Ana içeriğe atla

قنبلة الخصيتين الموقوتة: طفرات الحيوانات المنوية لدى الآباء الأكبر سنا

تخوض الحيوانات المنوية لدى الرجال صراعًا داخليًّا تطوريًّا، وبمرور السنين يزيد ذلك من احتمال إنجاب طفل يعاني من اضطراب جيني.

تصف آن جوريلي ردَّ فعلها عام ٢٠٠٣ عندما شاهدت نتائج سلسلة من الاختبارات التي أجرتها على عينات من الحيوانات المنوية قائلةً: «قلت في نفسي: يا إلهي! لقد خلطْتُ جميع العينات، لقد ارتكبتُ خطأً فادحًا! وظللْتُ منزعجةً طوالَ الليل مما حدث.» كانت جوريلي تدرس العينات في محاولةٍ لحل لغز أحد اضطرابات النمو النادرة ويُدعَى متلازمة أبيرت. ومع أول نظرة ألقَتْها على النتائج اعتقدت أنها تلوثَتْ بطريقةٍ ما أو امتزجَتْ بعضها ببعض.

لكن عندما حاولت جوريلي معرفة مكمن الخطأ، ورد بذهنها فجأةً تفسير آخَر، تتذكره قائلةً: «خطرَ لي فجأةً أنه ربما لم يحدث أي تلوث، ربما كانت تلك البيانات هي البيانات الحقيقية.»

اكتشفت جوريلي بالمصادفة عمليةً لم تكن معروفة وقتها تحدث في خصيتَيْ جميع الرجال. فمثل نوع بطيء من السرطان تتسبَّب بعض الطفرات في انقسام الخلايا الجذعية في الخصيتين على نحو شاذٍّ؛ مما يترتب عليه زيادةُ نسبة الحيوانات المنوية الطافرة مع تقدُّم الرجال في السن، والزيادة المستمرة لاحتمال تلقيح حيوان منوي طافِر لبويضة. تعلِّق جوريلي على هذا قائلةً: «إنها ظاهرة تحدث لدى جميع الرجال، وتأثيرها حقيقي رغم عدم وضوحه.»

مؤخرًا ربط الباحثون بين تلك الطفرات وبين بضع حالات مرضية نادرة، لكنها قد تلعب كذلك دورًا في مجموعة من الاضطرابات الأكثر شيوعًا، من بينها التوحُّد والفصام، وهو ما قد يفسِّر سببَ الشيوع الكبير لتلك الاضطرابات وتوقُّع زيادة انتشارها في المستقبل في الثقافات التي يُرجِئ الرجال فيها الإنجاب حتى الثلاثينيات أو الأربعينيات من عمرهم، أو بعد ذلك.

وعلى الرغم من ذلك، فإن جميع النتائج لا تمثِّل أخبارًا سيئة؛ إذ ربما تدعم طفرات مماثلة انقسام خلايا الدماغ أيضًا، لذا فقد تلعب نفس العملية دورًا محوريًّا في تطور أدمغتنا كبيرة الحجم.

تبدأ قصتنا في تسعينيات القرن العشرين، عندما بدأ أندرو ويلكي — متخصِّص علم الوراثة الإكلينيكي في جامعة أكسفورد — في دراسة أسباب متلازمة أبيرت؛ إذ تتعطل عملية النمو الطبيعية لدى الأطفال المصابين بهذه المتلازمة، فيُولَدون بمجموعة من العيوب الجسدية من ضمنها التحام أصابع اليد والقدم، وتشوهات في الجمجمة والوجه. يقول ويلكي: «يتسبَّب المرض دومًا في صدمة عند حدوثه»؛ لأن آباء الأطفال يتمتعون بكامل صحتهم.

