Ana içeriğe atla

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏لماذا تؤلمنا الكلمات كما تؤلمنا العصي والحجارة

قد يُسفر الشعور بالرفض وانكسار الفؤاد عن تأثير جسدي مماثل تمامًا لذلك الذي ينجُم عن الجروح والخدوش، ولعل حياتَك تتغير إذا ما فهمتَ الأسباب من وراء ذلك.

 

هاجمتني الآلام على حين غِرَّة. بدأتْ بألم في صدري، كما لو كان عَظْم صدري يُطبق عليه بإحكام. ثم فاجأتني نوبات الصداع والإنهاك المُزْمن. ولازمتني هذه المشاعر لأسابيع، وعادة ما كانت تَبْلغ أوْجها في الليل قبل أن أخلُد إلى النوم مباشرة. وعلى الرغم من أن هذا وقَع قبل عقد من الزمن، فإني أذكره جيدًا؛ لأنه شكَّل نوبة اعتلالي الأولى التي لن أخطئها ما حييت؛ انكسار الفؤاد.

تتداخل الخيانة، والرفض، وفقدان الحب في نسيج الحياة، لكننا لم نبدأ في فهم أساس عمل هذه المشاعر المؤلمة في المخ إلا في السنوات العشْر الأخيرة، عندما توصَّل العلماءُ إلى أنَّ أَلَمَ الرفض يُحفز نفس المسارات العصبية التي يُحفزها الألم الناتج عن الحرق أو الجرح. وعلاوةً على تفسير سبب انعدام الإحساس لدى البعض أكثر من غيرهم، تُنْبئ هذه الحقيقة بعلاقة وثيقة بين حياتك الاجتماعية وصحتك؛ إذ من الممكن فعليًّا أن يموت المرء نتيجة الوَحدة.

منذ زمن بعيد تستعين لُغتُنا بمفردات بدنية لوصف أسوأ مشاعرنا، باستخدام عبارات مثل «كَسَرَت فؤادي.» و«جرحني.» و«طعنني في ظهري.» وتُعقد مثل هذه المقارنات في جميع أنحاء العالم؛ فالألمانيون يتحدثون عن «جرح» مشاعرهم، في حين يصف ساكنو التبت الرفض بأنه «ضربة في القلب».

ومع أن هذه التعبيرات كانت تُعتبر دائمًا تعبيراتٍ مجازيةً، فقد كان ثمَّة إشاراتٌ منذ وقت طويل إلى أن كثيرًا منها كان حقيقيًّا. على سبيل المثال، أوضحَتْ دراسات أُجريت على الحيوانات في تسعينيات القرن العشرين أنَّ المورفين لا يخفف الألمَ بعد الإصابة فحسب، وإنما يمكن أن يُقلل أيضًا الحزن الذي يصيب صغار الفئران لدى الانفصال عن أمهاتهم.

ومع ذلك عندما بدأتْ ناعومي أيزنبرجر بجامعة كاليفورنيا، بِلوس أنجلوس، دراسةَ مشاعر الألم عند البشَر في بداية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، لم يكن لديها فكرةُ ما الذي ستتمخَّض عنه هذه الدراسة. وكان يُحيِّرها أن مشاعر الرفض التي تَعرَّضنا لها في الماضي تَظل تلازمنا طيلة الحياة؛ فجميعنا نتذكر تلك المرةَ عندما لم يقع علينا الاختيار في الفريق الرياضي بالمدرسة، أو عندما شَعَرْنا بالإقصاء من مجموعة من الأصدقاء. وتقول أيزنبرجر: «كان يساورني الفضول: لماذا تعد هذه مشكلة كبيرة؟»

لاكتشاف ما الذي يَحدث في المخ عندما يَشعر الأفراد بالرفض الاجتماعي، طلبتْ أيزنبرجر من المتطوعين أن يلعبوا لعبة بسيطة على الكمبيوتر تُسمى «سايبربول»، فيها يمرر ثلاثة لاعبين كرةً بينهم، وأخبرتْ كل متطوع أنه يلعب مع شخصين في غرفة أخرى، لكن في حقيقة الأمر كان الكمبيوتر يتحكم في رفقاء اللعب.

