تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
درب الزلق.. ظاهرة فنية للأبد. الروائي مشاري العبيد ل القبس: المسلسل أصبح جزءاً من إرث الكويت. العمل حالة فنية ومصدر لعبارات مازال الجمهور يرددها

شكلت العديد من الأعمال الفنية وجدان المشاهد الخليجي والعربي، وتركت أثراً لن يمحوه الزمان، نعم رحل صناعها وبقيت هي صامدة امام متغيرات الحياة وتقلبات الأيام وثورة التكنولوجيا، كان شعار من يقف وراءها العفوية والمصداقية والتفاني والإخلاص، لذا مازالت تعرض ونتابعها بالشغف نفسه. «درب الزلق» من الأعمال الخالدة، التي مازالت تجد طريقها الى شاشات التلفزيونات الخليجية وتلم شمل الأسرة حول حلقاتها، ذكريات وحكايات مرتبطة بهذا العمل لا تخص صنّاعه فقط، وإنما محبّوه أيضاً على مدار السنوات، هناك من يجلس ليستجر ذكرى أول حلقة شاهدها، ومن يتحدث عن موقف مرّ به قريب من أحد المشاهد، ومن يسرد لأبنائه وأحفاده تاريخ نجوم العمل وأثر كل منهم في المشهد الفني

الروائي مشاري العبيد قرر خلال رحلة بحثه في أرشيف الصحافة والمقابلات التلفزيونية ان يستعرض سر وهج «درب الزلق»، وتحدث مع القبس عن سر شغفه بهذا العمل وقال «يعتبر درب الزلق، حالة فنيّة ضربت بجذورها عميقًا في ذاكرة المُشاهد العربي، والتي أصبحت، بعفوية خالصة، جزءًا من إرث الكويت، فصار المسلسل وجهة فنيّة وثقافيّة أولى»

فيلم كوميدي

ويستطرد: سرِّ هذا الوَهج لم يأت مصادفةً، بعد فيلم «بس يا بحر»، كتب سعد الفرج فكرة فيلم كوميدي بعنوان «مسعد ومسعود» ليخرجه خالد الصديق، ثم تحول لمسلسل تلفزيوني بناء على طلب وزير الإرشاد والأنباء آنذاك الشيخ جابر العلي، كتب سعد الفرج الحلقات مع عبدالأمير التركي وبمراجعة عبدالحسين عبدالرضا، فتشكّل درب الزلق الذي عرفناه وكانت فكرة «مسعد ومسعود» مطابقة لـ«درب الزلق». شقيقان يخوضان مشروعًا فاشلًا تلو الآخر بعد تثمين منزلهما

ويضيف العبيد «وبعد أن أخذت الفكرة طريقَ التلفزيون، قُدِّرَ للنّص أن يمر بورشة كتابة ضمت مبدعين كعبدالحسين وسعد وعبدالأمير، لتتمخض هذه الورشة عن عملٍ تسيّدَ القمّة، حتى بعد 44 سنة من عرضه، والعمل من بطولة نجوم، لم تقترن الأسماء جميعها بعملٍ آخر، عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وخالد النفيسي وعبدالعزيز النمش وعلي المفيدي، وبحضورٍ لطيف لسمير القلاف وفوزية المشعل واستقلال احمد، وغيرهم من العابرين بقوّة، الذين وإن قلَّ ظهورهم إلا أنهم حضروا في وجدان المشاهدين، أكثر من أي عملٍ آخر قدموه، سواء قبله أو بعده»

  ويضيف «هناك بطلٌ ظهر على الجدار فقط ضمن السياق الدرامي للعمل هو عبدالرزاق بن عاقول، كانت صورة للممثل عبدالمجيد السرحان، عرفنا سماته من سياق العمل دون أن نراه. ورثَ حسين منه العصبيّة حسب كلام أمه، وكما روى حسين، كان غواصًا، ثم عمل بعد اندثار اللؤلؤ بتهريب الذهب لأناس استغنوا، بينما مات هو مطلوبًا بعد أن جُنّ، وتم تصوير العمل في 13 يوماً، بواقع حلقة يوميًا، نقلًا عن الجميل خالد النفيسي رحمه الله»