لحسن الحظ، تندرج متلازمة أبيرت ضمن الأمراض النادرة للغاية؛ إذ تؤثِّر على طفل واحد من بين كل ٦٠ ألف طفل. لكن من المفترض أن تكون أشدَّ ندرةً من ذلك بكثير، فعلى عكس الأمراض الوراثية مثل التليف الكيسي أو فقر الدم المنجلي — التي تنتج عن انتقال طفرات جينية بين الأجيال — تظهر متلازمة أبيرت نتيجةً لطفرات جديدة نشأت من تلقاء نفسها أثناء تطور خلايا الحيوان المنوي وخلايا البويضة.

إن الطفرات الجديدة ظاهرة شائعة، فكلٌّ منَّا يُولَد بنحو خمسين طفرة جديدة، لكن نادرًا ما تسبِّب تلك الطفرات أي تأثير ملحوظ. إلا أن الجينوم البشري الذي يضم ثلاثة مليارات حرف من الحمض النووي يمتد لمسافة طويلة، وقد تظهر الطفرات في أي مكان به؛ مما يعني أن احتمالات تسبُّب طفرةٍ جديدة عشوائية في اضطرابٍ واحدٍ محدَّد مثل متلازمة أبيرت، يُفترَض أن تكون أقلَّ بكثير من معدل الحالة الواحدة لكلِّ ٦٠ ألف طفل.

ما السبب إذن في الشيوع النسبي لهذا المرض؟ «لا بد أن الهدف كبير.» هكذا فكَّرَ ويلكي في البداية. ربما في وسع الطفرات التي تظهر في أي موقع على طول امتداد الحمض النووي الشاسع التسبُّب في هذا الاضطراب؛ مما يزيد من احتمالات الإصابة به. لكن في الواقع اتضح أن العكس صحيح؛ إذ اكتشف فريق ويلكي أن متلازمة أبيرت ترجع إلى طفرات في موقع واحد أو موقعين محدَّدين فحسب في جين يُدعَى «إف جي إف آر ٢»، وهو يُعَدُّ هدفًا صغيرًا. (دورية نيتشر جينيتيكس، المجلد ٩، صفحة ١٦٥). قد تكون تلك المواقع سريعةَ التأثُّر بالطفرات على نحوٍ استثنائيٍّ، ومن ثَمَّ تتحول بمعدل أعلى بكثير مقارَنةً بباقي المواقع. توجد تلك «البقع الحسَّاسة» بالفعل في مناطق أخرى داخل الجينوم، لكن جميعها غير متمركزة في مكان محدَّد كتلك الحالة؛ لذا يتساءل ويلكي عمَّا يميِّز هذين الموقعين في جين «إف جي إف آر ٢».

انكشف جزء آخَر من اللغز عند دراسة آباء الأطفال المصابين بمتلازمة أبيرت؛ إذ اكتشف ويلكي أن الطفرة الجديدة تحدث دومًا في الحيوان المنوي وليس في البويضة (دورية نيتشر جينيتكس، المجلد ١٣، صفحة ٤٨). هل يعني ذلك أن أولئك الآباء لديهم خاصية استثنائية تدفعهم إلى إنتاج حيوانات منوية تحمل طفرات، أم أن الأمر مجرد سوء حظ؟

لإيجاد إجابات على تلك الأسئلة قرَّرت جوريلي — التي انضمَّتْ مؤخرًا إلى فريق ويلكي — مقارَنةَ عيناتِ الحيوانات المنوية من آباء الأطفال المصابين مع عيناتٍ من رجال اختيروا عشوائيًّا، وتوصَّلَتْ إلى اكتشافٍ سوف يثير قلقَ جميع الآباء المستقبليين؛ إذ اتضح أن جميع الرجال تقريبًا ينتجون حيوانات منوية تحمل تلك الطفرات، وإن كان ذلك بأعداد قليلة عادةً. وكان أعلى معدل وجدوه هو ١ من بين ٦٠٠٠ حيوان منوي لدى أحد الرجال، مع ذلك فقد ينجب أي زوجين طفلًا مصابًا بمتلازمة أبيرت. إذن، فالأمر يرجع في النهاية إلى تآلُف جيني عشوائي، وهو ما يعلِّق عليه ويلكي قائلًا: «بين الحين والآخَر سيظهر أب سيئ الحظ.»

