Skip to main content
التنمية الثقافية في تقرير يطرح أسئلة حول المستقبل

نظّمت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) ومؤسّسة الفكر العربي حفل إطلاق التقرير العربي العاشر للتنمية الثقافية، الذي أصدرته المؤسّسة تحت عنوان: «الابتكار أو الاندثار، البحث العلمي العربي: واقعه وتحدّياته وآفاقه»، وذلك في بيت الأمم المتحدة في بيروت، بالتزامن مع الدورة الوزارية الثلاثين للإسكوا، التي تُعقد هذه السنة تحت عنوان «التكنولوجيا من أجل التنمية المستدامة في الدول العربية»، وبحضور وزراء وخبراء مختصّين وشخصيات دبلوماسية وثقافية وإعلامية.


استهل الحفل وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا الإسكوا الدكتور محمد علي الحكيم، بكلمة أشاد فيها بالجهود المبذولة في هذا التقرير الرائد الصادر عن مؤسّسة الفكر العربي، التي اعتادت على إطلاق تقارير ذات جودة عالية تعالج المشكلات العصرية. وأوضح أن التقرير يأتي مكمّلاً ومنسجماً مع نتائج الأبحاث التي تقوم بها الإسكوا في هذا المجال، مؤكّداً على جملة ضرورات للتقدّم في مسيرة الدول والمجتمعات في التنمية، ومن بينها تطوير الابتكار التكنولوجي ودعمه، وانعكاس ذلك في الخطط الوطنية الشاملة لتطوير جميع القطاعات، والتحوّل من الوضعية المستهلِكة للتكنولوجيا إلى الوضعية المنتجة لها، وذلك عبر إدماج الشباب في عملية إنتاج التكنولوجيا، وضرورة توفير التمويل اللازم للمشاريع، ومشاركة الجيل الجديد في رسم السياسات لتحديد مستقبله، وفهم الطبيعة المتغيّرة لوسائل التعليم المختلفة، بما فيها التعليم النظامي، والتعليم المستمرّ، والتعليم عن بُعد، والتعليم المنزلي، ودور التكنولوجيا في ذلك كلّه.

كما شدّد على ضرورة وجود التشريعات المناسبة لتسهيل الإجراءات الداعمة للاستثمار وتسهيل العبور إلى الأسواق المختلفة، والضرائب، وقوانين التوظيف، وتخصيص جزء من موازنات الحكومات لدعم المشاريع الناشئة المبتكِرة، والاستثمار في القطاع الخاص، وخصوصاً في مجالات العلوم والابتكار، واستخدام التكنولوجيات المتقدّمة لإيجاد الحلول للاحتياجات المحلية التي ستشكّل فرصة حقيقية للمشاركة المجتمعية الشاملة في عملية التنمية، والتركيز على دور الإسكوا كجهة داعمة للتعاون العربي في المجال التكنولوجي أيضاً، ومواكبة سرعة التغيّرات المرافقة لهذا التطوّر، لا سيّما في مجال دعم متّخذي القرار وراسمي السياسات.

وألقى المدير العامّ لمؤسّسة الفكر العربي الدكتور هنري العَويط كلمة، تحدّث فيها عن سمات التقرير وفي طليعتها طابعه الشمولي والمتكامل، المتمثّل في المِروحةِ الواسعة من الموضوعات التي عالجها، وهي تغطّي معظم الجوانب المرتبطة بالبحث العلمي وأنشطة التكنولوجيا والابتكار، في دول مشرق العالم العربي ومغربه. ويمتاز أيضاً بوفرة الموضوعات الجديدة التي غابت عن التقارير العربية المماثلة السابقة، أو قلّما نالت فيها المعالجة الوافية. ومن هذه الموضوعات على سبيل المثال الذكاء الاصطناعي والروبوتات، والعلم المفتوح، والمشاع الإبداعي، والبحوث العلمية في محاور العلوم الاجتماعية والإنسانية، ودور اللغة العربية في قيام مجتمع المعرفة، والمرأة وعلوم التكنولوجيا، والمبادئ الأخلاقية في البحث العلمي وصدقيّة أنشطته، والمردود التنموي لمنظومة البحث والابتكار، والثقافة العلمية، والنشر العلمي.