ويستعرض العبيد كواليس شخصية «بوصالح» قائلا: «كان دور (بوصالح) مكتوبًا للفنان ابراهيم الصلال، لكن وجوده في تلك الفترة خارج الكويت حال دون مشاركته، كما أن الفنان أحمد الصالح رحمه الله كان من المفترض أن يكون ضمن فريق العمل، وكانت الأسماء مطابقة لأسماء النجوم الأساسيين (حسين- سعد- بوصالح) ما عدا علي المفيدي، إذ نُقِلَ عن الكاتب عبدالأمير التركي أن الشيخ جابر العلي هو من أسماه (قحطة) بدلًا من (علي)، وكان اسمًا لصقّارٍ خفيف الظل يتردد على ديوانه، كما اختار الشيخ مصر لتكون محطة النقاهة لحسين بدلًا من لبنان

الجزء الثاني

وحول ما تردد عن وجود نية لتقديم جزء ثانٍ من العمل يوضح العبيد «أما عن الجزء الثاني فهناك العديد من التصريحات والأخبار، بدايتها في أكتوبر 1995، تحت مانشيت (نجوم درب الزلق يلتقون في جزئه الثاني)، وقد تحدَّثَ الخبر عن الحبكة، وهي البحث عن حسين بن عاقول بعد أن سرق وثائق عائلته، وكان سيصور في دول خليجية بالإضافة للهند وبإنتاج ضخم. إلا أنه لم يحدث، وفي يوليو 2003، تم تكليف الراحل عبدالأمير التركي من قبل تلفزيون الكويت، تزامنًا مع الموافقة على الجزء الثاني من مسلسل الاعتراف (الذي مُنع جزؤه الأول)، وتم تحديد تاريخ العرض آنذاك، يناير 2004، بحضور نجوم الجزء الأول ما عدا النّمش رحمه الله بسبب وفاته، وبالاشتراك مع فنانين شباب

تخوف من الإنتاج

ويضيف العبيد «حدثَ أن دار الحديث مجددًا عن جزءٍ ثانٍ سنة 2011، وكان المرحوم عبدالأمير التركي قد أسرَّ للكاتب فؤاد الهاشم عن جاهزية النص، وظل هناك تخوّف من إنتاجه خاصة بعد رحيل النّفيسي والنّمش والمفيدي رحمهم الله، إلا أن بوعدنان بيّنَ في لقاء مع الكاتب أحمد الحامد أنه كان ضد الفكرة أساسًا».  

ويختتم مشاري: «درب الزلق حالة فنية نفتخر بها كجمهور، ومصدر لعبارات خالدة لا نزال نرددها، والكثير منا يستطيع إكمال حواراته مع الفنانين. لن يكون هناك درب زلق ثانٍ! ومن المؤذي جدًا لأي عمل أن يُقارَن به. رحم الله بوعدنان والنفيسي والنمش والمفيدي، ويسعد روح كل من شارك فيه وأوقدَ فينا بهجةً لن تنطفئ»

3 عوامل للنجاح

يقول العبيد عن عوامل نجاح «درب الزلق»: «أزعمُ بوجود عوامل ثلاثة ارتكز عليها هذا النجاح، أولها تلقائية النجوم، وارتجالاتٍ لم يكن الغرض منها غير كسر حاجز الملل، خاصة أن هناك مشاهد امتد تصويرها لساعات، منها عند اكتشاف الشرطة أمر (طعام الكلاب) وطرقوا باب بيت بن عاقول، اختبأ حسين في الخزانة ثم فاجأ سعد والنمش بارتداء نظارة شمسية، فخبأ سعد وجهه عن عدسة الكاميرا وخلط النمش ضحكه بالبكاء، ويكمل المخرج التصوير