حتى الآن لا يفسِّر ذلك الشيوع النسبي لمتلازمة أبيرت، لكن النتائج تضمَّنَتْ عنصرًا غريبًا بعض الشيء مما أتاح دليلًا آخَر.

تملك الخلايا نسختين من معظم الجينات، تنتقل نسخة واحدة فحسب إلى الحيوان المنوي. من المفترض أن تتساوى احتمالية ظهور الطفرات الجديدة في كلتا النسختين، لكن عندما فحصت جوريلي الحيوانات المنوية الخاصة بآباء الأطفال المصابين والآباء العاديين، أُصِيبَتْ بصدمةٍ؛ إذ كادت الطفرات تنحصر دومًا في نفس نسخة جين «إف جي إف آر ٢». كان هذا الاكتشاف هو ما جعلها تعتقد في تلك الليلة من عام ٢٠٠٣ أن العينات ملوَّثَة. وبينما كانت تتحسر على النتائج، خطرت لها فكرة جديدة، تصفها قائلةً: «هُرعتُ إلى مكتب أندور وقلتُ له: هذا ليس كلَّ ما في الأمر، بل إن الانتقاء الطبيعي له دور ها هنا.»

يحدث الانتقاء الطبيعي عندما تكون احتمالات تزاوُجِ أفراد يحملون سمةً معينة أكبرَ من احتمالات تزاوج مَن لا يحملونها؛ مما يجعل سمةً ما أكثرَ شيوعًا لدى قطاع من السكَّان. أدركت جوريلي أن عملية مماثلة قد تكون مسئولةً عن انتقاء الحيوانات المنوية التي تحمل طفرة أبيرت.

ينتج الرجال ما يزيد عن ١٠٠ مليون حيوان منوي يوميًّا، من خلايا جذعية تُعرَف باسم بزرات النطاف تبطِّن الأنابيب الصغيرة داخل الخصيتين. عندما تنقسم تلك الخلايا الجذعية، تتحوَّل إحداها إلى حيوان منوي، بينما تظل الخلية الأخرى بزرة نطاف (انظر الشكل التوضيحي). إذن يستمر إنتاج الحيوانات المنوية طوال حياة الرجل مع بقاء إجمالي عدد الخلايا الجذعية ثابتًا.

الجيل الأناني: لماذا تنتشر بعض أنواع الطفرات في الحيوانات المنوية على نحو مدهش؟

الجيل الأناني: لماذا تنتشر بعض أنواع الطفرات في الحيوانات المنوية على نحو مدهش؟

بين الحين والآخَر تتعرض بزرةُ نطافٍ لطفرةٍ؛ في بعض الأحيان تموت الخلية، لكن معظم الطفرات ليس لها تأثير ملحوظ؛ مما يعني أن الخلايا الجذعية الطافرة ستستمر في الانقسام وفي نقل الطفرة الجديدة إلى الحيوانات المنوية والخلية الجذعية اللتين تنتجهما، وعلى مدار حياة الرجل سيزيد عدد الطفرات، لكن من المفترض أن تكون الزيادة بطيئةً وثابتةً.

لكن ماذا لو كانت بعض الطفرات تمنح الخلايا الجذعية ميزة انتقائية بجعلها تنقسم على نحو شاذٍّ وتنتج أكثر من بزرة نطاف وليدة واحدة في كل مرة؟ إن ظهور «بزرة نطاف أنانية» كهذه في خصيتَيْ شاب قد يتسبَّب في إنتاج آلاف من تلك الخلايا الجذعية الطافرة بعد عقد أو اثنين، تحمل كلٌّ منها نسخةً من الجين الطافر؛ ومن ثَمَّ ستزيد نسبة الحيوانات المنوية الطافرة بمعدل متسارِع جدًّا، وليس بمعدل خطي ثابت.