على الرغم من أن اللاعبين الثلاثة بدءوا لعبهم بشكل وُدِّيٍّ، فسرعان ما تَوقف اللاعبان اللذان يتحكم فيهما الكمبيوتر عن قذف الكرة للمتطوع. لربما يبدو هذا إهانة تافهة، غير أن بعض المتطوعين كانت لهم بعض ردود الأفعال القوية تجاهَ هذه الإهانة؛ فقد غاص بعضهم في مقعده، أو أشاروا بإيماءات وقحة نحو الشاشة!

في الوقت نفسه، كان ماسح الرنين المغناطيسي الوظيفي يُسجل نشاط المخ لدى المتطوع، كاشفًا عن ارتفاعٍ في معدل نشاط القشرة الحزامية الأمامية الظهرية عندما يبدأ اللاعب في الشعور بالنبذ (ساينس، مجلد ٣٠٢، ص٢٩٠). تُعرف هذه المنطقة بكونها جزءًا مهمًّا من «شبكة الألم» بالمخ؛ إذ تحدد مدى الألم الذي نشعر به من جرح ما. وتتنوع الاستجابة على حسب الموقف؛ فحين تَخبط رأسك وأنت في المكتب قد يبدو مشكلةً كبيرة، لكنك لا تكاد تلحظ الخبطة أثناء مباراة لكرة القدم.

ومن الأهمية بمكان أنه كلما كان الجرح مؤلمًا، ازدادت القشرة الحزامية الأمامية الظهرية نشاطًا، وهي الحقيقة التي بَدَت واضحة تمامًا أثناء مباريات السايبربول؛ فأولئك الذين أوردوا الشعور بأنهم في أسوأ حال بعد الرفض سجَّلوا أعلى نشاط في هذه المنطقة.

أكَّدت دراسات أخرى هذه الصلة؛ إذ توصلت إلى أن الرفض الاجتماعي لا يُثير القشرة الحزامية الأمامية فحسب، وإنما أيضًا «الجزيرة الأمامية»، وهي بقعة أخرى في شبكة الألم، تستجيب للألم الشديد الذي ينجم عن حدوث جرح في الإصبع أو كسر في العظام. لكن على الرغم من أن جميع هذه النتائج توحي بأن الألم العميق الذي نَشعر به لدى التعرُّض لإهانة ما هو نفسه الاستجابة الشعورية عند التعرض لإصابة ما، استغرق الأمر حتى العام المنصرم حتى يتبيَّن كيف أن تلك المشاعر قد تتحول إلى أحاسيس بدنية ملموسة.

قرر إيثان كروس، الأستاذ المساعد بجامعة ميشيجان في آن آربر، أن يُنَحِّيَ لعبة السايبربول جانبًا ويتجه لنوع من الرفض أكثر جدية؛ انكسار الفؤاد، واستعان بأربعين شخصًا مرُّوا بتجارب انفصال عن أحبَّائهم في خلال الشهور الستة المنصرمة، وطلب منهم مشاهدة صورة لأحبائهم السابقين أثناء فحصهم بماسح الرنين المغناطيسي الوظيفي. وطلب منهم أيضًا أن يمعنوا التفكير في أحداث الانفصال. وبعد فترة قصيرة عُرِّضَ المتطوعون لصدمة حرارية مؤلمة في الساعد، مما سمح لكروس بمقارنة نشاط المخ المقترن بالموقفَين.

وكما هو متوَقع، نشطَت القشرة الحزامية الأمامية الظهرية والجزيرة الأمامية في كلتا الحالتين، لكن الأمر المثير للدهشة هو أن مراكز الإحساس في المخ التي تعكس الاضطراب الجسدي المصاحب للإصابة بجرح ما أظهرت أيضًا نشاطًا واضحًا، وهو يُعد أول دليل على أن مشاعر انكسار الفؤاد يمكن أن تسبب ألمًا فعليًّا بكل ما تحمل الكلمة من معنى (بي إن إيه إس، مجلد ١٠٨، ص٦٢٧٠).

وبعد تأكيد الصلة بين الألم الجسدي والمعاناة العاطفية، توصَّل المزيدُ من الدراسات إلى أن التجربتين تُغذِّي إحداهما الأخرى في بعض الأحيان؛ فعندما يشعر الأفراد بالنبذ يصيرون أكثر حساسية للحرق بمجس ساخن، كما أن وضع اليد في الماء المثلج لمدة دقيقة يجعل الأفراد يشعرون أنهم مُهمَلون ومنبوذون.

