Ana içeriğe atla
كامل نصيرات بين التـراتيــل واليـوميــات

تحدّث كامل نصيرات عن جانب من سيرته قائلاً: «إنّ كلّ ما أعرفه عن نفسي أنني بدوي يتقن شرب القهوة السادة.. ولدت في مخيم البقعة، وتعلّمت منه «الحركات القرعة الرائعة»، ومن تلك الحركات «حركة الهياج الوطني». كنت طفلاً بلا جرابات، بعت العلكة والبسكويت والحلاوة والفشطة بعسل، وتورمت فدماي وأنا ألفّ وأدور في شوارع المخيم أبيع الصحف ومن ضمنها الدستور، التي أصبحت كاتباً يومياً فيها، بعد جريدة الأنباط. لم أستطلع إكمال دراستي، وكنت أشتغل عامل مياومة في وزارة الأشغال، ثم أنني قروي أيضاً في قرية «الكرامة» في الأغوار، التي عشت فيها بعد أن بنيت عِشّاً بالإيجار». وقال عن مفهوم للكتابة الساخرة «هي أن تكتب أدباً يتقاطع مع أقدار الناس المتناقضة، وأن تحمل تُرساً تهاجم به في المعركة بدلاً من السيف، لأنك في حالة دفاع حقيقية عنوانها الهجوم»، وقال أيضاً هي: «اختراع عين جديدة ولسان جديد لتفاصيل متكررة»، وقال: «الأدب الساخر هو الكتابة بلذة الوجع».


هكذا قال الكاتب كامل النصيرات، وهكذا يكون الأدب الساخر نقداً لاذعاً يكشف عن سلبيات الحياة والناس، ويثير الضحك الأسود كثيراً، ويصنع مفارقة في النص المكتوب كما هي المفارقة في الواقع.


تبحث في المقاهي والحارات والأزقة والشوارع والمدن الصغيرة والمدن الكبيرة والقرى والبوادي، تبحث بين الفقراء وبين الأغنياء، بين الواقع وبين الخيال، بين الرجال وبين الصبايا، بين الأطفال وبين العجائز، تبحث بين الحزن وبين الفرح، بين الياسمين وبين الشيح والقيصوم، تبحث بين البين، فتجد كامل النصيرات.


قرأت الكتابين (يوميات ساخرة لخائف كورونا) و(ترتيل امرأة لاوية بوزها) للكاتب كامل النصيرات، وقد صدرا عن دار خطوط للنشر والتوزيع في عمان للعام 2021، وضمُّ الكتابان عدداً من المقالات التي كُتبت بلغة بسيطة كي تلامس شغاف الفقراء والمعذّبين في الأرض، وتركَ اللغة الباذخة للمتمنطقين بها، ولفذلكات الشعراء، ومتاهات القصاصين والروائيين، كتب بلغة أقرب ما تكون لحكي البسطاء، فيجترح آلامهم ومعاناتهم وعذاباتهم، وأدركُ تماماً أن كامل النصيرات لو توقف عن كتاباته الساخرة لتوقفت حياته، وأصبحت الحياة بلا لون وبلا طعم. قالوا لا مجتمع بلا نكتة ولا نكتة بلا سبب، وأقول: لا مجتمع بلا أدب ساخر ولا أدب ساخر بلا سبب.


يتناول كامل النصيرات في كتابه «يوميات ساخرة لخائف كورونا» وقائع وتفاصيل الحياة في زمن الكورونا، وانشغال العالم والحكومات والناس بهذا الوباء، وما أثره على الناس، فإن لم يصبهم الوباء، أصابهم الاكتئات، فينطلق من أسرته إلى الجيران إلى الشارع إلى الحارة إلى المدينة إلى الوطن إلى فضاء يتسع لقوميته العربية وإنسانيته الكونية، في حظر شامل وسطوة أوامر الدفاع، وكيف يتحوّل الإنسان إلى شخص مطيع ومنفذ لقرارات الحكومة وأوامر دفاعها، أي إلى شخص مروّض كنمور زكريا تامر في اليوم العاشر.


ينشغل الكاتب في عالمه الخارجي كما ينشغل في عالمه الداخلي، فيتنازع قلبه زوجتان، كما يتنازع عقله عالمان، وهو موزع بين الأنا والآخر، يكتب في يومياته عن شغب أولاده، وعن تعاون جيرانه، وعن الشوارع الخالية من الناس، وعن قتل الملل بالملل، وعن نجومية وزير الصحة ووزير الإعلام، أي عندما يتحوّل الوزير من ابن الذوات إلى ابن من أبناء الحراثين، وتصبح نجوميته كممثلي السينما، وشجاعته كأبطال أجاثا كريستي.


يرصد وقائع الحياة اليومية المشحونة بالقلق والخوف من الوباء، والقلق والخوف من نفاد لقمة العيش، ويطرح في مقالاته قضايا ذات بُعد إنساني، ومشاكل الحياة ومنغّصاتها، ووسط هذه الضبابية أو الجانب المعتم من الحياة يصنع الأمل، وإن الحياة ستقف على قدميها من جديد، ويحمل رسالته الإعلامية من خلال استديو صغير في بيته عبر الفيسبوك لتصل رسالته الإعلامية والصحفية للناس، بل لتستيقظ حواسه الخمسة من سباتها كي تبقيه على قيد الحياة.


أما كتابه الثاني «ترتيل امرأة لاوية بوزها»، من العنوان تبدأ السخرية، ويظن القارئ أن الكاتب سيتناول مقالات تبحث عن المرأة (النكداء)، فيقول في صفحة 83: «لا تتعجلوا يا سادة.. الحياة امرأة ولكنها لاوية بوزها».


إذا جاز لنا نُسمّي هذا الكتاب (ترتيل كامل النصيرات)، جاءت التراتيل أو المقالات بلهجة محكية، وأحياناً يُزاوج بين الفصيح والعامي، وتحمل أسئلة مشروعة عن الحياة والناس والوطن والعالم، وتعالج قضايا يومية تطرق أسماعنا، فيلتقطها بوعي الكاتب المبدع، ويقدمها بإسلوب ساخر وفكاهي، فهو يرسم بالكلمات شخصيات مقالاته، ويخلق شخصية (الأَرْفَل) في بعض مقالاته لتكون شاهداً على المرحلة أو الحالة، كما خلق ناجي العلي شخصية (حنظلة)، وقد نحت اسم «الأرفل» من اسمين (الأردني والفلسطيني).


أظن أن كامل نصيرات لا يهندس مقاله كما يفعل بعض الكتّاب، بل تطير الفكرة من رأسه لتصافح حروف اللغة، ولا ينشغل باللغة التي ستصل إلى القارئ، بل يسيل لعاب اللغة في لذة الكلمات، ووجعها في آن واحد، كتاباته كستنائية اللون، وقرنفلية الطعم، وجوافية الرائحة، كتاباته يكتشفها القارئ اكتشافاً كما اكتشف أرخميدس قانون طفو الأجسام فوق سطح الماء.


في هذا الركض المتواصل الذي يتبعه كامل النصيرات من قضية إلى قضية، ومن حكاية إلى حكاية، ومن همّ إلى غمّ، يختم ترتيله في مقالة بعنوان «أتعرف يا عمر..؟» مهداة إلى شهيد فلسطين عمر أبو ليلى، لتبقى روح المقاومة عند الشعوب أيقونة تُنير درب الحياة نحو التغيير، ويَعبرُ الجميعُ بوابات الحرية.

 

 

 

 

المصدر: الدستور

18 Eyl, 2021 10:35:56 AM
0