تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
مقبل المومني والشعر الوجودي

استلهم الشاعر مقبل المومني (الرئيس السابق لنادي أسرة القلم الثقافي في الزرقاء) في ديوانه (حوار مع الذات): الوجوديّة باعتبارها وليدة الحداثة الفكريّة التي طالت الشّعر العربيّ الحديث، في الفاظه وصوره وموسيقاه، وفي أنساقه واستدعاءاته الفكريّة والسلوكيّة وفي تشكيلاته الجمالية، وراعى في قصائده ما تميزت به الوجودية من صّفات مليئة بالمعاني، ومنها: الخوف، والقلق، والتمزّق والتشتت، والحيرة، والسخط، ومعاناة الوجود الإنسانيّ من أزماته ومشكلاته وقضايا الذّات الفرديّة والجماعيّة.


وعدا عن إلمامه بالأرضيّة التّاريخيّة للفكر الوجوديّ، فقد استوعب شاعرنا التغييرات التي أحدثتها الوجودية في الشعر، فصار من حقه أن يبدع شعرا في أيّ موضوع يشاء، شريطة أن يرتفع به إلى إبداع عالم من الإمكان في نطاق الذّاتيّة.


كتب الشاعر مقبل المومنيقصائده في الوقت الذي اشتهر فيه عدد من الشعراء الوجوديين ومنهم:خليل حاوي وأدونيس والبياتي وصلاح عبد الصّبور»، ومن دون أن يتأثر بهم، بالغ في استخدام الصّور ، وكان أحيانا يجعل من أبياته كلّها معرضاً مستمرّاً لصور متوالية، متجنبا المعطيات السّلبيّة للفلسفة الوجوديّة كالتّمزّق واليأس والعبث والاستسلام والغربة والقلق والتّوتّر والملل والضّياع والغثيان والتّنكّر لقيم الأخلاق والعيش في دوامة الحيرة والتّناقض والانسحاق، ومركزا على جوانب الوجوديّة الايجابيّة، التي تعتبر الإنسان أصلاً في الوجود، وتتبنى الذّات الفرديّة، والحريّة التي لا يقيّدها شيء، والتي تتحقّق بالعمل والإبداع وتغيير الحاضر وبناء المستقبل، لايمانه أن الحريّة والالتزام الكلّي أفضل ما منحتنا فلسفة الوجوديّة، وأفضل ما تبّناه الشّعر الوجوديّ.


لقد مات الشاعر خليل حاوي منتحرا، بينما يبدع الشاعر مقبل المومني عام 1969 قصيدة في فتاة ماتت منتحرة لرفض ذويها تزويجها ممن تحب.


ولقد رأى جبران خليل جبران خلاص البشرية في في عالم الغابات، ورأى ايليا ابوماضي خلاص البشرية في الجمال والتفاؤل، ورأى عمر الخيام خلاص البشرية في الفرح والنشوة،أما مقبل المومني فرأى خلاص البشرية في الحب والمقاومة.


مقبل المومني، هذا النشمي القومي، الذي يكتب من برج الشعر العاجي، والذي تتميز بعض قصائده بسهولتها وسلاستها وجاهزيتها للغناء، بينما يتميز بعضها الآخر بأنه موجه للنخبة، التي تمتلك ناصية اللغة والبلاغة والعروض، لتصلها المعاني العظيمة التي بثها في قصائده الإنسانية الداعية للتشبث بالحياة بعد فهمها، وليدركوا ما ورائيات توظيفه لخياله الإبداعي الجمالي من أجل رسم الحياة الإنسانية الواقعية.


تقر فلسفة مقبل المومني، كما تبدت في شعره، بمحدوديّة القدرات البشريّة على الإحاطة بالقضايا الوجوديّة الكبرى، وبعدم إمكانية الوصول إلى معرفة أسرار الوجود والأزل، ورغم ما في قصائده من التّفسيرات لانطباعاته وخِبراته، إلا انه يعتقد أنّ عالَمًا موجودًا خارج نطاق إدراك البشر، وأن كلّ ما يصلون إليه من علم ومعرفة ليس الحقيقة والواقع؛ بل ما وافق وسائلهم الإدراكيّة.


التزم مقبل المومني بالهموم الوطنية الجمعية لأمته، وواكب مسيرة المقاومين الرافضين للإحتلال الذي تعرّض لنقده ولقصفه الشعري، وكتب – ونفسه ما زالت خضراء طرية - في الغزل، ولأنه ابن بيئته، فقد كتب قصيدة تعتبر ملحمة طويلة النفس في العمال وما يتعرضون له على الصعيد النقابي، وكتب تحت عنوان(عشرون عاما) رباعيات ابتعد فيها كثيرا عن المباشرة، وحرص على استقلاليته وعلى عدم التأثر بمن سبقه من الشعراء، ولعلّ هذه الرباعية تلخص ما تعرّض له هو وأبناء جيله الغاضب من ارهاصات وتحديات:
داست على قلبي الحياة ولم أزل غضّ الإهاب
وعلى حطامي سارت الدنيا ولم ترحم شبابـــي
فحبست أحلامي وأشواقي وبؤسي واغترابـــي
بعميق وجداني ملاذا من ضياعي واستلابــــي.

 

 

المصدر: الدستور

29 أغسطس, 2021 10:41:33 صباحا
0