تسكين الألم

العكس صحيح أيضًا؛ فتهدئة استجابة الجسم للألم يمكنها أن تُخفف ألم الإهانة. استعان ناثان ديوول، الأستاذ المساعد بجامعة كنتاكي في ليكسينجتون، باثنين وستين طالبًا، وجعلهم يتناولون قرصين من الباراسيتامول (أسيتامينوفين) يوميًّا على مدار ثلاثة أسابيع، أو يتناولون علاجًا وهميًّا، وكل مساء كان الطلاب يملئون استبيانًا يقيس مشاعر الرفض لديهم على مدار اليوم. وبنهاية الأسابيع الثلاثة، أصبحت المجموعة التي تتعاطى الباراسيتامول أقل حساسية؛ إذ سجلوا مشاعر ألم أقل أثناء المواجهات اليومية. وبعد أن لعبت المجموعتان لعبة السايبربول تأكدت تلك النتائج؛ إذ أظهر أولئك الذين تعاطوا الباراسيتامول نشاطًا أقل في القشرة الحزامية الأمامية الظهرية وفي الجزيرة الأمامية، مقارنة بأولئك الذين تناولوا العلاج الوهمي (سيكولوجيكال ساينس، مجلد ٢١، ص٩٣١).

يقول جيف ماكدونالد الأستاذ بجامعة تورونتو بكندا وأحد القائمين على هذه الدراسة: «فكرة أنه بمقدورك أن تُؤثر فعليًّا في تجربة الأفراد تأثيرًا اجتماعيًّا باستخدام دواء مسكن معروف بأنه خفيف وشائع الاستخدام (مثل الباراسيتامول) هي اكتشاف غاية في الأهمية. وهذا هو عين ما يمكن أن تتوقعه إذا كانت قصة تسكين الألم الاجتماعي هذه حقيقية بالفعل.» وغنيٌّ عن القول أنه لا يجدر بك أن تجرب هذا بنفسك لما هو معروف من آثار جانبية مضرة للمسكنات.

قد يعلل هذا البحث سبب أن بعض الأفراد يجدون صعوبة أكبر في تحمل مشاقِّ حياتهم الاجتماعية مقارنة بغيرهم. لقد تبيَّن أن الانبساطِيِّين لديهم قدرة على تحمل الألم أكبر من الانطوائيين، ويتَّضح هذا من خلال تمتُّعهم بقدرة أكبر على تحمل الرفض الاجتماعي. في نفس الوقت توصلت أيزنبرجر إلى أن الأفراد الذين يشعرون بألم أكثر عندما يلمس قطبٌ كهربي ساخن ذراعَهم، هم أيضًا أكثر عرضة لجرح مشاعرهم أثناء لعبة السايبربول.

وقد تُعزَى هذه الاستجابات المتفاوتة جزئيًّا للعوامل الوراثية؛ فقد أثبت فريق أيزنبرجر أن الأفراد الذين حدَثَت لهم طفرة بسيطة في الجين OPRM1، والذي يحمل الشفرة المكونة لأحد المستقبلات الأفيونية في الجسم، هم أكثر عرضةً للوقوع فريسةً لمشاعر الاكتئاب بعد الرفض من الأفراد الذين لم تحدث لهم هذه الطفرة. هذه الطفرة عينها تجعل الناس أيضًا أكثر حساسية للألم البدني، وعادة ما يحتاجون المزيد من المورفين بعد الخضوع لعمليات جراحية.

المهم في الأمر أن هذه المستقبلات توجد بكثافة على وجه الخصوص في القشرة الحزامية الأمامية الظهرية. وكما قد تتوقع، تميل القشرة الحزامية الأمامية الظهرية في الأفراد الذين حدثت لهم هذه الطفرة إلى الاستجابة على نحو أكثر قوة للإهانات المستقبلة (بي إن إيه إس، مجلد ١٠٦، ص١٥٠٧٩).

وكما هو الحال في الكثير من الخصال، يمكن أن تحدد البيئة المبكرة للطفل أيضًا حساسيته. على سبيل المثال، الأفراد الذين يعانون بعض أشكال الألم المزمن من المرجح أن يكونوا قد مرُّوا بصدمات مثل الإيذاء العاطفي في سنواتهم الأولى. لربما عمل هذا على تنشيط شبكة الألم لديهم، مما جعلهم أكثر حساسية لأي مضايقة (أمريكان جورنال أوف سيكايتري، مجلد ١٦٢، ص٨٩٩).