وهكذا خَطَتِ الخلايا الجذعية الطافرة خطوةً فعَّالة نحو تحوُّلها إلى خلايا سرطانية، على الرغم من أن تكوُّن ورم يحتاج إلى المزيد من الطفرات. مع ذلك إذا لم ينجب الرجال أطفالًا مصابين بمتلازمة أبيرت، فسيموت معظم هؤلاء الرجال دون إدراك التشوُّه البطيء الذي أصاب أعضاءهم التناسلية.

يقدِّم هذا النوع من الانتقاء المنوي تفسيرًا دقيقًا للنتيجة التي أزعجت جوريلي طوال الليل؛ فإذا كانت متلازمة أبيرت شائعة نسبيًّا بسبب زيادة جين طافر واحد في خلية واحدة عبر الانقسام الخلوي، فستظل الطفرة دومًا في نفس نسخة الجين، لكن إثبات ذلك هو الجزء الأصعب، يقول ويلكي: «أُثِير جدلٌ متزايد إلى حدٍّ كبيرٍ حول كَوْن هذه ظاهرة حقيقية أم لا، لكننا جمعنا الأدلةَ شيئًا فشيئًا بعد ذلك.»

أحد الأدلة الهامة قدَّمَها الباحث نورمان آرنيم من جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس؛ إذ كان يدرس مرض الودانة — أو التقزم — الذي ترتفع احتمالات الإصابة به إلى حدٍّ يفوق التوقُّعات بكثير، مع الأخذ في الاعتبار أن جميع الحالات تقريبًا لديها طفرة في حرف واحد من الحمض النووي.

بعد قراءة بحث جوريلي وويلكي الذي صدر عام ٢٠٠٣، حوَّل أفراد فريق آرنيم اهتمامهم إلى متلازمة أبيرت، واضعين نُصْبَ أعينهم إيجاد الموقع الفعلي للخلايا التي تحمل طفرات «إف جي إف آر ٢» في الخصيتين، ووجدوها تحتشد بجانب بعضها البعض في مناطق معينة، كما هو متوقَّع تمامًا من بزرة نطاف أنانية تنتج الكثير من الخلايا الوليدة الأنانية (دورية بي إل أو إس بيولوجي، المجلد ٥، صفحة e224).

حتى الآن توصَّلَ الباحثون إلى حدوث طفرات في خمسة جينات في وسعها جعل بزرات النطاف أنانية. تشترك جميع هذه الجينات في نظام إصدار إشارات خلوية يُعرَف باسم مسار «آر إيه إس»، ويساعد على التحكُّم في عملية انقسام الخلية. يقول ويلكي: «بالنسبة لهذه المجموعة الصغيرة من الطفرات، فإن الأدلة التي توصَّلْنا إليها لا جدالَ فيها.»

هناك دون شك المزيد من الطفرات التي لم تُكتشَف بعدُ، لكن كَمْ عددها؟ وما الأمراض التي تسبِّبها هذه الطفرات؟ تقول جوريلي: «يبقى أن نسأل: هل ما اكتشفناه هو مجرد قمة الجبل الجليدي؟» فنحن نعرف منذ زمن أن أطفال الآباء الأكبر سنًّا أكثر عرضةً للإصابة بمجموعة من الاضطرابات، معظمها نادر مثل متلازمة أبيرت، لكن القائمة تتضمن كذلك اضطرابات شائعة بعض الشيء بدءًا من أنواع معيَّنة من السرطان، وانتهاءً بالتوحُّد والفصام. فعلى سبيل المثال، تصل احتمالات الإصابة بالفصام لدى أطفال الآباء الذين تتجاوز أعمارهم ٣٥ عامًا إلى ثلاثة أمثال المعدل الطبيعي، يُعزَى عادةً هذا التأثير الناتج عن سنِّ الآباء إلى التراكُم البطيء للطفرات في بزرات النطاف، لكن تأثيرَ الحيوانات المنوية الأنانية قد يلعب دورًا كذلك.

