تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
تماثيل نانا الضاحكة

إنتصار الغريب


تعتبر واحدة من الفنانات القلائل المعروفات على نطاق واسع بالمنحوتات الضخمة غريبة الأطوار، حصلت على تقدير كبير في عالم الفن الذي هيمن عليه الرجال لعقود من الزمن.

اشتهرت الفنانة الأميركية-الفرنسية «نيكي دي سانت فال» بمنحوتاتها الأنثوية ذات الألوان المبهجة الفاتحة، ذات تأثير كبير يصل إلى أعماق النفس، منحوتات خفيفة القلب، غريبة الأطوار ملونة، واسعة النطاق من الحيوانات، الوحوش، الشخصيات الأنثوية.

تنتشر منحوتاتها في عدة بلدان أوروبية، تحمل اسم نانا، وتعبر عن الأنوثة وفن البوب الحديث، النانا تعبير عن القوة الحية والأنوثة وحرية التعبير، كما تعكس نيكي فلسفتها وعصارة تجاربها في الحياة منذ طفولتها العصيبة بامتياز، وهي نحاتة بارعة ورسامة وفنانة تشكيلية.

 

حديقة الفرح

1631393077767_PfMFP_large.jpeg

 

بعض المنحوتات تصور طائرا وفيلا وقلبا تدور باستمرار، مع تناثر الماء، لكن أكثر أعمالها شهرة يقع في ميدان «إيغور سترافينسكي» في باريس.

اشتهرت نيكي بحديقة الفرح الرائعة أو حديقة «التاروت» أكثر اعمالها شمولية في توسكانا، وهي حديقة كبيرة منحوتة تحتوي على العديد من الأعمال النحتية والشخصيات العملاقة، تختال فوق بلاط من الموزاييك، مبنية من الخرسانة المسلحة ومغطاة بالمرايا والفسيفساء والخزف، التي تصل إلى ابداعات بحجم المنزل. مستوحاة من طراز الفنان العملاق غاودي في برشلونة وباركو دي موستري في بومارزو مقاطعة-فيتيربو بايطاليا، عاشت الفنانة نفسها مثل الإمبراطورة لسنوات أثناء بناء الحديقة في نفس المكان

عبر حياتها الطويلة أنتجت 22 منحوتة ضخمة مغطاة بالفسيفساء والزجاج يغلب عليها اللون الأزرق، لكنها تثير البهجة مثل السيدة الوردية ذات الشعر الأزرق، اشتهرت في ألمانيا بما أنتجته من سلسلة تماثيل نانا، تزين شارعا كبيرا في هانوفر منذ عام 1974 وهو «لايبنتز أورفر» الذي يؤدي لجامعة هانوفر.

الانتقال إلى أسبانيا

 

انتقلت نيكي عام 1955 مع أسرتها إلى جزيرة مايوركا الاسبانية وكانت على اتصال دائم باعمال غاودي، الأب الروحي للموزاييك في اسبانيا وصاحب سلسلة غرادا فاميليا الشهيرة، ومجموعة منازل الفسيفساء الملونة باسبانيا.. وفي عام 1960 التقت الرسام والنحات السويسري جان تينغلي عملت معه على النافورة الشهيرة المضحكة في باريس بالقرب من متحف جورج بومبيدو الشهير، كان تينغلي أحد الواقعيين الجدد، وهي حركة فرنسية انضمت اليها نيكي لاحقا، خلال تلك الفترة بدأت برسمها الشهير «لوحات التصوير» عبارة عن مجموعة أشياء وأكياس طلاء على لوحة ثم أطلقت النار على تلك الأكياس ببندقية.

كانت على اتصال دائم باشهر الفنانين والكتاب والملحنين المعاصرين، تعاونت مع فنانين مشهورين مثل جاسبر جونز وروبرت روسشنبرغ ولاري ريفرز والملحن جون كيج والمعماري ماريوبوتا، بالإضافة لعشرات الفنانين والحرفيين غير المعروفين.

معاناة واستمرار

1631393089805_vueDT_large.jpeg

عملت لعدة عقود بشكل خاص مع الفنان الحركي السويسري جين تينغيلي، الذي أصبح أيضًا زوجها الثاني. في سنواتها الأخيرة، عانت العديد من المشكلات الصحية المزمنة التي تعزى إلى التعرض المتكرر للألياف الزجاجية والأبخرة البتروكيماوية من المواد التجريبية التي استخدمتها في أعمالها الفنية الرائدة، لكنها استمرت في الإبداع بشكل مكثف حتى نهاية حياتها.

عام 1965 أنتجت أول سلسلة تماثيل للمرأة الضخمة عرضتها في باريس، وظلت تلك المنحوتات العملاقة تجسيدا للأنوثة الطاغية المرحة الراقصة، بألوان زاهية وهي منذ صغرها تفضل ارتداء الالوان الزاهية التي تبعث الفرح والأمل وأنتجت من تلك «النانا» العديد من التشكيلات. مثل «النانا السوداء» في متحف فرديناند فرانز فالراف-المانيا، و تمثالها «نانا على دلفين» واحتفظ به في متحف لودفيج بكولونيا -ألمانيا.

مواكبة فن البوب

لم يكن لديها أي تدريب رسمي على الفن، لكنها ارتبطت بحرية مع العديد من الفنانين والكتاب والملحنين المعاصرين.. تميزت نيكي بالحماسة والعاطفة والشعور بالحيوية الدائمة، وسعيها نحو التصوير أيضا واستخدامها الجريء للألوان، كانت معروفة جيداً في أوروبا، لكن عملها لم يُشاهد إلا قليلاً في الولايات المتحدة، حتى سنواتها الأخيرة في سان دييغو، لكنها كانت ناشطة سياسيًا واجتماعيًا ومهتمة بدور المرأة في عالم الرجل، مع الحرب، والإيدز، والعنصرية، وأكثر من ذلك، واكبت نيكي ما يسمى بـ «فن البوب» الذي ازدهر اواخر الخمسينيات ومطلع الستينيات في أميركا وفرنسا وبريطانيا، فهو مستوحى من الثقافة الشعبية وفن الشوارع بدأ كتمرد ضد الفن والثقافة والآراء التقليدية في الفن، ظهر في ظل تداعيات حرب فيتنام والحرب الكورية وانطلاق حركات التمرد والتحرر النسوي حول العالم وسليل الحركة الدادائية الشهيرة، التي أدت لنشوء طبقة من الشعراء والفنانين الساخرين من جدوى الحرب والحياة وكل شيء.

 

 

المصدر: القبس الثقافي

12 سبتمبر, 2021 04:50:33 مساء
0