Ana içeriğe atla

النساء والسلك الدبلوماسي

لطالما كانتْ وزارة الخارجية معقلًا للشوفينية الذكورية. ولم تبدأ النساء العاملات في السلك الدبلوماسي في ترْك بصماتهن إلَّا إبَّان الحرب العالمية الثانية.

 تخيلتْ فيرجينيا وولف — في كتابها الكلاسيكي «ثلاثة جنيهات» الذي ألَّفتْه في فترة ما بين الحربين العالميتين — المشهد التالي: تتحدث ابنة رجل متعلم، خلال محادثة مع أخيها أو أحد معارفها من الرجال، عن احتمالية قبول النساء اللائي حصلن حديثًا على حقهن في التصويت في كل أنواع المهن، بما في ذلك تلك التي كانت لا تزال حِكْرًا على الرجال:

إننا — من جانبنا — ندرك على الفور بعضًا من تلك «الانفعالات القوية» من جانبكم التي «يُثيرها حافز دون مستوى التفكير الواعي» … والأعراض البدنية لا تخطئها عين؛ إذ تُستثار الأعصاب، وتطبق الأصابع تلقائيًّا على ملعقة أو سيجارة، وبإلقاء نظرة واحدة على مقياس العمليات النفسية لأحدكم يتضح أن درجة الحرارة الانفعالية قد ارتفعتْ من عشر إلى عشرين درجة فوق المعتاد.

ممنوعة من الدخول: صورة كرتونية من مجلة بانش نُشرتْ عام ١٩٣٦ تصور العراقيل التي كانتْ تواجه الدبلوماسيات.

ممنوعة من الدخول: صورة كرتونية من مجلة بانش نُشرتْ عام ١٩٣٦ تصور العراقيل التي كانتْ تواجه الدبلوماسيات.

لم تكن وولف حاضرةً أثناء وقائع اللجنة الوزارية التي شكلتْها وزارة الخارجية البريطانية عام ١٩٣٤ للنظر في ملاءمة النساء للمِهَن الدبلوماسية. ولو أنها كانتْ حاضرة، لما شعرتْ بالحاجة الماسة إلى إعادة النظر في تحليلها لغريزة الذكور للحفاظ على امتيازاتهم المهنية. لقد قوبلتِ الجهودُ النسوية لاقتحام أبواب وزارة الخارجية بمقاومة شرسة من هؤلاء الذين طالما كانتِ الوظيفة حكرًا عليهم، والذين انزعجوا إلى حدٍّ بالغ من احتمالية الغزْو النسوي لعالَمهم الأشبه بالرابطة. وَحْدَها التعبئةُ النسائية الضخمة على الجبهة الداخلية وجبهة القتال خلالَ الحرب العالمية الثانية كانتْ كافيةً لفَرْض تغيير على الوضع الراهن الذكوري آنذاك. وفي عام ١٩٤٦، أصبح للنساء الحق أخيرًا في تولِّي مناصبَ في السلك الدبلوماسي البريطاني.

وكانتْ حِدَّة المشاعر تلك من جانب الرجال في وزارة الخارجية نابعةً من التهديد الملموس الذي شكَّلتْه النساء العاملات في السلك الدبلوماسي على النظام الاجتماعي والجنسي الذي يقوم عليه العمل الدبلوماسي الحديث. في القرن التاسع عشر، تطورتِ الدبلوماسيةُ إلى مِهْنة واضحة المعالم لرجال الصفوة الذين تُرافِقهم زوجات مطيعات وفيات. ومع فترة سنوات ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، عُيِّنت النساء في وظائف الطباعة على الآلة الكاتبة وفي الوظائف المكتبية الأدنى درجةً في السفارات، لكنهن لم يصلْنَ إلى مكانة مساوية للرجال.

وقد كان هذا الوضع ملائمًا بوضوح لمسئولي وزارة الخارجية، الذين لم يوافقوا إلَّا على مضض على النظر في إمكانية تعيين نساء دبلوماسيات عقب الضغط عليهم من قبل النسويين والجمعيات النسائية المهنية. وقد أوضح سير روبرت فانسيتارت، الوكيل الدائم لوزارة الخارجية، موقفَه بجَلاء إذ قال إن مثل هذه الحركة «ليستْ في صالح النساء أنفسِهن، وليستْ في صالح السلك الدبلوماسي البريطاني، وسوف تهدر مكانة الحكومة البريطانية في البلاد الأجنبية.» وفي عام ١٩٣٣، أَوْكَل فانسيتارت مهمة إعداد حجة وزارة الخارجية لتشارلز هوارد سميث، وكيل أول الوزارة المساعد، الذي سرعان ما تَعَهَّد بجمع «كل ما يُمكنني الحصول عليه من دعم.»

ولم يكن ذلك بالأمر الصعب؛ فمِن بين ٥١ سفيرًا استُطلعتْ آراؤهم، لم يصوتْ لصالح توظيف النساء سوى ثلاثة فقط. أما رؤساء الخدمات القنصلية، الذين كان موظفوهم يعملون في بيئات غير صحِّية في مواقع نائية أو في بلدات تقع على موانئ، فقد عارضوا بنحوٍ أكثر قطعًا.

