تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
من المشرق إلى المغرب .. عاشوراء تاريخ واحد بتعابير متعددة

عاشوراء هو العاشر من المحرم، مناسبة دينية إسلامية تتجدد كل عام وتتكرر، بدلالات متناقضة داخل الديانة الواحدة، فهي ذكرى فرح وسرور لدى المسلمين السنة، بينما تمثل للمذاهب الشيعية لحظة حزن. لكل من الطائفتين، حتى خارج الملة بالنسبة إلى العقيدة اليهودية التي تقدس يوم "الغفران" أو "يوم كيبور" باللسان العبري، ومعناه "يوم الكفارة"، مراسم وعادات وطقوس احتفالية خاصة بيوم عاشوراء.


يحتفي السنة في مجمل البلدان الإسلامية بشريعة الصيام، اقتداء بالسنة النبوية، التي أوصت بصيام عاشوراء، لأنه اليوم الذي نجى الله فيه نبيه موسى - عليه السلام - مع قومه من بطش وجبروت فرعون وجنوده.


ويصادف لدى الشيعة ذكرى "موقعة كربلاء"، إذ يقيم الشيعة حفلات ومراسم عزاء بهذه المناسبة، فتخرج حشود كبيرة في مواكب بهذه الذكرى. تبدأ الطقوس من داخل المنازل، بالامتناع عن طبخ الطعام، حيث تقوم النساء برمي أواني الطبخ على الأرض، بصورة مقلوبة، دلالة على الحزن والحداد. وتكثر مجالس العزاء المعروفة باسم "القرايات"، للرجال والنساء، يديرها راو أو راوية يحكي للحاضرين قصصا على شكل تراتيل حزينة. ليختتم اليوم بمواكب العزاء المشهورة باللطم بقوة على الوجوه والصدور، وسط الأسى والحزن وأصوات النحيب.


بعيدا عن تفاصيل الأجواء الاحتفالية المألوفة، في ربوع العالم الإسلامي، تحظى عاشوراء بطقوس استثنائية خاصة في بعض الدول، في المشرق كما في المغرب، ويمتزج فيها الشعائري بالثقافي بالفرجوي في جو مهيب. فيحظى هذا اليوم بأنشطة فريدة خاصة بهذا اليوم.

التعزية مراسم بكائية لصون الذاكرة

ازدهرت حفلات التعزية أو "التمثيل المقدس"، في بلاد فارس في فترة ما بين القرنين 16 و18، وإن كانت جذورها أقدم من ذلك بكثير، فالبدايات الأولى لهذه الطقوس ترجع - وفق باحثين أصحاب الاختصاص - إلى حدود القرن الرابع الهجري في العراق، وراوحت استمراريتها بين المد والجزر، فأحيانا يسمح بإقامتها، ويمنع ذلك في أحيان أخرى، حسب مواقف الولاة والسلاطين من أصحابها.


شهدت التعزية في عهد الدولة القاجارية ازدهارا كبيرا، مستثمرة مجمل التحولات التي صاحبتها. فالعروض في الأصل كانت صامتة حتى أواسط القرن الـ19، حيث صارت ناطقة، وصاحبتها أشعار وأناشيد. وحظيت بدعم وتشجيع الدولة، في عصر ناصر الدين شاه "1848 - 1896"، فأضحت برعاية واحتضان من الملك في العاصمة طهران، وكانت تحظى بتمويل من حاشيته.


حاول النظام الإيراني بعد الثورة، الاستثمار بقوة في هذا الفن، للتغطية على مواقف الرفض لجميع أشكال الفنون الغربية. فسعت الدولة جاهدة إلى إحياء هذا المسرح الطقسي التراجيدي، الذي يستطيع نقل الجمهور، في لحظة واحدة، من هدير الضحكات إلى النحيب العلني. هكذا أضحى "مسرح التعازي"، باعتباره شكلا فنيا قوميا، يمثل صميم العقيدة الشيعية، ويساير حركة الإيعاز الديني التي واكبت الثورة الإيرانية.


