
أجمل ما في هذا الكتاب أن له أسلوبه الخاص، له لغته الخاصة، له كاميرته الخاصة. يُشرّق بنا ويُغرّب، يذهب إلى فلسطين ويعود إلى الأردن ويذهب إلى الشام وإلى كل الأماكن التي علِقتْ بروحه وتعلّق بها وصاغها نصاً أدبياً جميلاً اسمه (زر وسط القميص )هذا الزر يقود إلى أزرار وإلى مفاتيح وإلى مغاليق أيضاً علينا أن نكتشفها.
المصدر: الدستور