وقد قدَّمتْ أدلتُهم المشتركة ثلاث حُجَج أساسية. ركَّزتِ الحجةُ الأولى على الصعوبات العملية لتعيين النساء في بلاد تُعرف بدُنُوِّ مكانة النساء فيها. يقول فانسيتارت: «ليس بحجة صحيحة أن نقول إننا ما دمنا نعامل النساء في بلادنا كأنداد للرجال، فإن الأجانب سيتعاملون مع المرأة الإنجليزية في الخارج بالمثل. إنها لن تتلقَّى المعاملةَ نفسَها في الخارج.» وأكَّد سفير بريطانيا في برلين، سير إريك فيبس، هذه النقطة، مشيرًا إلى أن المسئولين النازيين «سيشعرون على الأرجح بأننا لا نأخذهم على محمل الجد إلى الحد الكافي لطلبنا أن يعتمدوها لديهم.»

وركزتِ الحجةُ الثانية على غوغائية الموانئ؛ إذ يمكن استدعاء موظفي القنصلية لتهدئة البحَّارين العنيفين والمخمورين، والتعامل مع تفشِّي الأمراض التناسلية على السفن التجارية، أو التحقيق في ادعاءات بوقوع «جريمة شذوذ جنسي» في البحر. مثل هذه المهام ليستْ مناسبةً للنساء «بشكل واضح».

ركزتِ الحجةُ الثالثة على الحالة الاجتماعية؛ فألمحتْ إلى أن المرأة العزْباء أدنى قيمةً إلى حدٍّ مهول من الرجل الدبلوماسي الذي أتَى بصحبة زوجته. وخمَّن سفير بريطانيا في بوينس آيرس، سير هنري شيلتون، أن «المرأة العزْباء التي ستعمل كسفيرة لن تُنجِز سوى ٥٠ بالمائة من العمل الذي أُنجِزه أنا وزوجتي.» على الناحية الأخرى، أثارتِ المرأةُ المتزوجةُ مشكلةَ «الزوج الملتحق» الشائكة؛ إذ إنه إذا تهرَّب من الالتحاق بزوجته فإن استقالتها تُصبِح حتميةً، لكن إذا صاحبها وهي تؤدِّي مهام وظيفتها فإن من المرجح أنه سرعان ما سيتحول إلى مصدر إزعاج لعمل السفارة.

وقد أعدَّ هوارد سميث هذه الحججَ بمهارة، واطمأنَّ إلى عدم ملاحظة اللجنة للتعليقات الأكثر تطرفًا في كراهية النساء لسفراء مثل سير جوزيف أديسون، الذي أقرَّ بأنه يفضِّل أن يموت على أن «أرى لإنجلترا ٤٠٠ نائب برلماني، و١٥ وزيرًا، و١٠ قضاة بالمحكمة العليا، و٦ وكلاء دائمين، و٨ سفراء؛ جميعهم من النساء ويُدِرْنَ البلادَ حسبَ الطالع.» في الواقع، كان الاعتقاد في العيوب المزاجية لدى النساء قويًّا. وقد أشار الكثير من السفراء إلى مَيْلِهن إلى «العاطفية»، في حين عبَّر أحد المسئولين — وهو ديفيد سكوت — عن المنظور الذي يرى أن النساء «مجبولات على تبنِّي قضايا، وسيظْلَلْنَ كذلك حتى وإن تلقَّيْن تدريبًا كاملًا؛ إنه أمر يتعلق بطبيعتهن.»

في عام ١٩٣٤، جاء قرار اللجنة لصالح إبقاء الوضع على ما كان عليه، لكن لم يمْضِ سوى عَقْد وكانت المرأة تمثِّل بريطانيا في المناصب الدبلوماسية بجهودها الذاتية. فماذا حدث لكي يقع هذا الانعكاس المفاجئ في الموقف؟ الإجابة ببساطة هي الحرب. لقد أجبر العجزُ في الأيدي العاملة وزارةَ الخارجية، إضافة إلى باقي وزارات بريطانيا، على تقليد النساء المناصبَ في الخارج للقيام بمهامَّ سياسية مسئولة. وقد تضمن ذلك (من بين أخريات) الرحالة فريا ستارك في مصر والعراق، والباحثة الفارسية نانسي لامبتون في طهران، وماري ماجيتشي — كندية المولد — في واشنطن العاصمة، والصحفية إليزابيث ويسكمان في سويسرا. وقد قوَّضتْ كفاءتُهن المهنية جانبًا عظيمًا من حجة وزارة الخارجية ضدَّ النساء؛ في حين جعلتْ تضحيات النساء العاديَّات على الجبهة الداخلية من المستحيل رفضَ المطالب النسوية المتجدِّدة بالمساواة في كل مجالات الحياة العامة، بما في ذلك السلك الدبلوماسي.

ومع ذلك، لا يزال مقياس العمليات النفسية الذي تحدثتْ عنه وولف يسجِّل قِيَمًا مرتفعة حتى بعد ١٩٤٦. فإلى جانب ممارسة حظر النساء المتزوجات من العمل في وظائف بعينها، والتي استمرَّ تبنِّيها حتى عام ١٩٧٣، واجهتِ النساءُ اللائي عُيِّنَّ في فترة ما بعد الحرب مديري إدارات عدوانيين في لندن، وقد رفض السفراء المتشككون تعيينهن في وظائف بالخارج. واليوم، أصبحت وزارة الخارجية مكانًا أكثر ترحيبًا بالنساء إلى حدٍّ كبير، لكن لا يزال الرجال يفوقون النساء عددًا في أرفع الوظائف بما يعادل ثلاثة رجال أمام كل امرأة. ربما تكون معركة وزارة الخارجية قد انتهتْ، لكنها لم تصبح تاريخًا بعدُ.

10 Ara, 2015 09:54:28 PM
1