ورأى العَويط أنّ أبرز ما يتّسمُ به التقرير من مزايا، تركيزه على الصلة الوثيقة والروابط العضوية بين أنشطة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي والابتكار من جهة، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى، فضلاً عن تشديده على إسهام هذه الأنشطة في التنمية الشاملة والمستدامة، ودعوته الدول العربية، بإلحاح، إلى اعتماد آليّات عمل ملائمة وفعّالة لربط هذه الأنشطة بأولويات التنمية. ولفت إلى أن التقرير يستجيب في توجّهه هذا للمبادرةِ التي أطلقتها منظّمةُ الأممِ المتّحدة في مطلعِ العام 2016، لتحقيقِ خطّةِ التنميةِ المستدامة 2030. فلا غرابة إذاً في أن يتمّ حفل إطلاقه هنا بالذات، في رحاب بيت الأمم المتحدة، بدعوة مشتركة من مؤسّسة الفكر العربي والإسكوا، وتزامناً مع الدورة الوزارية الثلاثين للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، التي تنعقد تحت عنوان «التكنولوجيا من أجل التنمية المستدامة في المنطقة العربية».

ثم قدّم منسّق التقرير والأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان الدكتور معين حمزة عرضاً تحدّث فيه بإسهاب عن أهمّية هذا التقرير، والأسباب التي دفعت المؤسّسة إلى تخصيص تقريرها السنوي حول البحث العلمي العربي وتحدّياته وآفاقه. ولفت إلى أنّ عدداً من البلدان العربية قامت خلال العقد الماضي بصياغة سياسات تنموية و «وثائق رؤية» تسعى إلى حيازة قدرات علمية وتكنولوجية متميّزة في مجالات تتضمّن تنويع مصادر الدخل الوطني وتوفير فرص عمل، إلا أن معظم هذه السياسات لم يستند إلى دراسات معمّقة لواقع البلدان العربية من الجوانب المُختلفة، ولمَواطِن الخلل في منظومات التعليم، بمراحله المختلفة. كذلك قليلاً ما أخذت هذه السياسات في الاعتبار التحوّلات التي يمرّ بها العالَم والمنطقة العربية بخاصة، فأتى أغلبها نسخاً لخطط ووثائق دولية، ولم تتناول تبعات ما يحدث اليوم من تغيّرات على أصعدة عديدة سياسية وعلمية وتكنولوجية.

أعاد حمزة طرح الأسئلة التي حاول التقرير الإجابة عنها، وفي مقدّمها هل يمثّل البحث العلمي أسساً لضمان التكامل العربي؟ وهل يمكن الارتقاء بالبحث العِلمي في الوطن العربي في ظلّ غياب الحرية الأكاديمية وحرية التعبير؟ كما سأل عن مدى إسهام الإعلام العربي في تسليط الضوء على دور العلم في تطوّر المجتمعات العربية، ودور الجامعات العربية في إنشاء مراكز أبحاث وتبنّي قدرات علمية وتكنولوجية ذاتية ومجدية في ظلّ الممارسات الريعية السائدة، ودورها في ربط البحث العلمي بمتطلّبات التنمية الشاملة والمستدامة، وتحفيزها القطاع الخاص لدعم البحث العلمي.

وعرض الاستنتاجات الأولية التي خلص إليها التقرير، ومن بينها غياب المبادرات الفاعلة في العقود الماضية لبناء مجتمع علمي يتمتّع بحوافز تكفل تحقيق تنمية شاملة ومستدامة، وتقدّم حلولاً مجدية لمجموعةٍ من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعيق تقدّمه. كما أن ما شهدته المنطقة مؤخراً من تطوّر في مضمار البحث العلمي لم يأخذ في الاعتبار الكثير ممّا يحيط بها في أرجاء العالم من تطوّرات ذات آثار محورية. ولذا تبقى الإنجازات التي تحققت دون المطلوب على أرض الواقع.

ولفت إلى أن التقرير يطرح خيارين لا ثالث لهما: إمّا ضرورة التجديد الشامل على أصعدة شتّى، أو الفشل في تحقيق التجديد المتواصل الرامي إلى التنمية الشاملة والمستدامة وبالتالي التشرذم والتخلّف، لا سيّما إذا ما تضافرت مجموعة من الظروف الضمنية والدولية لغير مصلحة العرب. وأكد أنه وعلى الرغم مما يشير إليه التقرير من أدلة مُحبِطة، في المقابل ثمّة نقاط مضيئة منها ما قام به عددٌ من الدول العربية، وخير مثال على ذلك ما قامت به فلسطين خلال العقدين الماضيين من أنشطة استهدفت استحداث مؤسّسات للتعليم العالي والبحث العلمي لديها وتطويرها، وذلك على الرغم من ظروف الاحتلال والتحدّيات الجمّة.