عادة ما تكون بنية نص "التعزية" حوارية، تستوحي أفكارها ومضامينها من معركة كربلاء، وقد تأتي على شكل نص نثري أو شعري بسيط. وتسند الأدوار إلى أناس عاديين يشاركون في الأداء، مساهمة منهم في الاحتفاء بتقاليد عاشوراء. في العقود الأخيرة، راهنت "التعزية" ملابس المشاركين، قصد ضمان وصول الأفكار إلى المشاهدين بسهولة، وفهم أكبر لما يجري.


لا يعترف كثير من النقاد بوجود فن باسم "مسرح التعزية"، فهذه المراسم في نظرهم مجرد مشاهد بكائية "يقوم بها فنانون مدفوعو الثمن، من قبل المؤسسات الدينية من أجل التأكيد على الحس الطائفي، وهذا هو السبب لإشاعة مثل هذه العروض". فالهدف من وراء هذه البكائيات غير فني إطلاقا، فهم يقدمون هذه البكائيات بأساليب المسرح التقليدي، دون أي إبداع أو تميز حتى تستحق نيل وصف خاص بها.



«إمعشار» فرجة عريقة بطابع محلي

في جنوب المغرب، تحديدا في منطقة سوس، ليلة عاشوراء موعد الأمازيغ مع "إمعشار"، أحد الأشكال الفرجوية العريقة الضاربة في القدم والتجذر في المجتمع السوسي، المستوحاة من الموروث اليهودي في المنطقة. ويتأسس هذا الطقس الاحتفالي الساخر على ثلاثة مبادئ، هي: التنكر والتقنع، تقليد عادات وتراث اليهود بسخرية، وكسر التابوهات. كل ذلك في قالب جماعي هزلي، مضمونه أنشطة وثيقة الصلة بالمعيش اليومي للمواطنين "الحرث والحصاد والدرس..." بشكل نقدي وجريء.


يرتدي المشاركون في الموكب الاستعراضي ملابس وأقنعة تنكرية، ويتكون من شخصيات محورية أهمها: الحاج "قائد الموكب" والحزان "اليهودي" وتودايت "اليهودية" وتوايا "الخادمة" وموشي "يهودي حذق"، وشخوص آخرين، حسب محتوى العرض الفكاهي. يرقص ويغني الجميع على إيقاع الدفوف والنواقيس والمزامير، مع الضرب على الأرض بأعمدة خشبية، في تناغم وتناسق مع الإيقاع. تعطى الإشارة إلى انطلاق الحفل بموسيقى تدعى "تحواشت"، تتلوها عدة مقاطع غنائية باللسان الأمازيغي "إيموزيك"، عادة ما تكون وثيقة الصلة بمضمون العرض التمثيلي.
تتخلل العرض التمثيلي الهزلي الساخر، الذي يرمي إلى الإمتاع والإضحاك، دون إغفال نقد الظواهر الاجتماعية، عروض موازية لمجسمات تمثل الحيوانات ذات الصلة بالدورة الزراعية للإنسان الأمازيغي في مناطق سوس "الحمار والجمل والبغل والكلب والبقرة...". كل ذلك في موكب منظم، يجوب شوارع المدينة وصولا إلى الساحة الكبرى، مكان تقديم العرض الرئيس، الذي تمتد فصوله حتى وقت متأخر من الليل.


للصغار نصيب في هذه الذكرى، فعلاوة على الهدايا التي يتلقونها من الأقارب، منذ مطلع شمس يوم عاشوراء، لهم موعد مع طقس أصروض أغردا "طرد الفئران"، بمشاركة الأطفال واليافعين، حتى النساء بغرض التنظيم. يردد المشاركون في هذه الاحتفالية أشعارا أمازيغية موزونة، تحمل في ثناياها دلالات رمزية، تدعو إلى طرد الفئران والحشرات الضارة من البلدة، لمضارها على المحاصيل الزراعية.


عاشوراء تاريخ واحد بتأويلات متعددة، فلدى الشيعة مع الحزن والألم والحسرة، ولحظة سنوية لنقل فصول من التراث الشيعي إلى الأجيال القادمة. ولدى السنة مناسبة تعبدية، وأحيانا احتفالية بعادات وتقاليد خاصة، تمتزج فيها التسلية بالمرح والجد مع الهزل، وتحضر الأسطورة مع الخرافة في قالب فني مثير ومتشعب.

 

 

المصدر: الأقتصادية 

24 أغسطس, 2021 02:41:43 مساء
0