والمراهقون هم على ما يبدو أكثر حساسية للرفض من غيرهم؛ حيث إن شبكة الألم بالمخ لا تزال في طور النمو في هذا العمر، ومقارنة بمخِّ البالغين، تميل إلى إظهار المزيد من الاستجابات المبالغ فيها للإهانات والهفوات الصغيرة. على الصعيد الإيجابي، يمكن أن يُثمر الدعم الاجتماعي إبَّان هذه المرحلة عن فوائد دائمة. على سبيل المثال، يُظهر الشبابُ الذين نعِموا بشبكات اجتماعية أكثر قربًا في أواخر سنين المراهقة استجاباتٍ أقلَّ لألم الرفض من أولئك الذين شعروا بالوحدة في الماضي، ربما لأن ذكريات القبول في الماضي تهدِّئ مشاعرهم على نحو لاشعوري (سوشال كوجنتيف أفيكتيف نيوروساينس، مجلد ٧، ص١٠٦).

عندما تضع في اعتبارك اعتماد أسلافنا على علاقاتهم الاجتماعية في البقاء، يبدو منطقيًّا لنا لماذا تطورنا لنشعر بالرفض بقوة. فقد كان الطردُ من القبيلة أشبهَ بحكم الإعدام؛ إذ كان يُعرِّض أسلافنا للتضور جوعًا وخطر الافتراس. ونتيجة لذلك، احتجنا إلى نظام تحذيري يُنبهنا إلى أي صراع محتمَل، ويقينَا من التسبب في المزيد من الإهانات، ويعلمنا أن نسلك سلوكًا مقبولًا في المستقبل. ومن ثَمَّ كانت شبكة الألم، القادرة على أن تُنبِّهَنا عندما نتعرض لإصابة بدنية من نار أو نصْلِ سكين، تُجهَّز تجهيزًا مثاليًّا كي تَكبح جماح سلوكنا الاجتماعي.

أخذ البعض مسار التفكير هذا على نحوٍ أكثر جدية، حاسبين أنه قد يملك أسرار بعض الأعراض الأكثر غموضًا للوحدة. يميل الأفراد الذين يشعرون بالوحدة إلى أن يكون لديهم ارتفاع في التعبير الجيني للالتهاب، ولا سيما في خلايا الدم البيضاء، وانخفاض في التعبير الجيني لمضادات الفيروسات.

لكن لماذا يتعامل الجسم مع العزلة بهذه الطريقة؟ يقول ستيف كول، أخصائي علم الوراثة السلوكية بجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس: «كان هذا على نحو ما لغزًا محيرًا طيلة السنوات الخمس أو العشر الأخيرة.» بدأت الإجابة في الظهور عندما انتبه كول إلى الطريقة التي تؤثِّر بها الظروفُ المختلفة في الأفراد ذَوي الحيوات الاجتماعية المختلفة. انتشرت الفيروسات سريعًا وسط المجموعات الكبيرة من الأفراد، في حين أن العدوى البكتيرية المهدِّدة للحياة تنبع عامة من الجروح التي ربما كان أسلافنا أكثر عرضة للإصابة بها أثناء العيش في عزلة، دون حماية من أقرانهم. يقترح كول أنه نتيجة لذلك، قد «يسترقُ» جهازُنا المناعي السمعَ إلى إشارات الوضع الاجتماعي التي يُصدرها المخ؛ فإذا بدا أننا نتمتع بحياة اجتماعية مفعمة بالحيوية وسط مجموعة كبيرة من الأشخاص، فإننا مُهيئون للتعامل مع الفيروسات، أما إذا كنَّا نشعر بوحدة، فإن القشرة الحزامية الأمامية الظهرية ومناطق أخرى تسبب حدوثَ التهاب يساعدُنا في محاربة العدوى البكتيرية.

وثمة دليلٌ آخرُ على هذه الفكرة ساقه لنا جورج سلافيتش من جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس؛ فقد توصل إلى أن المهام المرهقة اجتماعيًّا، مثل إلقاء خطاب مُرتجَل، تسبِّب نشاطًا قويًّا في منطقة القشرة الحزامية الأمامية الظهرية، مما يحفز حدوث استجابة مناعية التهابية، كما لو كان المخ يَتخذ إجراءً استباقيًّا للوقاية من خطر العزلة والألم (بي إن إيه إس، مجلد ١٠٧، ص١٤٨١٧).

