Ana içeriğe atla
عبدالرحمن أبورقبة هل أتاك حديث الغريق؟

عبدالرحمن أبورقبة


سمعت من الإيطاليين قولهم، إن الفن جعل من الجحيم مكانًا ممتعاً وإنه حيث أخفق، جعل الفردوس مكانًا مملًا.. يُشيرون بهذا إلى ملحمة «الكوميديا الإلهية» للشاعر دانتي.. التي يفضّل فيها معظمهم جزءاً الجحيم على جزء «النعيم».

 

في رواية «هل أتاك حديث الغريق»، الرواية الثانية للكاتب علي عبدالعزيز أشكناني، تصحبنا شخصية فارس في «جحيم أرضي» كما تفعل شخصية فرجيل مع دانتي في جحيمه السماوي.. إذ يقرر فارس، وهو كاتب روائي كويتي مثل مبدعه، أن يسافر إلى مخيمات اللاجئين السوريين في اليونان ليقف على معاناتهم ويساعدهم، ولكي يُخرج نفسه من حالة اكتئاب أصابته بعد مأساة شخصية تنكشف لنا آخر الرواية.

الإفراط في المجاز

ولكن هل ينجح كاتبنا في «تزيين» الجحيم بالفن كما فعل دانتي؟

لقد اختار الكاتب لروايته أسلوباً مجازياً مفرطاً في مجازيته، يصلح بجمله القصيرة والمتقطعة لكتابة الخواطر وليس لرواية تقع في 290 صفحة أُريدَ منها «توثيق» رحلة طويلة وأليمة.. تصوّر شرور الطغيان وويلات الحرب.. ومآسي فقدان الوطن وفراق الأحبة.. إذ سرعان ما يرهقنا أسلوبها «المزخرف» ويبطّئ من سير الرحلة وأحداثها..

كذلك استعمل الكاتب ما يسمى «سيل الوعي» الذي لا يتناسب مع مهمة الرواية، فبين الحين والآخر.. تدخل الشخصية الرئيسة (فارس) التي تُروى الرواية على لسانها، في تأملاتٍ متشائمة.. تُردد اللوم والشكوى حتى تصيبنا بالسهو وربما الضجر.

التحدث باللغة نفسها

وقد وجدنا من الكاتب ميلًا لأن يجعل كل شخوص الرواية بليغة العبارة.. تتحدث باللغة العميقة والشعرية نفسها، وميلًا لإطلاق الحكمة والأمثال في كل صفحةٍ وكل فقرة.. وهذا يذكرنا بتحذير الجاحظ «القصيدة إذا كانت كلها أمثالًا لم تسر ولم تجرِ مجرى النوادر، ومتى لم يخرج السامع من شيء إلى شيء لم يكن لذلك النظام عنده موقع».. وما يصدق على القصيدة يصدق على الرواية.

ورغم ذلك، فالرواية ستأخذك معها بغموضها وموضوعها الجليل.. وبحكايا الناجين المعذّبين ومغامراتهم المروّعة في البر والبحر.

صوت متميز

كذلك أبانت الرواية عن قاصٍ ذكي لا تخذله المفردة.. يُدهشك بالفكرة تلو الفكرة وبالصورة تلو الصورة.. ويخط قلمه بشعور إنساني واضح.. وإحساس رهيف لا تفتلت منه أدق اللحظات.. بل توحي إليه كما توحي للشاعر والفنان..

وهو وإن كان بادياً عليه تأثره الجميل بالراحل إسماعيل فهد إسماعيل وإفادته من تقنياته الفنية.. إلا أنني موقنٌ بأن التجربة ستصقل من قلمه البارع، وأنه عمّا قريب.. سيجد صوته المتميز في صناعة الرواية الكويتية.

 

 

المصدر: القبس 

26 Eyl, 2021 01:08:50 PM
0