Ana içeriğe atla
«أنثى افتراضية» ترجمة روائية لنظريات الاتصال الحديثة

لم يكن تأثير تكنولوجيا الاتصال وبالأخص الشبكة العنكبوتية  تأثيرا عابرا أو سطحيا على الإنسان، فهي لم ترتبط فحسب بممارساته الحياتية اليومية نظرا لما توفره من إمكانات هائلة جعلته يطوي المسافات ويعزز حضوره وأنشطته أينما كان ووقتما كان وكيفما كان، بل إنها قد أعادت وفق الكثيرين من علماء الاتصال تشكيل هوية الانسان ككائن إتصالي بالدرجة الأولى بدءًا من مقولة ابن خلدون الشهيرة «الانسان مدني بالطبع» وصولا إلى ما ذهب إليه علماء و فلاسفة الاتصال على غرار هوسرل و هيديجر بأنّ التفاعل interaction هو أساس أية عملية اتصالية  وجوهرها. و قد لا نبالغ إن قلنا إنه غايتها الأولى و الأخيرة نظرا لما له من دلالات و تمثلات و تفسيرات و ارتباطات بالبيئة التي وجدت فيها العملية الاتصالية نفسها سواء أكانت البيئة الإجتماعية أم الثقافية أم حتى  الطبيعة الشخصية للفرد.
ولقد أولى علماء الإجتماع و الاتصال بمختلف مدارسهم البحثية و النقدية كل الأهمية لهذه العملية بكل مكوناتها من المرسل إلى المرسل إليه وصولا إلى الرسالة ثم التأثير أو التفاعل. فتعددت النظريات و مناهج البحث لتتفق حينا و تختلف حينا آخر.
و بدورهم، أدلى العديد من الروائيين بدلوهم في هذا الموضوع فكان الاتصال عن بعد و بالأخص عبر الفايسبوك أو كما سماه واسيني الاعرج بالمملكة الزرقاء حاضرا في نصوصهم السردية باختلاف ملامحها حيث تعرض الكثير منهم إلى خصوصية هذا الاتصال الذي لُقِب بالافتراضي و اقترن بكل ما هو عن بعد.
وتأتي رواية أنثى افتراضية للروائي الأردني الدكتور فادي مواج الخضير كأحد أبرز الأعمال الأدبية و أهمها التي تناولت هذا التواصل عبر التقنية و بالتحديد بين المرأة و الرجل  مسلطة الضوء على ما ينتجه من تفاعل خاص له رموزه و أدواته كما له آثاره سواء على المرسل أو المرسل إليه نظرا لما يثيره من مشاعر وأحاسيس و تساؤلات وصفها الخضير ببراعة ودقة ممّا جعل هذه الرواية تشكل مبحثا سرديا فريدا و جذابا للباحثين ليس فقط  في المجال الأدبي و لكن أيضا لدى الباحثين في نظريات الاتصال الحديثة.
فالمتمعن في  تفاصيلها و بنيتها السردية يلاحظ المستوى العالي الذي وصل اليه الروائي في  إدراك هذه الإشكالية المتعلقة بتأثير التواصل عن بعد  في تركيبة الفرد النفسية أو حتى في العلاقات الإجتماعية حيث نراه يكشف حالات الشعور بالاغتراب والصراع الداخلي و الخيبة...فتصبح النكزة و الاشعار و الاشارة و الرسالة عنوانا للحياة و مفاتيح السعادة المنشودة. كما يعالج الخضير من خلال روايته مواضيع عدة منها خيبات الحياة كالبطالة التي تضطر جامعيا للعمل في بيع مستلزمات الموت. وموضوع الزواج التقليدي من خلال علاقة الدكتور مازن بأمل و الحب و الحرمان ومسائل عاطفية و اجتماعية عديدة يصورها بدقة من خلال علاقة  (ربيع/زاهر) بـ(ميسون/سناء).
و في ما يتعلق باللغة، فتتميز الرواية بشاعرية ذات مستوى عال من الرقي و كأن الخضير قد كتب أنثى افتراضية شعرا في روحها و سردا في قالبها وبنيتها إذ جعل منها مساحة للأرواح المنهكة المتعبة من كل ماهو»يومي».
كما تعد الرواية أيضا مبحثا ثريا للباحثين في ما يعرف بعلم النفس الافتراضي وهو العلم الذي يتولى دراسة سلوك الشخص الافتراضي في تفاعله مع الأفراد والجماعات عبر  الشبكة العنكبوتية لفهم و تحديد نقاط الاتفاق و الاختلاف بين ماهو واقعي وماهو افتراضي.
وبما أن العنوان هو العتبة الأولى لأي نص، فلقد اختار الخضير أن يحمله مسؤولية التعريف بنصه ، إن لم نقل تلخيص إشكاليتها وهويتها، وهو ما يشد القارئ للتعرف على هذه الأنثى الافتراضية و يتقصى الحكاية ويتساءل عن معنى ماهو افتراضي و علاقة كلٍّ من الواقعي و الافتراضي بالوهم وماهو كامن و المحاكاة و الحقيقة والرمز و الدلالة.
لكن هل أنّ ما هو افتراضي ليس واقعيا؟
يراوح الخضير في أنثى افتراضية بين هذين العالمين وكأنه يقر أنّ الافتراضي مهما كان مختلفا فإنه مرتبط بالواقعي حيث كان أبطال روايته يتنقلون بين هذا العالم أوذاك فكل منهما يحقق أهدافه في العالم الاخر بل إن الافتراضي قد تحول الى واقعي في كثير من الاحيان.