ربما تكون هذه الاستجابة قد أنقذت أسلافنا من العدوى في صراعات التطور الشرسة، لكنها قد تؤثر تأثيرًا عكسيًّا علينا في العالم الحديث. ارتبط الالتهاب الشديد بمجموعة كبيرة من الحالات المرضية — بما فيها مرض القلب والسرطان وألزهايمر — والأفراد الذين يشعرون بالوحدة يكونون أكثر عرضة لكل هذه الأمراض. توصل تحليل جمعي ﻟ ١٤٨ دراسة في ٢٠١٠، إلى أن الأفراد ذوي الصلات الاجتماعية الكافية من المحتمل أن يعيشوا حتى نهاية الدراسة بمقدار مرة ونصف ضِعْفَ الأفراد الذين يعانون الوحدة، وهو التأثير الذي يعادل الامتناع عن التدخين أو الإفراط في تناول الكحوليات (بي إل أو إس ميديسين، مجلد ٧، e1000316). وتعقَّبت دراسة أخرى، نُشرت هذا العام، الحالة الصحية لِألفَي مواطنٍ أمريكيٍّ في منتصف العمر ومن كبار السن، وتوصلَت إلى أن احتمال وفاة أولئك الذين ذَكروا أنهم يشعرون بأعمق مشاعر الوحدة ضِعْفُ احتمال وفاة ذوي المستويات الأدنى من مشاعر الوحدة إبان فترة الدراسة التي امتدت إلى ست سنوات (سوشال ساينس أند ميديسين، مجلد ٧٤، ص٩٠٧).

قد يبدو أن هذه الدراسات تؤكد أهمية برامج الدعم الاجتماعي لكبار السن والعَجَزَة وأي شخص يتعافى من المرض. ومع ذلك، لا بد من توافر المزيد من الأبحاث لفهم الطريقة التي تؤثر بها حياتنا الاجتماعية على صحتنا كما صرح جون كاتشوبو من جامعة شيكاجو، الذي يدرس الوحدة. وهو يتشكك في أن تجارب لعبة السايبربول تُخبرنا الكثير عن تأثير الانعزال لفترات زمنية طويلة، مشيرًا إلى أن الاستجابات الفسيولوجية المعروفة لمشاعر الرفض قصيرة الأجل. يقول كاتشوبو: «قد لا تؤثِّر هذه الأحداث العابرة على شعورنا بالوحدة إطلاقًا؛ فليست توافه الأمور هي التي تُميت الناس، وإنما كوْن المخ منتبهًا طوال الوقت بلا توقف.»

في الوقت عينه، هناك إجراءات يمكن أن نتخذها كي نمهِّد طريقَ حياتنا الاجتماعية الوعْرَ. نَوَدُّ جميعنا أن نرتاح بعد الضيق، غير أن أيزنبرجر وجدَتْ أن مساندة الآخرين أيضًا تقلل من استجابتنا لمشاعر الرفض. ولكي تَختبر هذا، أخضعتْ رجلًا لصدمة كهربائية، بينما كانت شريكة حياته التي كانت تَخضع لفحص مخها بماسح الرنين المغناطيسي الوظيفي تُمْسك بيده دعمًا له وكذلك حين مُنعت من فعل ذلك. ووجدت أن السيدة عندما استطاعت أن تَدعم زوجها، تراجعت استجابة مخها للخطر والرفض على نحو ملحوظ. وتنوي أيزنبرجر أن تبدل دور المرأة بالرجل والعكس في تجربة قادمة.

إذن، مع أنه ليس بمقدورنا أن نمنع مواقف الحياة من تشكيل حياتنا العاطفية على نحو مباشر، فربما كانت لدينا القدرة على التحكم في الطريقة التي نستجيب بها لهذه المواقف. ربما تكون الكلمات قاسية قسوة العِصِيِّ والحجارة، لكننا نستطيع — بإيلاء الرعاية للآخرين ولأنفسنا أيضًا — أن نَطمئن على الأقل من أنها لن تؤلمَنا إلا لفترة وجيزة فحسب.

06 Ara, 2015 09:11:35 PM
1