الكتابة في عالم اليوم.. موهبة أم تطويع احترافي للتكنولوجيا؟
تطبيقات حديثة تساعد المؤلفين على نسج الشخصيات والحبكة
مدير إحدى الشركات الرقمية: «الثورة الرقمية خلقت القُراء الإلكترونيين وأحدثت تحولا كبيرا فى صناعة النشر»
هل يمكن للتكنولوجيا الحديثة أن تساعد الكاتب المعاصر فى عملية كتابة الرواية؟ للإجابة عن هذا السؤال ينقسم المؤلفون إلى فريقين: فريق منهم يرى أن الكتابة هبة لا تُعلم؛ ولكن تُمنح للشخص، وعلى رأسهم المؤلف الأمريكى الشهير الراحل، مارك توين، الذى كان رافضا جدا للأشخاص الذين يعتقدون أنه من الممكن لشخص ما أن يتعلم كيفية كتابة رواية، وقال: «الرجل الذى لم يولد مع مَلَكة الكتابة لا يمكنه تأليف رواية؛ فهو ليس لديه فكرة واضحة عن قصتهأ بل فى الواقع، ليس لديه قصة من الأساس»، ويؤيده فى هذا الرأى الكاتب البريطانى، ستيفن فراى، الذى قال إن المؤلفين الناجحين هم أولئك الذين يعرفون مدى صعوبة تأليف كتاب.
بيد أن هناك فريقا آخر من الكُتاب استطاع تطويع التكنولوجيا الحديثة لصالحه، وجعلها وسيلة لتسهيل مهنة الكتابة عليه؛ وأداة للتوجيه والتعلُم والنمو، فهناك مايكل جرين، عالم البيانات الأمريكى الذى تحول إلى روائى، والذى لجأ إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة لتبسيط عملية الكتابة عندما كان فى منتصف كتابة كتابه الأول.
وعن هذه التجربة ذكر «جرين» أن الحبكة تعقدت مع وصوله للصفحة ال 500 فى الرواية؛ حيث تشابكت الأحداث والشخوص، وكان بحاجة إلى وسيلة تتيح له تنظيم أفكاره، وتتبع الخيوط بسلاسة من جل التعمُق فى العالم القصصى الذى يقوم بإنشائه من الصفر، ولهذ لجأ إلى علوم البيانات حيث أنشأ Lynit، وهى منصة رقمية تساعد المؤلفين على تصور وتخطيط ونسج العناصر المختلفة معا ــ مثل الشخصيات وأقواس الحبكة والموضوعات والأحداث الرئيسية ــ التى تشكل القصة.
جدير بالذكر أن التطبيق الآن فى مرحلته التجريبية، ويتم اختباره مجانا من قِبَل عدد من الكتاب، وقال «جرين» إن العديد من الروائيين يبدأون عملهم بفكرة عامة عن حبكة أو شخصية معينة، ولكن التطبيق سيتيح لهم إضافة الأفكار والخيوط الروائية إلى فكرتهم الأولية المبسطة، وإنشاء عقدة وحل وتفاعلات أعمق بين الشخصيات.
كما أن للتكنولوجيا دورا محوريا للغاية بعد نشر الكتاب؛ حيث يتم الآن استخدام التكنولوجيا بشكل متزايد لمساعدة المؤلفين على التواصل مع قرائهم، ويمكن أن يتم هذا من خلال الاستخدام البسيط لوسائل التواصل الاجتماعى، حيث يسعد بعض الكتاب بالدردشة المطولة مع معجبيهم، أو باللجوء إلى الشركات المتخصصة فى تنظيم العلاقة بين الكاتب وجمهوره؛ مثل Hiitide ومقرها شيكاغو، حيث يسمح موقع الويب والتطبيق الخاص بها للكُتاب بالمشاركة فى جلسات أسئلة وأجوبة مباشرة مدفوعة الأجر مع قرائهم، ويمكن لمؤلفى كتب المساعدة الذاتية إنشاء وكسب المال من دورات التعلم.
وأفادت شركة تقنية أخرى، وهى «كريزى ميبل ستوديوز» ومقرها ولاية كاليفورنيا، إنها تساعد المؤلفين فى إعادة نشر كتبهم؛ فبدلا من مجرد إعطاء القراء كلمات مصمتة على الصفحة، فإن تطبيقاتها الأربعة تضيف الرسوم المتحركة والموسيقى والمؤثرات الصوتية وحتى تشغيل الألعاب إلى الكتب الرقمية ــ حيث يمكن للقارئ أن يقرر ما تفعله الشخصية.
وقال مؤسس الشركة ومديرها التنفيذى، جوى جيا: «لقد أحدثت الثورة الرقمية وظهور القُراء الإلكترونيين أول تحول كبير فى صناعة النشر»؛ وفقا له من المرجح أن يتجه المؤلفون بشكل متزايد إلى التكنولوجيا نتيجة للحاجة إلى المنافسة فى عالم يتمتع فيه القراء المحتملون بالعديد من الخيارات حول كيفية قضاء أوقات فراغهم.
ومع ذلك، لا يزال الخبراء يحذرون من الإفراط فى الاعتماد على التقنيات التى تهدف إلى مساعدة الكتاب؛ فتقول ميليسا هافمان، الكاتبة ومدربة المؤلفين: «يمكن للتكنولوجيا أيضا أن تشتت الانتباه، لا سيما بسبب سهولة الولوج إلى وسائل التواصل الاجتماعى، حيث يمكن أن تؤدى خمس دقائق تصفح سريعة فى بعض الأحيان إلى ساعات من وقت الكتابة الضائع»، وقامت بتوجيه نصيحة للكُتاب الجدد فى اختيار المادة التقنية المناسبة التى تتلاءم مع شخصياتهم وأنماط كتاباتهم ومن ثم استعمالها، وأن يحذروا تمام الوقوع فى فخ التجربة، حيث يقومون بتجربة كل شىء فى آليات الكتابة على أمل الوصول لطريقة سحرية لإنهاء العمل مما يسفر عن تشتتهم وضياع مجهودهم فى النهاية.
المصدر: الشروق