(آثرت أن أضع بصمتي أمام عينيك، وأترك للصدفة أن تتصرف، فأنا من أولئك الذين لا ينظرون إلى جدول مواعيدهم عندما يتعلق الأمر بحاجة روح إلى روح تمسح عنها غبار العزلة).
قد يختزل هذا المقتطف من الرواية ما أصبح يجده التواصل الافتراضي من إقبال وانتشار بين مختلف فئات المجتمع و لدى الباحثين عن إشباع حاجة «أرواحهم» إلى أرواح أخرى. إذ يبين الخضير ما توفره الشبكة العنكبوتية من تغذية لمشاعر الحب و العشق وصولا الى الوله حيث يصبح المحبوب مبرمِجا دقات قلبه على إيقاع رسائل تصله في بريده الالكتروني أو صندوق رسالته الفايسبوكي أو علامة إعجاب أو وجه من وجوه التفاعل الصفراء الكثيرة المتعددة الملامح، حيث تتيح هذه الشبكة العنكبوتية للمبحِر فيها فرصة أن يقدم نفسه للآخر بالطريقة التي ترضيه هو أو يتمثل الطرف الآخر بالشكل الذي يلبي من خلاله حاجاته ورغباته التي لم يشبعها في الواقعي.
لقد نجح الخضير من خلال أنثاه الافتراضية في أن يكشف بعمقٍ تفاصيل التواصل عن بعد وما يتيحه الفايسبوك بالتحديد من إمكانات هائلة في التعبير  و في خلق فضاء وجودي جديد بات يتحدى ماهو واقعي . لكن نهاية الأحداث جاءت درامية و كأننا بالروائي يحرض قارئه على أن تكون له عين ثالثة أكثر حكمة و تعقلا و أن يكون أقل اندفاعا نحو هذا الفضاء الأرزق الشاسع شساعة المدى. لتكون الرواية رسالة تحذير تثير فينا أكثر من سؤال عن الزيف بين الواقعي والافتراضي.
 الخضير: انثى الافتراضية 
جاءت بقالب افتراضي يواكب العالم الحقيقي
وعن سر اختياره لعنوان الرواية يقول الدكتور فادي مواج الخضير: الأنثى أجمل البدايات وأجمل النهايات، فالحياة أنثى، والجنة والمحبة والألفة وأمّي كلها إناث؛ ولذلك كان تأنيث العتبات ثم تأثيثها بالأنوثة مؤشرا حقيقيا على عمل أدبي يمنح الأنثى قيمتها ويروم استكناه دواخلها، سيما أن الأنثى أوسع دلالة من المرأة، وأن كثيرا من وقائعنا الواقعية ليست إلا مرايا – من زوايا نظر معينة – لثيمات اجتماعية وسياسية وعاطفية وحالات وعي، أما الافتراض فلأن هذا العالم الأزرق بات جزءا أصيلا من يومياتنا تماما مثلما أن يومياتنا باتت جزءا أصيلا منه. 
وعن دوافع اهتمامك بهذا النوع من الإشكاليات ،قال: عندما يصبح العالم الافتراضي الأزرق عالما موازيا، وتتسع ولاية مدّه مع انحسار مدّ الواقع، يصبح من واجب الأديب أن يستكنه هذا العالم ويستنطقه طالما كان يحمل من المؤهلات ما يجعل منه حافزا على الغوص فيه لتعرية الواقع الافتراضي وإعادة إنتاجه من خارج دائرة الإلف، فنحن نتساوى في أننا نحب واننا نشتاق، نحتضر عندما نفقد الأمل، ونموت عندما ينتهي الأجل، لكننا نختلف في الأساليب والوسائط ومستوى الدفق وكثافة الإحساس، ولمّا كان هذا العالم يحتضن أفكارنا وأحاسيسنا ويحمل من قوى التأثير ما يجعله مؤثرا قويا فينا جاءت أنثى افتراضية في إطارها الحداثي متناصة مع قصص حب احتضنتها سلة التاريخ والأدب، ولكنها جاءت بقالب افتراضي يواكب العالم الحقيقي وينهل من العالم الافتراضي. 
وردًّا على الذين يقولون إنّ المرأة وحدها هي القادرة على الاقتراب من عالم المرأة ، أوضح  الخضير نحن ننتمي لقبيلة الإنسان قبل أن نتفرع إلى خانات النوع الاجتماعي، والإنسان – باعتقادي – كائن عاطفي تحركه العاطفة التي ظلت الأنثى محركا من محركاتها منذ العصر الخليقة، فآلهة الجمال والحب تشكلت في الأساطير من نوع (الأنثى)، والشعراء نظموا غزلهم وعبروا به عن عاطفتهم تجاه الأنثى، امرأة وظبية وناقة، وأعتقد أن النوع الاجتماعي أكثر قدرة على استنطاق النوع الاجتماعي الآخر من قدرته على استنطاق النوع ذاته، فالرجل يميل فطريا إلى الأنثى ويروم استكناه هذا العالم، والمرأة تميل فطريا إلى الرجل وتروم استنطاق هذا العالم. ويسعدني أن يكون الانطباع بقدرة الرواية على ملامسة الأنثى هو الانطباع السائد.

19 Nis, 2017 11:03:37 AM
0