يأسر الارتباط بمسار «آر إيه إس» على وجه الخصوص اهتمام ويلكي وجوريلي؛ لأنه لا يؤثِّر فحسب على انقسام خلية الحيوان المنوي، بل يساعد كذلك على التحكُّم في تكاثُر الخلايا في الدماغ، وتعطيل هذا المسار بدأ يبرز كأحد العوامل الرئيسية المسبِّبة للتوحُّد. تقول جوريلي: «يوجد تداخل لافِت للنظر إلى حدٍّ كبير، ربما يكون مصادفة ليس إلا، لكن هذا الاحتمال مستبعَد.»

بالتأكيد لا ينتج التوحُّد من طفرة واحدة، على عكس متلازمة أبيرت، لكن يوجد عدد من الأدلة المتزايدة التي تشير إلى دور الطفرات الجديدة (دورية نيتشر، المجلد ٤٨٥، صفحة ٢٣٧)، وهي الطفرات الأكثر انتشارًا كذلك في الحيوانات المنوية لدى الرجال الأكبر سنًّا، فربما تؤدِّي الطفرات التي تؤثِّر على مسار «آر إيه إس» إلى زيادة نمو الدماغ لدى ذريتهم بواسطة جعل الخلايا العصبية تتكاثر، تمامًا مثل الحيوانات المنوية. وقد كشفت دراسةٌ نُشِرت هذا العام عن وجود ارتباط بين طفرات «آر إيه إس» وخصائص التوحُّد (مجلة جورنال أوف ميديكال جينيتكس، مجلد ٥١، صفحة ١٠).

لم نعرف بعدُ ما إذا كانت تلك الطفرات أكثر شيوعًا مما هو متوقَّع نتيجةً لتأثير الحيوانات المنوية الأنانية. ورغم ذلك، يقول عالم الوراثة جوناثان سيبات بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو، والذي حدَّدَ فريقُه طفراتٍ كثيرةً مرتبطة بالتوحد والفصام: «نعرف منذ سنوات أن دماغ الأطفال المصابين بالتوحد عادةً ما تكون مفرطة النمو.» يكاد سيبات يعتقد يقينًا أن الانتقاء الأناني جزء من تأثير سن الآباء، لكنه يرى أن هذا النوع من الانتقاء لا يلعب سوى دورٍ ضئيلٍ (انظر الجزء بعنوان «هل لكِبَر سنِّ الأب عند الإنجاب تأثيرٌ ضار؟») لتأكيد ذلك، يجب على الباحثين دراسة طفرات معيَّنَة لمعرفة ما إذا كان أيٌّ منها يتزايد بمعدل متسارِع وليس بمعدل خَطِّيٍّ ثابت مع تقدُّم الرجال في العمر.

وحتى بالرغم من أن تأثير الحيوانات المنوية الأنانية قد لا يكون مصدرَ قلقٍ كبيرًا لدى معظم الناس، فمن المحتمل أن يؤثِّر تأثيرًا ملحوظًا على الأجيال المتعاقبة؛ فربما يكون قد لعب في الماضي دورًا كبيرًا أثناء تطوُّرنا، وقد يشكِّل كذلك مستقبلنا.

لا تميل تلك الطفرات التي حدَّدها الباحثون إلى الآن — مثل تلك التي تسبِّب متلازمة أبيرت — إلى الانتشار بين السكان؛ لأن تأثيرها يكون من الخطورة إلى الحد الذي قد يمنع الناس من الإنجاب. ومن ثَمَّ يصبح السؤال المهم هنا: هل توجد طفرات تعزِّز انقسام بزرة النطاف مُحدِثة تأثيرًا ذا ضرر بسيط فحسب على الأفراد الذين يحملونها؟ قد تستطيع طفراتٌ كتلك الانتشارَ والاستمرارَ بين قطاع من السكان.

