جندي أميركي يكتب مذكرات حربية بليغة
كيف تُشنّ الحروب؟ يحاول المراسلون وصانعو الأفلام رسم صورة عن الحرب، بينما يناضل المحاربون القدماء في كثير من الأحيان لنقل الحقيقة. هنا، ينجح مات يونغ في الإجابة بشكل أفضل من معظم الناس.
كان مات يونغ شابًا منعزلًا، انضم إلى مشاة البحرية الأميركية في عام 2005، وخدم ثلاث جولات في العراق خلال أكثر سنوات الاحتلال الأميركي دموية.
في كتاب "تناول التفاحة" Eat the Apple (المكون من 272 صفحة، منشورات بلومزبوري، 24.99 دولارًا) يقدّم يونغ سلسلة من المقالات القصيرة المستقاة من خبرته، حيث يغيّر صوته ونبرته في كل منها.
في بعض الأحيان يسمّي نفسه "هذا المجند"، وفي أحيان أخرى يستخدم كلمة "الصبي". نادرًا ما يكتب بصيغة الـ"أنا"، وغالبًا ما يشير إلى "نحن". تارة يروي من مسافة بعيدة باردة، وطورًا يكون قريبًا ومروّعًا. بعض الصفحات حسّاس وحزين، وفي البعض الآخر مثير للاشمئزاز، لكنّك قد تقرأ أيضًا صفحات مضحكة.
هذا الكتاب التجريبي المتعرج يتطابق مع حياة الجندي المفكّكة: فترات طويلة من الملل، يتخللها الرعب والارتباك في المعركة، والمشاجرات المخمورة في الإجازة. تصبح رفقة الرجال المسلّحين ملاذًا تلجأ إليه لتبتعد عن عدم تفهّم العائلة. وتصير صفائح الهوية المعدنية التي يحملها مشاة البحرية بمثابة طلسم، يمثّل ما تبقّى من الأصدقاء الذين سقطوا و"يتوقع موتًا مجهولًا عنيفًا".
صور وصفية للحرب
الجدير ذكره أن يونغ يرسم أيضًا. ثمة صورة وصفية تنقل للقارئ كيف يمكن العسكري أن يصمّم بمنشفة وقفاز مطاطي أداة منزلية الصنع للاستمناء باليد. وفي هذا السياق كتب يونغ: "العادة السرية وسيلة للبقاء. أنقذت أعدادًا لا تحصى من الأرواح خلال حروب لا حصر لها"، مشيرًا إلى أنها تساعد على إبقاء الرجال مستيقظين خلال ليالي الحراسة الطويلة.
تقوم مشاهده باستذكار التدريب الذي يشلّ الجسد والروح. والشوق للصحراء عشية إرساله إلى النزاع للمرّة الأولى؛ الابتهاج والنضال من أجل البقاء على قيد الحياة وسط الحرارة والحشرات. ينفجر العنف على الصفحات فجأة، مثل العبوات الناسفة البدائية (IEDs). فيذكر أنّه بعد انفجار سيارة مفخخة بالقرب من الهمفي الخاصة به، أصبح وكأنّه "إنسان-شيئ". أمام المتفرجين العراقيين، خطا على كومة لحميّة، تبيّن أنها وجه الانتحاري الذي فجّر نفسه.
"كان ذلك في نظر "الإنسان-الشيئ" أمرًا رائعًا ومضحكًا ومذهلًا من الناحية الجسدية. فهو يحمل وجه الانتحاري أمام وجهه ويصرخ على الحشد من شفتين متورّمتين وملطّختين بالدماء، مراقبًا ردّ فعل الحشد من خلال عينين فارغتين".
كانت الأمور التي يلاحظها ويركّز عليها غريبة. فبعد تفجير دوريته بعبوة ناسفة، تعافى في مستشفى ميداني، وكان مستاءً من أن الأطباء يقطعون حذاءه المفضل. في نادٍ للتعري في بلده، ما لفت انتباهه هي "علامات التشقق والندبات القيصرية" على أجساد الفتيات المتعرّيات.
ليس بحثًا
في بعض الأحيان، يذكر يونغ حروب أميركا. ففي دورية ليلية، يلاحظ أن "لا وجود للتلوث الضوئي في العراق. ربما كان هناك في السابق، لكن الآن لا. سقطت القنابل، وانهارت المباني، ومات الناس. الآن ترى النجوم".
يتخيل رسالة إلى سائق سيارة أجرة ذي بشرة داكنة. وبعد الإشارة إلى أن سائقي سيارات الأجرة بمعظمهم من الصوماليين، يسأل: "هل أنت واحد منهم؟... يبدو أنني لا أستطيع أن أذهب إلى أي مكان من دون أن ألتقي شخصًا لم يقم سلاح مشاة البحرية باستغلال بلده".
كتاب "تناول التفاحة" ليس بحثًا يتناول استراتيجية كبرى. وهو لا يقدّم أي دروس عن هزيمة التمرد أو تعقيدات البلدان التي تحارب فيها أميركا. إنها قصة كتبها جندي عن عالم تشاهده من خلف منظار السلاح والزجاج المصفّح للمركبات المدرّعة. العدو غير معروف: المج (أي المجاهدين العراقيين والأفغان) والحجّاج و"الرؤوس الملفوفة بالعمامات".
وبدلًا من ذلك، كتاب يونغ قصة رثاء عن شاب يحاول أن يجد نفسه من خلال الذهاب إلى الحرب، لكنه يفشل. حتى إنّه يقول بحزن: "لم أتمكن حتى من قتل أي شخص". فهو لم يقم إلا بإطلاق النار على الكلاب، وهذا ذنب يحمله. لكن بكتابته عن الحرب، وجد هدفه وصوته.
أعدّت إيلاف هذا التقرير عن "إكونوميست".