وعلى الرغم من التوجّهات المناهضة لمشاركة المرأة في حقول العلوم والتكنولوجيا، إلا أننا نجد من يؤازرها كي تقوم بما يُناط بها من أدوار، على الصعيدين الخاص والعام. لذا لفت حمزة إلى تبنّي التقرير السبل التي من شأنها تكريس مناهج تجريبية وتدريجية تهدف إلى إحداث تغييرات جذرية لا بدّ من الشروع بها إذا كان لمواطني الدول العربية أن يتمتّعوا بمستقبلات أفضل على أرضهم.

وألقى وزير الثقافة اللبناني الدكتور غطاس خوري كلمة ركّز فيها على حاجة العالم العربي للابتكار ليس في مجال البحث العلمي فحسب، وإنما في الأنماط السياسية الجديدة، التي تأخذ في الاعتبار التعدّدية، والخروج من السلفية البائدة، وتدفع بالقوّة القادرة أيّ الشباب، من أجل تحقيق التنمية وتطوير المجتمع والدولة.

وتحدّث عن الخطة الخمسية التي وضعتها وزارة الثقافة في لبنان وحدّدت بموجبها الأماكن التي ستخضع للتوظيف الثقافي، وفي مقدمها تنمية الشؤون الثقافية التي تشمل السينما والمسرح والآداب والمكتبات وقطاع الآثار وغيره. وأكّد أنه إذا ما أخذنا المبلغ المرصود للوزارة من أجل تنفيذ خطة التوظيف الاقتصادي، والتي حددناها بمبلغ 280 مليون دولار، نستطيع عندئذٍ أن ندعم الدخل القومي اللبناني بمليارين ونصف المليار سنوياً.

ثم تحدّث الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المغربية المكلف بالشؤون العامة والحكامة السيد لحسن الداودي، عن دور الابتكار في إيجاد فرص عمل مُجدية للشباب العربي، وخصوصاً الشباب المغربي الذي يعاني من نسبة بطالة مقلقة. وشدّد على دور الابتكار في وضع الشباب في محيطهم العالمي ومواكبة ما يجري من حولهم. ورأى أن المأزق الفعلي يكمن في أننا شعوب لا تعرف تاريخها، وكأنّنا نخرج من الأدغال، أو كأنه ليس لدينا تاريخ ولا حضارة، كما أننا نعاني أزمة ثقة بأنفسنا وبابتكاراتنا إذا ما جاءت من الداخل، لذلك لا بدّ من إعادة هذه الثقة بأنفسنا والاعتزاز بماضينا وما أنجزه أجدادنا إذا أردنا أن ننافس الآخر ونقلّده.

وقدّم نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط في سلطنة عُمان السيد طلال بن سليمان الرحبي مداخلة، تحدّث فيها عن التحدّيات التي تواجه مجتمع البحث العلمي العُماني، وأبرزها الهيكل التنظيمي لجهة أعداد الباحثين، وهويّة الباحثين الفعليين، ونوعية الكُتّاب الذين سيعدّون التقارير العلمية، ويأخذون بأسباب البحث العلمي. ولفت إلى أن البحث العلمي هو نخبوي لذلك هناك ضرورة للتركيز على المواهب والمبادرات في هذا المجال. وأشار إلى الفرق الشاسع ما بين مساهمة الدول العربية في البحث العلمي التي لا تصل مجتمعة إلى الواحد في المائة من الإنفاق العالمي، داعياً إلى تجمّع عربي لمواجهة التحدّيات الكبرى مثل الغذاء والبيئة والبطالة واستدامة الموارد الطبيعية.

الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط في الكويت الدكتور خالد المهدي أشاد بالمنهجية العلمية المتطوّرة التي اعتمدها التقرير، ولفت إلى التحدّيات التي يواجهها الاستثمار في الابتكار في المجتمع العربي في شكل عام، لافتاً إلى وجود عوامل سياسية واقتصادية مؤثّرة، فضلاً عن الإشكالية المتعلّقة بدور هذه المؤسّسات الأكاديمية، فهل هي تعليمية أم منتجة للمعرفة؟ منبّهاً إلى التناقض القائم في مبدأ حوكمة هذه المؤسّسات الأكاديمية، التي لا تحمل في صلب إنشائها بذور إنتاج المعرفة كجزء لا يتجزأ منها.

للمزيد: التقرير العربي العاشر للتنمية الثقافية

30 Jun, 2018 11:14:14 AM
0

لمشاركة الخبر