ربما يترتب على هذا الأمر نتائج مقلقة؛ فالارتفاع في متوسط عمر الآباء سيدعم عدد الطفرات الأنانية لدى السكان مع كلِّ جيل متعاقِب؛ مما يؤدِّي بالتالي إلى زيادة أعداد المرضى. يعلِّق ويلكي على ذلك قائلًا: «إنها نتيجة منطقية طبعًا.» رغم تأكيده على أن هذه النتيجة لا تعدو كونها مجرد تكهُّنٍ إلى الآن.

نظريًّا، من المفترض أن تأثير الحيوان المنوي الأناني قد زاد قوةً أيضًا منذ بضعة ملايين من السنين، عندما انفصَلَ أجدادنا عن القرود وبدءوا يعيشون حياةً أطول. إن تأمُّلَ الدور المحتمَل لهذا التأثير في تطوُّرنا لَهو أمرٌ مثير للاهتمام، على حدِّ زعم سيبات الذي يشير إلى أن «الطفرات الجديدة كانت ستميل ميلًا واضحًا نحو زيادة نمو الدماغ».

توجد أنواع عديدة من النظريات التي تفسِّر سبب بَدْءِ دماغ أشباه البشر في التمدُّد منذ مليونين ونصف المليون من السنين، منها ما يرجعه إلى التحوُّل لتناوُل الأطعمة البحرية أو إلى اختراع الطهي. أما فكرة كونه أثرًا جانبيًّا مرجحًا لعملية تحدث في الخصيتين فهي حقًّا أعجب النظريات حتى الآن. لكن من ناحية أخرى، تزعم الأقاويل أن أعضاء الرجال التناسلية هي المتحكمة في عقولهم. ربما كان ذلك صحيحًا إذن، لكن على نحو لم نتخيله قط.

هل لكِبَر سنِّ الأب عند الإنجاب تأثير ضار؟

مع تقدُّم الرجال في العمر يزيد خطرُ إنجابهم لأطفال مصابين بمختلف أنواع الاضطرابات — مثل التوحد والفصام — زيادةً كبيرةً.

كان يُعتقَد أن تأثير سنِّ الأب يرجع إلى التراكم البطيء للطفرات في الخلايا الجذعية التي تنتج الحيوانات المنوية، لكن تأثير الحيوان المنوي الأناني قد يلعب كذلك دورًا.

إذن، هل ينبغي تشجيع الرجال على الإنجاب في العشرينيات من عمرهم بدلًا من الانتظار حتى الثلاثينيات أو الأربعينيات. على الأرجح لا، فعلى الرغم من الزيادة الكبيرة في خطر الإصابة بالعديد من الاضطرابات، فإنها زيادة كبيرة في نسبة خطر بسيطة جدًّا. على سبيل المثال تزداد احتمالية إنجاب أب في الأربعين من عمره لطفلٍ مصابٍ بالتوحُّد بنسبة ٥٠٪ مقارَنةً بأب في العشرينيات، لكن إجمالي نسبة الخطر لا يتجاوز في الأساس نسبة ١٪، كذلك قد يتمتع أطفال الآباء الأكبر سنًّا بميزة؛ إذ سيحظون ببيئة أكثر استقرارًا.

لكن من منظور مجتمعي، يُعَدُّ تضاعُف عدد المصابين باضطرابات مثل التوحُّد والفصام أمرًا خطيرًا.

يفضِّل العديد من النساء إجراءَ عمليةِ تجميد لبويضاتهن وهُنَّ لا يزلن في مرحلة الشباب؛ لضمان تمكُّنهن من الإنجاب فيما بعدُ. نظريًّا قد يتاح للرجال الشباب فرصة تجميد حيواناتهم المنوية وإجراء عملية تخصيب خارجي لاحقًا، لكن تلك الخطوة ستثير جدلًا وستكلِّف مالًا، ومن ثَمَّ تتساءل جوريلي قائلةً: «هل نريد حقًّا القيام بهذا؟ لا أعلم.»

15 Ara, 2015 04:20:02 PM
1