ويضيف: "حين زادت الملامة على حسين من قبل شقيقه وأمه، وبعد أن ضاقا ذرعًا بفشله المتكرر، قررا سحب أموالهما منه، فينفجر بهما حسين، ليشق ثوبه، وحين انتبه سعد الفرج لهذا التصرف، لم يتمالك نفسه فأخفى وجهه خلف ظهر حسين، ويأتي بالعبارة المشهورة: إنت اخوي إنت أخوي، خذ الفلوس خذ الفلوس، اما المشهد الثالث في مصر، حين دخل حسين على سعد في الشقة، حاملًا حقيبة مهندس الديكور بدلًا من الحقيبة الأصلية، ظنًا منه أن المشهد سيُعاد تصويره! فنرى الضحكَ بادٍ على وجه سعد لحظة رؤية حقيبة النجارة، ليتسرب الضحك لحسين، إلا أن المشهد يمضي بجمال عفويته، ليستقر في ذاكرتنا كأروع ما يكون

ويستطرد: «أرى العامل الثاني للنجاح هو المتتالية القصصية التي يتكون منها النّص، فثمة تسلسل للحدوتة ساعد على تلقي العمل واستقراره في ذاكرتنا بتعدد أجوائه: تثمين البيت- مشروع الأحذية- مشروع طعام الكلاب- مشروع المحاماة- زواج أم سعد وصدمة حسين- رحلة للقاهرة- مصنع الكبريت- الخسارة الكبرى و العامل الثالث هو مَنطَقةُ اللا-منطقي بأسلوبٍ يجعله ينفذ لنا دون عناء. فلم يكن عاديًا التأتأة بسبب لبس حذاءٍ بزوجين متطابقين، ولم يكن منطقيًا نباح الناس بعد أكل طعام مخصص للكلاب، وكيف صدّقَ حسين فؤاد باشا بمسألة شراء الأهرامات وأبو الهول من مصر للكويت، بل تخيلنا وصدقنا الأمر مثله

كويتيّته الخالصة

يؤكد الروائي مشاري العبيد أن من أهم عوامل نجاح المسلسل كويتيّته الخالصة، ويستطرد «الديكور كان عامل جذبٍ يمثل البيئة الكويتية، والحوارات أيضًا، المكتوب منها والمرتجَل، نجدها قريبة من حديثنا دون تكلّف، ونراه يوثّق لسان اللهجة التي بدأت مفرداتها تتلاشى، إذًا كان درب الزلق وما يزال يُشبهنا كثيرًا، بتفاصيله، فضلاً عن التوازن الذي وفره المخرج حمدي فريد بين الحوار/ وقت النُّكتة وطريقة قولها/ وقت قطع الكاميرا، نراها موجودة في الأعمال الأجنبية الناجحة الحديثة»!

ويوضح: في حين نجد أعمالنا التي جاءت بعد «درب الزلق» تعتمد على المبالغة في إظهار الشخصيات الكوميدية، ونكت مستهلكة، ومشاهد طويلة مملة

الديكور والموسيقى

يلقي العبيد الضوء على ديكورات «درب الزلق» وموسيقاه قائلا: ثمّة مجهود يجب أن يُذكر. تصميم الديكور كان للمهندس محمد شملان الحساوي، الذي صنع روح العمل، بتعدد فضاءاته، وأبرز أعماله الأخرى ديكور مسلسليّ «قاصد خير» و«سوق المقاصيص»، ونلاحظ العامل المشترك بينها الإتقان، وقُرب تصاميمه من بيئتنا، ليُكمل بإبداعه الصورة المثالية للعمل

ويضيف: نأتي للموسيقى، اللغز، كُتبَ في المقدمة «الموسيقى والمؤثرات: عبدالرحيم أحمد»، بينما في إحدى حلقات البرنامج المصري «من غير كلام» ظهرت الموسيقى نفسها! قد تكون مقطوعة تم اختيارها للعمل ولم يتم تأليفها له، ومع هذا ظلت أيقونة، وتمت الاستعانة بها فيما بعد لتكون اللحن الرسمي لقناة فنون، من الواضح أن الأبطال ذُهلوا بهكذا نجاح، وقد دعا سعد الفرج في غير مناسبة لدراسة العمل وبحث أسباب بقائه ليومنا هذا.     

 

 

 

المصدر: صحيفة القبس

27 يوليو, 2021 10:23:20 صباحا
0